الدوليةشريط الاخبار

من جزرة بريجنيسكي الى عصا كيسنجر / رصد للتعاطي الأمريكي مع الملف الايراني

بقلم / علي القاسم
———————–
منذ ٢٠٠١ ، وحتى ٢٠١٧ ، يمكن للمختصين في الشأن الامريكي الجزم بأن الادارات الامريكية المتعاقبة على البيت الابيض ، سواء الجمهورية منها او الديموقراطية ، كانت حبيسة وجهة نظر مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق ( زبيغنيو بريجينسكي ) ، فيما يتعلق بالملف الايراني ، ولكن بدرجات متفاوته .
ويمكن تلخيص مقاربة بريجنيسكي في نقطتين اساسيتين :-
١- ( الجزرة قبل العصا ) تقديم المحفزات للنظام الايراني مقابل الحد من طموحاته السياسية والعسكرية .
٢- كسر تفرد رجال الدين بالسلطة ، بتقوية نفوذ رجال الاقتصاد ، حيث شجع بريجنسكي على ان تستثمر امريكا في ايران بشكل كبير ، وهذه الوضعية ستخلق قوة منافسة لرجال الدين في صنع القرار ، كما ستخلق طبقة وسطى تتبنى القيم الامريكية .
ويُرجع بريجنيسكي التعاطي مع النظام الايراني عبر التأثير الاقتصادي ، إلى حاجة الولايات المتحدة لطهران في افغانستان والعراق ، وبلغ به الحد الى القول في احدى لقاءته الصحفية عام ٢٠٠٣ ( إن نشوب حرب مع ايران قد تنعكس سلبا على مكانة امريكا في الساحة الدولية ) .
وقد تأثرت ادارة الرئيس ( جورج بوش الابن ) بهذا الطرح خاصة وأنه تزامن مع الحربين اللتين خاضتاهما امريكا في العراق وافغانستان ، كما أنه وجد قبولا متحفظا لدى بعض رموز المحافظين الجدد الذين وصفوا التفاوض مع ايران بالحوار المحرج .
اما الرئيس الامريكي باراك اوباما فقد تبنى بشكل كامل تصورات بريجنسكي ، و تجلى ذلك في شعار ( الحوار مع الاعداء ) الذي رفعه اوباما ، وما رافق ذلك الشعار من اطروحات تغيير قواعد اللعبة في منطقة الشرق الاوسط عبر ايجاد نُظم جديدة .
وقد كان لاوباما ما أراد ، حيث عمل بشكل حثيث على ابرام اتفاق عام ٢٠١٥ ، الذي رفع العقوبات الدولية عن ايران وأخرجها من عزلتها .
لكن عام ٢٠١٧ ، شهد تحولا دراماتيكيا ، حيث هدم الرئيس الامريكي( دونالد ترامب ) كل ما بناه سلفه على صعيد التقارب مع ايران ، وأعلن خروج بلاده من الاتفاق الدولي مع طهران ، و هو ما يعني انتهاء تأثير وجهة نظر ( زبيغنيو بريجينسكي ) على الادراة الامريكية .
وبالرغم من عدم القطع بتأثر إدارة ترامب باطروحات هنيري كيسنجر على صعيد التعاطي مع الملف الايراني ، وهذه الحالة من انعدام القطعية مرجعها إلى أن ادارة ترامب مازالت تمارس مهامها ، بالاضافة إلى الطبيعة المتقلبة للرئيس الامريكي ، لكن المراقب والمتابع للمشهد السياسي في واشنطن يتلمس تأثر الادارة الحالية ببعض اطروحات كيسنجر ، في عدة أمور :-
١- يرى كيسنجر أن النظام الايراني خطر على النظام الوستفالي الناظم لايقاع المجتمع الدولي ، وهذا الرأي تم طرحه في كتاب ( النظام العالمي ) والذي اصدره كيسنجر عام ٢٠١٤ ، والذي شرح فيه موقف ايران من النظام العالمي ، وكيف تعاطى نظام طهران مع موجة الاضطرابات التي شهدتها بعض الدول العربية ، حيث ظهرت ملامحه التوسعية ، من خلال حالة التنمر الاقليمي ، مستغلا حالة الاسترخاء الاستراتيجي التي تعاني منه الادارة الامريكية.
٢- يتبنى كيسنجر مبدأ الحرب المحدودة ، والذي جاء ردا على مفهوم الحرب الشاملة المسيطر على السياسة الخارجية و الدفاعية للولايات المتحدة ، وقد شجع هذا المبدأ إدارة الرئيس بوش الابن على تغيير الدستور الامريكي ، إذ كان يُحرم استخدام السلاح النووي ضد أي دولة لا تملك سلاحا نوويا .
واستنادا الى كل ما يصدر عن البيت الابيض بدءا من الخروج من الاتفاق النووي ، وانتهاء بمقتل قاسم سليماني ، فإن المراقب يتلمس تأثير وجهة نظر هنيري كيسنجر على أداء ادارة الرئيس ترامب خاصة ما يتعلق بملف ايران .
وتعد خطوة استهداف سليماني ، انطلاقا من وجهة نظر كيسنجر اولى مراحل الحرب المحدودة ، وقد يتم زيادة الجرعات لتصل لمراحل أعلى كاستهداف المفاعلات الايرانية ، او بعض المقرات العسكرية ، ومازال النظام الايراني يذكر جيدا مجزرة السفن التي نفذتها القوات الامريكية في حق الاسطول البحري الايراني.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى