المقالات

” سلطانة الخلود “

مشاري الوسمي

في سمائي هي الكوكب المنير الذي يضئ العتمة و يؤنس الوحشة، تزيل الهم و الكدر.. لم يخلق الله مثلها، بل تباهى بها و كانت معجزته على الأرض، هي الطريق لقلوب العاشقين و سلوى الحائرين التائهين.. أسير في موكبها مفتونًا بها و متعلق الفؤاد، أصوغ لها و منها أجمل الدرر .

لم أكن عاشقها الوحيد لكني مولع بها.. تفتنني تفاصيلها و عذوبة منطقها، فإن ألجمت لساني بفصاحتها ذاب قلبي بقدسية حضورها و فتنة روعتها.. تربعت على عرش الفضيلة و الحُسن، فلا أحد ينافسها أو حتى يجرؤ على رفع ناظريه من هيبتها، تمر الأعوام و الأعمار و هي خالدة في الأعماق، كأسطورة اختصرت في وجودها كل العصور، و كتبت على صدر التاريخ اسمها محفورًا بحروفٍ من نور، حتى وإن انطفأ الزمان ستنيره.. فهي شعلة القلم و شمعة تنبض بها الحياة، رغم هالة النور التي حولها إلا انها تراقصني في الليالي المظلمة الباردة على ألحان المقامات الأندلسية، و شعلة من نارٍ لا أعرف حينها هل الدفئ من قربها أو من ألسنة اللهب .

رغم الهدوء، السكون و العتمة إلا أن ضجيجها يملأني و يثير مشاعري، يصل بي حد الجنون، يتفجر داخلي شلالٍ من الوجدِ و العشق يُخرج ما في صدري على هيئة عبارات وجُمل كالبلسم الشافي لجروحٍ خلفها الزمن وتفنن في حفرها بداخلي البشر.. تعود ثانية فتأخذني إلى عالمها الباذخ حيث القصور، البساتين و الورود المزهرة، ليتني ذلك السائل البائس الفقير الذي دخل جنتكِ وأقسم أن لن يخرج منها حتى لو قذفوه بأكبر الحصى و أوغلوا راسه في الثرى.. لكن أخترت كغيري أن أزوركِ في كل ليلة أحتضن منكِ ما أعرف ويا أسفي على جهلي فيما لا أعرف ..

أحتفل بكِ في كل عام سلطانة متوجة، رغم أنني عاشق متيم بكل تفاصيلك وأقسامك، دمتِ يارائعتي رمزًا أتباهى به فوق الخلائق و تاجًا ألبسه يزيدني نبلًا ورفعةٍ .. فأنتِ أميرتي، سلطانة فؤادي و أمي، أنتِ اللغة العربية، لغة أعظم الأنبياء وأقدس الكتب، لكِ منا يا رفيقة الأحلام السلام في كل عام، كل يوم وكل ليلة.. لغتي هي خيوط الشمس التى تنير الليالي العمياء و تُسمع الصم الغِناء و تعلوا على القمم فوق رؤوس الاشهاد.. وأن كتبت فيكِ ما استوفيتكِ حقكِ، إن لم أكتب وأنا الهائم أسير حبكِ فلمن أكتب .. سيفكِ المخملي قاطع صمتي وأخرجني من زوايا عزلتي لأُصاحب حروفكِ، أتمايل مع كلماتكِ ويجن جنوني ببحوركِ و شِعركِ ..

سيدتي سنطفئ شمعة خلودٍ آخرى لكِ و نحمد الله أنكِ بيننا وإن كنا قلة وأبنائكِ كُثر، لكن الخير قادم و جيشكِ في إزدياد، فأنتِ أمانة أودعها الله للعرب، و أسأله بتضرع وخشية أن لا أكون ممن ضيعها بل حفظها وزادها جمالا ..
كل عام وأمة العرب، أمة الإسلام وأمة الضاد بخير ..

مبادروة ملتزمون

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى