المقالاتشريط الاخبار

*ثورة في مهنة الطوافة*

بقلم : عبدالعزيز قاسم
اعلامي وكاتب صحفي

*1)* “ما تقومون به هو ثورة كبرى في مهنة الطوافة”. كان هذا تعليقي اليوم على د.عمرو المداح مشرف عام التطوير والتخطيط في وزارة الحج والعمرة، وقد شرفت بإدارة حوار له في ديوانية محمد السالم في جدة، وقد ألقى علينا ورقة بعنوان: “التحوّل المؤسسي في وزارة الحج والعمرة والقطاعات التابعة لها والمشرفة عليها”.

*2)* الحقيقة أن د.المداح تكلم بحماسة كبيرة عن مشروع التحوّل الذي يقومون به في وزارة الحج والعمرة حيال مؤسسات الطوافة، والانتقال بها إلى كيانات اقتصادية مستقلة وشركات استثمارية كبرى، تتماشى ورؤية 2030، وقال ابتداء أن مؤسسات الطوافة بشكلها الحالي لن تستطيع مسايرة ما هو مطلوب منها في العام 2030.

*3)* د.المداح قال بأن العدد المستهدف هو 30 مليون معتمر، و5ملايين حاج، وأن مؤسسات الطوافة بوضعها الحالي تحتاج إلى تطوير كامل وتحسين في جودة الأداء كي تتمكن من خدمة هذا العدد بما يليق ومكانتنا، لذلك كانت الخطوة الفاصلة بتحويلها لكيانات اقتصادية وشركات مساهمة، تخضع للمراقبة والحوكمة والمحاسبة والقوائم المالية.

*4)* بالمناسبة، ظننت أن هذا التطوير في موضوع الطوافة هو الأول، فكان التصحيح بأن المهنة، كأي مهنة أخرى، مرت بتغييرات بحسب ظرفها الزماني، في الأعوام (1367، 1398، 1399للهجرة) يعرفها أصحاب المهنة، وهذا التحول الذي يقومون به، إنما هو مسايرة لما هو مطلوب في هذا العصر، والتحدي الكبير في خدمة ال30 مليون معتمر وال5 ملايين حاج.

*5)* من الأهداف الرئيسة في موضوع التحول هو تطوير أداء خدمة الحاج، ورفع درجة التنافسية. ما فهمته من ورقة د. المداح أن مؤسسات حجاج الداخل، وبسبب التنافسية بينهم، وترك العميل هو من يختار المؤسسة التي يحج معها؛ ارتفع أداء هذه الشركات بشكل كبير، وتسابقوا في تقديم باقات متنوعة، وتفننوا في جذب العميل لهم، وهم متفانون لإرضائه خشية تقييمه، لأن سمعتهم ستتأثر.

*6)* التنافسية هذه؛ غير موجودة في مؤسسات حجاج الخارج، التي هي ضامنة لعدد الحجاج حسب جنسياتهم وتوزيعهم الجغرافي، سواء أقدموا خدمة عالية أو عادية أو سيئة! وليس ثمة خيار أمام الحاج أن يختار المؤسسة التي تقدم خدمات جيدة كي يحج معها. التحول المزمع سيتيح مسألة التنافسية بين تلكم الشركات العملاقة الناشئة، وهو ما سينعكس رغما عنها لتحسين الخدمة وجودة الأداء، وتقديم باقات متنوعة جاذبة لحجاج العالم كله، بما هو عليه مؤسسات الداخل.

*7)* طبعا لم أفوّت الفرصة، وسألت متى يكون هذا؟ متى سيتاح للحاج من ماليزيا أو السنغال أن يختار الشركة التي يود أن يحج معها، دون أن يُرغم على شركة معينة؟ أجاب د. المداح بأننا سنبدأ بعد 3 سنوات، وتكتمل تماما خلال سنوات قليلة. بمعنى أن التوزيع بحسب الجغرافيا على المؤسسات سينتهي، والبقاء لمن يقدم الخدمة الأفضل فقط، ولا مكان أبدا للمتقاعسين أو المهملين أو مقدّمي الخدمة السيئة.

*8)* عندما كنت أزور بعض الدول الإسلامية، كانوا يتألمون من بعض التلاعب بالفيز، والسمسرة العالية التي تذهب بأكثر من نصف النقود التي ينهبها بعض الفسدة هناك. ترى الحاج الكهل، وقد أمضى عمره كاملا يعمل ويكدّ ويجمع نقود الحج، ثم يجد نفسه مضطرا أن يدفع للسماسرة والمتلاعبين كي يتمّ فريضته. هذا كله سينتهي بفعل هذا التحول للكيانات الاقتصادية والشركات الكبرى والحمد لله.

*9)* سألت عن الجلبة التي قرأتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وبكائيات بعض المطوفين بأن ما حصل هو تضييع لمهنة الطوافة، لكنني عندما استمعت بإنصات شديد لما قاله د. المداح، قلت والله إن ما فعلتموه انقاذ وحفظ لمهنة الطوافة، بل إعادة لرونقها ومكانتها الحقيقية، عندما كان المطوف يتفانى في الخدمة، ويجعلها رسالة وشرف قبل أن تكون مصدر تكسّب.

*10)* المطوف في السابق يعمل طوال العام، فتجده يسافر ويعود ويتابع طيلة العام، ولكن في العقود الأخيرة، نجد المطوف يعمل الثلاثة أسابيع، ومن ثم يعود لعمله الأساس، كأكاديمي أو معلم أو تاجر، ولا يعود للطوافة إلا قبل الحج. لكن بفعل التحول المزمع سيتخصص المطوف ويتفرغ بالكامل، ليعمل طيلة العام، أليس هذا عودة لأصل المهنة؟!

*11)* هناك مسألة الأموال المجمدة في مؤسسات الطوافة، وبعضها يزيد عن المليار ريال، ومعظمها تمتلك مئات الملايين، أليس من الجنون أن تبقى مجمّدة هكذا لسنوات؟ عندما تتحول المؤسسات لشركات اقتصادية سيتم استثمارها وتنميتها بدلا من تجميدها هكذا، وهذا من فوائد التحول، بإطلاق يد مجالس الإدارة لاستثمار هذه الأموال الموجودة في كل مؤسسات الطوافة.

*12)* عندما تداخل في المجلس اليوم بعض المطوفين مثل عبدالرحمن ماريه نائب رئيس مجلس مؤسسة أفريقيا غير العربية، ود. عصام أزهر رئيس إدارة مطوفي إيران، ود.يوسف جاها نائب رئيس إدارة جنوب شرق آسيا؛ ألفيت هؤلاء المطوفين مغتبطين جدا بقرار التحول، وفرحين به، ومثنين عليه، فصحت متفاجئا: ومن كان الذي يعترض في تويتر والواتس؟

*13)* اكتشفت أن المعترضين هم الكيانات الصغيرة التي تخشى التهميش والتآكل أمام كيانات اقتصادية عملاقة، وأجاب د. المداح بأن الفرصة متاحة لهم للاندماج، وأن السوق يتطلب وجود شركات عديدة بفعل عدد المعتمرين والحجاج الكبير، لذلك عليهم العمل من الآن والاستعداد لذلك، والبقاء دوما للأفضل والأجدر.

*14)* قلت للدكتور الصديق بسام غلمان بأن ما سمعته من أرقام وأهداف وحجج، لم تقنعني وحسب، بل معظم من في المجلس من أسماء اقتصادية رفيعة كانت حاضرة، ابتهجوا مثلي، ولكن عليكم في الوزارة أن تقوموا بحملة إعلامية كبيرة لإبراز كل ما سمعناه منكم اليوم، وستجدون كل المجتمع خلفكم في هذا القرار.

*15)* لا بد من خطة إعلامية مدروسة لإقناع وتبديد أوهام بعض المطوفين الصغار، وتلك الشركات الصغيرة التي تخشى التآكل، وأن هذا العمل هو ارتقاء لمهنة الطوافة بما يليق ومكانة المملكة، وبما يندرج تحت لافتة رؤية 2030 حول جودة الحياة، وجودة الأداء. لا نتحمل أبدا أبدا أبدا أي تقصير في خدمة ضيوف الرحمن بهذه الظروف السياسية التي نمر بها.

*16)* لم أنس أبناء مهنة الطوافة التي ورثوها أبا عن جدّ، وسألت عن مكانهم إن تحوّلت مؤسسات الطوافة لشركات مساهمة كبرى؟ الإجابة كانت بأن الأولوية لهم، فهم أبناء المهنة، ولكن للمجتهد العامل صاحب الخبرة، أما الذين لا يعملون، ولا يمتلكون الخبرات والمهارات فيكتفون بأسهمهم، فلا بقاء إلا للعامل المجدّ صاحب الخبرة.

*17)* كان ثمة سؤال جيد من الأخ ضياء معبر حول دور وزارة الحج والعمرة بعد عملية التحول، وهل ستخرج من الموضوع برمته؟ وكانت الإجابة بأنها ستكون مستمرة كجهة مشرفة على الشركات الناشئة، وستقوم بدورها كمشرف ومراقب ومتابع ومقيّم ومنظّم لهذه الشركات وفق ما تضمنه قرار مجلس الوزراء.

*18-18)* كل الدعاء والشكر لوزارة الحج والعمرة، ولمعالي الوزير الخلوق محمد بنتن، وفريقه العامل معه، والحقيقة أنني مغتبط بالكامل لما أسميته ب “ثورة في مهنة الطوافة”، ومؤمن تماما بأن التحول سيعيد لهذه المهنة النبيلة دورها الحقيقي الذي كان يتسابق فيه العرب من أيام الجاهلية لكسب الفضل والشرف والسيادة بسبب خدمة حجاج بيت الله.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى