المقالات

ذكرى يوم الأرض الفلسطيني  لابد أن يكون ممتداً حتى إشراقة شمس حرية لا تغيب

  • بقلم/ وسيلة الحلبي

في امتداد الأغنية المعبأة برائحة الجذور وعمقها، تأتي الأرض لتكون العرس والزغرودة والصوت والمدى، وما يوم الأرض الذي انطلق صرخة مدوية في الثلاثين من آذار عام 1976 م ـ مطلقاً عرس شهدائه: خير ياسين، رجا أبو ريا، رأفت الزهيري، خديجة شواهنة، خضر خلايلة، ومحسن طه ـ إلا المرآة التي عكست بصدق شدة تعلق الفلسطيني على مرّ الزمان بهذه الأرض التي جعل مهرها دماً وروحاً ودفق شريان.

 قال شاعر الأرض محمود درويش:

في شهر أذار، في سنة الانتفاضة

 قالت لنا الارض أسرارها الدمويّة.

 في شهر أذار مرّت أمام

البنفسج والبندقيّة خمس بنات

وقفن على باب مدرسة ابتدائيّة

 واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ

  افتتحن نشيد التراب

 دخلن العناق النهائيّ

اذار يأتي الى الارض من باطن الارض

 يأتي ومن رقصة الفتيات-

البنفسج مال قليلا ليعبر صوت البنات

 العصافير مدّت مناقيرها في اتجاه النشيد

وقلبي أنا الأرض والأرض أنت خديجة لا تغلقي الباب

لا تدخلي في الغياب سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل

 سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل

سنطردهم من هواء الجليل.

 ولأن صوت الأرض لا ينام، فقد كان الاحتفاء بيوم الأرض احتفاءً دائماً ومع كل دقيقة على مدار العام، إلى جانب الاحتفاء في الثلاثين من آذار كل عام، وليس هناك انفصال أو فضل بين هذا وذاك. فالأرض هي الأم والحبيبة. ويخلد ذكرى يوم الأرض الشاعر الفلسطيني سميح القاسم بقصيدة بعنوان “يا أمنا”، حيث قال:

 يا أمنا الأرض ابشري واستبشري..

مازال يحرس عرضك الأبناءُ

لكِ إن عطشت من العروق مواردٌ..

وإذا عريت من الجسوم كساءُ

عربية كانت وتبقى أرضنا.

 عربيةً وليصخب السفهاءُ”.

فهذه الأرض التي تزداد امتداداً في الجسد الفلسطيني يوماً بعد يوم مع امتداد الدم الفلسطيني شهادة وعطاء لا ينضبان يبقى شعر أبنائها ملتصقاً بأغنية الأرض وعشقها معبراً عن علاقة الشاعر الفلسطيني بأرضه التي تحولت لتكون خفق قلب وتحليق روح ونغم وجدان، فهي الحب والحبيبة والدم والعصب والتاريخ والأهل وكل الحكايات…

فها هو الشاعر سليمان دغش الذي يحاول التوحد مع الأرض والذهاب في عطرها ونبضها حتى النهاية يقول:

“مخدتي زهرْ

 وفرشتي حشائش برية

 والبدر قنديل السمرْ

 وأنت لي أغنية

 إن جعت آكلُ التراب

 وأمضغُ الحجرُ

 وإن عطشتُ أوقفُ السحابْ

 وأنزل المطرْ “ثم” أصابعي شجرْ

 ومهجتي صخرية”

 وأنتِ لي القدرْ يا أرضُ والهوية

 ويقول الشاعر الراحل هايل عساقله:

في موطني عشق الصبايا قاتل

 والعشق مثل مياهه لا ينضبُإن

يسقط الشهداء فوق تلالنا

ويقدموا ما تشتهي أو تطلبُ

فالعشق علمهم بأن ترابنا

 أغلى من الرمق الأخير وأعذبُ.

فهو يجد أن عشق الأرض، وترابها، أغلى وأعذب من هذا الرمق الأخير. وعن علاقة الإنسان بأرضه وحبه لها يقول الشاعر سليمان دغش:

“لماذا حاولوا قتلي

لماذا حاولوا فصلي

 عن الأرض التي انتشرت على جفنيَّ منديلاً

من الأزهار والعشبِ

 لماذا حاولوا فصلي

 عن الأرض التي التحمتْ على قلبي

 جناحاً ناعماً الزُّغبِ

 لماذا حاولوا التفريقَ

بينَ العين والهدبِ”

 ثم “سلوا الزيتونَ

 فالزيتونُ يعرفني

 ويشهدُ أنَّ ذا وطني

 وأني راسخ “كالصخر

 كالزيتون كالعنبِ

 سلوا الأشجارَ

 والأحجارَ

 إن شئتمْ

 فكلُّ الأرض تعرفني

 وكل الأرض تعشقني.

وفي هذا المسار من حب الأرض يقول الشاعر الفلسطيني توفيق زياد في قصيدته “كلمات للوطن”

مثلما كنت ستبقى يا وطنْ

حاضرا في ورق الدّفلى

 وعطر الياسمينْ حاضرا في التين والزيتون في طور سنينْ

حاضرا في البرق والرعد وأقواس قزحْ

في ارتعاشات الفرحْ

حاضرا في الشفق الدامي وفي ضوء القمرْ”

وفي قصيدة بعنوان “وأبي أوصى بتفاح الجليل” يرى الشاعر هايل عساقلة أنه الأرض في كل نبضة وعرق فيقول:

أنا من بلاد العشق من هذا الثرى

جبلت ضلوع الصدر والجفن اكتحل

” ثم في قصيدة “أرض البطولات يقول

وتنمو الدوالي على راحتي

وظل الدوالي على منكبي

وتشدو العصافير صبحاً وعصراً

ويعصف سهل الثرى معشب.

 إنه حب الفلسطيني لأرضه ومثل هذه العلاقة القوية المتميزة بالأرض، استدعت أن يصر الإنسان العربي الفلسطيني على البقاء والثبات بكل شكل ممكن، فالأرض الفلسطينية تنادي إنسانها بلغةِ الشجرِ والتراب والماء لكي يصمد أكثر، و يتشبث بكل حبة تراب حتى آخر رمق.

يقول الشاعر منيب فهد الحاج في قصيدته “معاذ الله أن نرحل

هنا باقون لن نرحل

 سنبقى فوق هذي الأرض نحيا لا نفارقها

ففوق ترابها أجدادنا درجوا

 وغذّوها بدمهم

 فصارت كنزنا الأكبر

فهل نرحل؟؟

 سنبقى فوق هذي الأرض نزرعها

 ونحميها بأضلعنا

 ونعشقها

 لتبقى حبنا الأمثل

 هنا باقون ولن نرحل

فالمسافة تسجل حضور عدة صور في نسق واحد متلاحق، لتقول في مجموعها ببقاء الفلسطيني وصموده فوق أرضه في مواجهته الاحتلال. ومثل هذه الصورة نلتقي شيئاً من ألوانها في قصيدة “قراءات في عيون حبيبتي” للشاعر عبد الناصر صالح حيث يقول:

 

 لماذا سأرحلْ

 وأتركُ وجهك عنّي بعيدا

فكَوني بقربك أجملْ

 لماذا أغوصُ ببحرِ الجراح

 وعيناك بحري الكبيرُ المفضَّلْ

 ويعود صوت الشاعر منيب فهد الحاج ليؤكد مرة أخرى على الصمود والثبات في قصيدته “شعبي الصامد”:

 صامد كالطود شعبي

صامد يأبى المذلة والهوان

راسخ كالسنديان

 مثل زيتون الجليل…”

وكانت صرخة الإنسان الفلسطيني مليئة بالصدق حين انطلقت على لسان الشاعر هايل عساقلة في قصيدته “لو ضمني هذا الثرى كفناً “حيث قال:

إن تسألوا نبع من الكوثر

وطني وبستان” من الصعتر

 وحجارة” من مرمر صقلتْ

فتمايلَ الياقوتُ والمرمرْ

 فثراك حفنةُ أنجمٍ ولذا

 لو ضمَّني كفناً فلن أخسر.

إنها الأرض أرض فلسطين الحبيبة ويومها المشتعل أبداً بدم شهدائها. ولأن الأرض مشغولة مزروعة بكل هذا العطاء الخصب، فلابد أن يكون يومها ممتداً حتى إشراقة شمس حرية لا تغيب

 

 

عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين

عضو اتحاد الكتاب والمثقفين العرب

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى