المقالات

( كلٌ نسوكِ يا مستورة )

 

( كلٌ نسوكِ يا مستورة )

الكاتبة والشاعرة / أ. ليلى الأحمدي

حين نقول عن إنسان :
هذا شاعر، فإن اسم الفاعل الذي ننطقه لا يعني بالضرورة أنه يكتب الشعر، فما أكثر الشعراء الذين لا يكتبون القصائد ، وما أكثر من يكتبون القصائد ولا يمتون للشعر بصلة، ولكن هناك من يعيش المشاعر ثم ينفثها حروفًا آسرة، وما كان سبب جمال هذه القصائد إلا جرعة الصدق التي بداخلها وطيب ذلك الإناء الذي نضح بها .

هذا هو الشاعر الذي وجدته في مستورة الأحمدي ، الشاعرة التي تنضح بالشعر مضمخًا بطيب روحها ، مرتديًا صدق المعاني وعمقها .

فما قرأت في حياتي أبياتًا أعذب من أبياتها، ولا رأيت في حياتي كتلة معانٍ ترتدي ثوب امرأة كمثل مستورة.

في حديثي هذا تواضعّ شديد عن بلوغ مكانتها ، ودليلي هو كل من رآها ولو لمرة واحدة، مستورة لاتنظم الشعر ، إنها تسكبه دفعة واحدة كأنما هي غيمة ماطرة ،مستقبلة أودية القلوب .
مستورة لا تكتب عن ذاتها فقط ، إنها تتلبس كل المواقف الإنسانية التي تمر بها ، فلا يهدأ لها بال حتى ترسم هذا الموقف بكلماتها .
في ديوانها ( حروف لا تجر ) ، مدرسة متكاملة من الشعر المعتق ، في قوارير شفافة من شغاف القلوب ، كل بيت هو حكمة بذاته، وشعرها يخلو من تلك الأبيات التي تنظم لتسند بعضها ، هي لا تبدأ القصيدة ولا تنهيها ، بل تغني شجنًا حتى يبلغ منتهاه، أو ترتل فرحًا حتى ينام على أطراف الورقة ،
أو تسكن جسدًا حتى تنصب معاناته من مدامعها شعرًا قراحًا.
من يعشق الشعر الحقيقي فسيدمن حروفها ، ومن أراد أن يشاهد قمة المشاعر فليصعد إلى ذلك الجبل ، ((ديوانها)) ، لن ينحدر منه إلا ليشتاق إليه مرة أخرى .

من آخر ما كتبت الراحلة ، قصيدة يا أماني ، وهي القصيدة الوصية ( كما أسميتُها ) فقد حضرت ولادة هذه القصيدة في أبو ظبي حين كانت في مسابقة شاعر المليون وكنت أرافقها فيها،
فكل أبيات هذه القصيدة هي وصايا لابنها أديب .
وقبل ذلك بقليل كتبت قصيدة الحناء عن ابنتها وتين ، وهي تلك ( الغزلية البيضاء ) التي لن ترث وتين أغلى منها ولن تتوج في حياتها بتاجٍ أنفس دررٍ منها ،أما قصيدة ( شرفة الضي ) فهي قصيدة حالمة وفيها زغاريد وأضواء وأمواج وفخر وغناء ، كل بيت فيها يغني عن قصيدة.
فاسمحوا لي أن أعتذر لصديقتي الراحلة رحمها الله والتي لم تجد من الإعلام بعد وفاتها تأبينًا وهي التي تستحق ، وأقول لها ما قاله الشابي :
كل نسوكِ ولم يعودوا يذكرونك في الحياة/ والدهر يدفن في ظلام الموت حتى الذكريات

، وأردد بيتها الذي كنا نردده نهاية كل مكالمة بيننا :

في امان الله يا أرض القصيد وياسما الشعار / في امان الله
يا نجمٍ حبسني الدمع عن شوفه .

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى