المقالات

بائعة المناديل

بقلم : مؤمنة فرفور 

 

 

مررت بموقف لم أنساه كنت حینھا في مدینة إسطنبول و كان یوم رحلة العودة إلى العاصمة الریاض، كنت برفقة والدتي و أختي نمشي في شارع الإستقلال متجھین نحو الفندق لنحضر أنفسنا للذھاب إلى المطار، عندھا ھطلت الأمطار فجأة
وازدادت سرعة مشینا و في طریقنا لمحت من بعید في الجھة المقابلة من الشارع امرأه تجلس على الدرج بین المنازل تبیع المنادیل بیدھا الیسرى و تكفكف دمعھا بیدھا الیمنى، شعرت و كأن حزن العالم داخل قلبھا، أردت أن أذھب إلیھا لأعطیھا بعض من النقود ولم أفعل، ارتبكت، شعرت بالخجل من دمعتھا التي حاولت اخفاؤھا. كانت أمي تمشي مسرعة و الأمطار تھطل بشدة و الشارع مزدحم و أصبحت بعیدة أكثر عن تلك المسنة إلى أن تلاشت عني ملامحھا.
مضت الأیام و السنون ولم تغب عن بالي صورة تلك المسنة، أي مشاعر حقیقیة كانت تحملھا حتى استطاعت أن تؤثر بي إلى الآن! . تلك المسنة لم تشحذ المشاعر عن طریق استعطاف الغیر ولم تشحذ المال ، لم تربك نفسھا و الآخرین بظرفھا الصعب، بل حافظت على ماء وجھھا ولم تطلب أحداً و اعتمدت على نفسھا و قررت أن تبیع المنادیل، حاولت أن تخفي دمعتھا، قاومت كل الصعوبات لتحافظ على عفة نفسھا، كان تصرفھا كبیراً بعكس من یشكو سوء وضعه و ظرفه، دائم المطالب من الآخرین، متشبث بكارما الفقر بتصرفاته المربكة له و لغیره، لا یھنأ له عیش إن لم یُسمع الجمیع بأنه محتاج، دائم الشكوى لأهله و لجيرانه و لمن يعرفه و لا يعرفه، یشكو من قلة المال و الحظ و سوء الظرف، یشحذ المال و العواطف بكل السبل. قال صلى الله عليه و سلم: ” ما یزال الرجل یسأل الناس حتى یأتي یوم القیامة لیس في وجهه مزعة لحم”. رواه البخاري و مسلم. یعلمنا ھذا الحدیث الشریف طریقة الأدب مع النفس و احترامھا و صون كرامتھا أمام الغیر. أیضاً قال صلى الله عليه وسلم: ” إذا سألت فاسأل الله، و إذا استعنت فاستعن الله “. رواه ترمذي. إذا كان الإنسان دائم الشكوى بأنه محتاج فإنه بھذا التصرف یعزز من الأمر و يجعله مرتبطاً به أكثر، فیجب على الإنسان أن یحرر مشاعر الحاجة بأن یسأل الله بالدعاء و یستعن به و یسعي وراء الرزق و إحسان الظن بأن القادم أفضل ویتعوذ من الفقر و ضیق الحال و یكثر من الحمد و الشكر الله عز وجل، قال تعالى: ” و لئن شكرتم لأزیدنكم “. صدق الله العظیم، سورة إبراھیم، الآیة رقم ٧. و في نھایة مقالي ھذا أقول إلى كل من یعف نفسه عن طلب الناس و یسأل الله عز وجل في طلبه ، هنيئاً لك بحسن ظنك و تأكد بأن الله لن یخیبك.

مبادروة ملتزمون

تعليق واحد

  1. الإنسانية أسمى من اي شيء آخر.صدق المرأة المسنة دون أن تبوح ولو بحرف واحد جعل منها أيقونة تلفت النظر وان يبقى تأثيرها لسنوات..عفتها جعلت منها نبراساً ملهماً لكل انسان.
    رغم حاجتها إلا أنها لم تشتكي فقد ألجأت امرها إلى رب العزة سبحانه وتعالى فهو أعلم وهو الكفيل بها وبجميع خلقه..وهنا نضع نصب أعيننا أنه يجب أن لا ننسى الفقراء وان نحاول لملمة جراحهم بقدر ما نستطيع وبالذات ممن يعيشون متعففين لا يقبلون على أنفسهم ذل السؤال..
    قصة مؤثرة اخذتنا إليها الكاتبة ولمست القلوب..
    دامت تلك النفوس الطيبة
    والحمد لله أن الدنيا لا تخلو من أصحاب القلوب الرحيمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى