الإعلامي عبدالعزيز قاسمشريط الاخبار

لماذا فازت وثيقة مكة المكرمة بجائزة الملك فيصل؟

بقلم : عبدالعزيز قاسم
اعلامي وكاتب سعودي
15 يناير 2020

1) مع الأحداث السياسية التي تتالت على المنطقة، مرّ خبر فوز وثيقة مكة المكرمة بجائرة الملك فيصل العالمية مرور الكرام، برغم أن الجائزة رفيعة المكانة على مستوى العالم، فضلا عن عدم اطلاع الكثيرين على بنود هذه الوثيقة، التي صاغها 1200 مفتٍ وعالم شرعي ومفكر إسلامي على مستوى العالم كله.

2) وثيقة مكة المكرمة صدرت في الخامس والعشرين من رمضان الماضي في مكة المكرمة، تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي، وكانت فكرة لولي عهدنا المسدّد الأمير محمد بن سلمان، التي تابعها ودعمها، وهدفت في صميمها لتبيان قيم الإسلام الرفيعة للإنسانية جمعاء، بعد أن لوثت نصاعته التنظيمات المتطرفة.

3) أعود لجائزة الملك فيصل يرحمه الله، التي أنشأها أبناؤه البررة عام 1977م، وبدأت في ثلاث مجالات: خدمة الإسلام، الدراسات الإسلامية، اللغة العربية والأدب. وأضيف لها لاحقا مجالان: الطب والعلوم (تشمل الفيزياء والرياضيات والكيمياء وعلم الحياة). وفاز بجوائزها أبرز الملوك والقادة وعلماء الكون

4) الجائزة تخضع لمعايير دقيقة، وحجبت لمرات بسبب صرامتهم، ولك أن تعلم أن الفائزين بها حصدوا، عقب نيلهم الجائزة، أهم الجوائز العالمية، منها 18 جائزة نوبل، و8 من جوائز ألبرت لاسكر للأبحاث الطبية الأساسية، وجائزتا كيوتو، و5 ميداليات ملكية بريطانية، و8 من الميداليات الوطنية الأمريكية للعلوم، وميداليتا فيلدز في الرياضيات.

5) ولكن، ماذا عن وثيقة مكة المكرمة التي فازت بهذه الجائزة الرفيعة؟ وما الأسباب التي دعت لجنة الجائزة، وهي الصارمة في معاييرها، لإعطاء جائزتها في فرع خدمة الإسلام، لهذه الوثيقة المهمة؟ من المهم جدا للمتخصصين الاطلاع على بنودها الذهبية التي أبانت عن قيم ديننا العظيم.

6) أتذكر أنني بمجرد صدور وثيقة مكة المكرمة في رمضان الفارط؛ كتبت مقالة أبنت عن عمقها وأهمية توقيتها ومكان صدورها والعلماء الذين خلفها، لأنها تُرِي العالم كله ما هو الإسلام، وكيف نظرته للكون والحياة، وما هي قيم الإنسانية والتعايش بين الأديان والثقافات الموجودة فيه، بطريقة واضحة لا لبس فيها.

‏7) وثيقة “مكة المكرمة” التي فازت؛ استلهمت في بنودها وثيقة “المدينة المنورة” التي عقدها النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل 14 قرنا لحفظ تنوع الدولة الإسلامية، وتعايشها باختلاف مكوناتها. لذلك أتت على خطاها، لأن الحاجة ماسة لإيضاح تلكم المضامين أمام التشوية الذي مسّ ديننا اليوم.

‏8) وثيقة “مكة المكرمة” التي صدرت في أفضل بقاع الله، وخير الزمان؛ تضمنت دستورا تأريخيا عبر 29 بنداً، أعدّت بشمولية تامة، وبصياغة دقيقة من لدن أولئكم العلماء، سحبت البساط من الأحزاب والتنظيمات المتطرفة التي تنتسب للإسلام وتتحدث باسمه زوراً وكذباً.

‏9) أدعو القارئ معي لتأمل بعض البنود التي جاءت في الوثيقة، والتي أكرر أنها من صميم ديننا الإسلامي: البشر على اختلاف مكوناتهم ينتمون إلى أصل واحد، وهم متساوون في إنسانيتهم، رافضين العبارات والشعارات العنصرية، والتنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة.

‏10) الوثيقة شددت على أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يبرر الصراع والصدام، بل يستدعي إقامة شراكة حضارية إيجابية، وتواصلا فاعلا يجعل من التنوع جسرا للحوار، والتفاهم، والتعاون لمصلحة الجميع، ويحفز على التنافس في خدمة الإنسان وإسعاده.

‏11) من أبرز مطالبات الوثيقة، والتي هي ردٌّ حضاري على جرائم مسجدي نيوزلاندا وغيرها من الاعتداءات العنصرية: سنّ التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب، وكذلك الوقوف بحزم تشريعي تجاه الاعتداء على دور العبادة بوصفه عملا إجراميا.

‏12) الحقيقة كل بند فيها يستحق الوقوف، وأقف والله تحية وإعجابا لمن صاغ البنود التي عرف العقلية الغربية وكيفية مخاطبة العالم بأسره بلغته التي يحب، فلم تنس الوثيقة المرأة، فشدّد على ضرورة التمكين المشروع للمرأة ورفض تهميش دورها، أو امتهان كرامتها، أو التقليل من شأنها.

‏13) عندما أقول أن الوثيقة عرفت كيف تخاطب العالم بعقليته وموضوعاته التي يهتم، فليس معنى ذلك أننا زوّرنا بنودا لنجامله، بل البنود من صميم ديننا، والوثيقة أبرزتها فقط، حيث كانت مغيّبة أو لم يهتم بها في المراحل الزمانية السابقة، وأتى وقتها كي تبرز ويعرف العالم عظمة ديننا وشموليته.

‏14) من هذه البنود التي أتحدث، وعرفت كيف تخاطب الغرب اليوم: حفظ الطبيعة التي سخرها الخالق العظيم للإنسان، وعدم الاعتداء على مواردها وإهدارها وتلويثها، وكذلك: احترام المواطنة الشاملة، كونها استحقاقا من الدولة تمليه مبادئ العدالة الإسلامية.

‏15) لا يلام الغرب عندما يقرأ أسماء الأحزاب المتطرفة من مثل “حزب الله” و”أنصار الله” و”الدولة الإسلامية” و”الإخوان المسلمين” وبقية أسماء تتمسح بالإسلام، ومن ثم يحكم على ديننا من خلالهم. الوثيقة أشارت لهذا الأمر، وأفردت بندا كاملا لتبديد هذا الالتباس.

‏16) فقد شددت الوثيقة على أنه لا يبرم شأن الأمة الإسلامية، ويتحدث باسمها في أمرها الديني، وكل ذي صلة به إلا علماؤها الراسخون، فالعمل الديني والإنساني المشترك الهادف لمصلحة الجميع يلزم تشارك الجميع دون إقصاء أو عنصرية أو تمييز لأتباع دين أو عرق أو لون.

‏17) لم ينس العلماء تأكيد المرجعية الروحية للعالم الإسلامي، حيث بلادنا قبلة الإسلام والمسلمين، ومصدر إشعاعه للعالمين برحابها الطاهرة في مكة المكرمة، وبالاستحقاق الكبير لقيادتنا السياسية، وما اضطلعوا به من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء.

18) تحية مستحقة ودعاء من القلب عريض لأميرنا الشاب محمد بن سلمان الذي كان صاحب فكرة هذه الوثيقة والداعم والمتابع لها ووجّه بها معالي الشيخ د. محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي لترجمتها عبر العلماء والمفتين والمفكرين الذين صاغوا هذه الوثيقة التأريخية، أميرنا يخطو بنا بثبات ويعيد نصاعة ديننا الإسلامي للعالم كله.

19-19) وتشكر رابطة العالم الإسلامي على كل ما تقوم به اليوم، متمنيا خدمة هذه الوثيقة التي يجب إبرازها عالميا، وأن تقام عليها ورش عمل وقراءات في عواصم الغرب والشرق، ليعرف العالم إسلامنا الحقيقي بعيدا عن المتطرفين الذين شوهوا ديننا.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى