المقالات

بعثرة الحرمان

بقلم : خلود إسماعيل 

 

في كل مره أعود لك اراك من بعيد تستقبلني بتلك النظرات الصامتة المليئة بالأسئلة وجميع ابوابك مشرعه امامي كأنك تعلم انني في كل مره سأعود لك لا محاله…. نعم انني أعود اليك فأنت الوحيد الذي تدعني اتحدث طويلا بلا مقاطعه ولا نصائح او لومة لائم، اتجول بين اوراقي المبعثرة بداخلك.. بين بقايا الذكريات بلا نظرات حزن او شفقه نعم أعود في كل مره بالرغم من معرفتي أنه لا يوجد أي حلول لديك ولكن يكفيني يا كتابي العزيز أنك تجعلني اقول ما أعجز حتى عن التفكير به في كثير من الاحيان.
وبما أنك لن تسألني فسأقول لك أنني هرعت اليك اليوم بعد أن رسمت الدموع طريقي الي ادراجك وهي تقول لي كفى عناداً لن تستطيعي وصف ما شعرت به اليوم لأي شخص كان … فمن الصعب الحديث ومن الأصعب الكتمان اذهبي الية وابكي في احضانه وتوسدي أذرعه لتحتمي بها فلن يخذلك صديق بعثرة الايام.
أتذكر يا صديقي في ذلك الزمان عندما قلت لك أن هناك أناس ولدوا ليكونوا سعداء… فأنا ما زلت أكررها رغم مرور السنين أعلم انك قد تتفاجأ من ذلك ولكنك ستعذرني عندما أقول لك أن قسوة الحياه هي أن ترى نظره الحرمان و اللهفة في أعين هؤلاء الاطفال وأنت قليل الحيلة مكتوف الأيدي و كأنها علقت في الأغلال فإن هانت عليك نفسك و سلمت بردائه حظك لن يهون عليك أطفالك ان نالهم أي بئس و انت تعرف انهم لن يعرفوا للسعادة عنوان.
كان قدري و قدرهم و ساقني نصيبي لأن استغرب هدوئهم فعندما بحثت عنهم وجدتهم مجتمعين حول فيديو مسجل لأحدى اقاربنا في ديزني لاند وهيا تمرح و تلعب وتقفز مع أبويها هنا و هناك فقلت لهم ماذا تفعلون؟
نظروا الي ببراءة و قالوا نريد أن نذهب هناك وأشاروا بيدهم الصغيرة إلى  مصنفات الأحلام. ماما نحن أيضا نريد مثلها أن نلعب هناك، وأن نشترى الألعاب ونمرح في كل الأرجاء……وأن، وأن……وأن…………….
لسان حالهم كان يقول هذا ونظراتهم… نعم أعماق نظراتهم كانت تقول لي لماذا نحن محرومون لماذا نحن لا نملك ما يملكون لماذا لا يوجد لدينا أب مثلهم يهتم لأمرنا كما يفعل جميع الاباء…… نظراتهم اللامعة بسبب الدموع كانت ابلغ من ألسنتهم وقالت لي مالم ينطق به لسانهم فما كان مني إلا أن ابتسمت بشموخ كعادتي وقلت في نفسي ليس الوقت الملائم لتعليمهم درس في تمني الخير للغير فإنكسارهم كان أكبر درس من دروس الحياة.
وقلت لهم يا صغاري نعم سنكون هناك قريبا… نلعب و نمرح و نشتري ما تريدون ستكون هناك رحلة قريبة كالأحلام فأطلبوا الله في امنياتكم أن يجعلكم في داخل الحلم قدر الإمكان و احتضنتهم بقوه و قلبي يتمزق، فلم يكن بوسعي يا صديقي إلا أن أكون صامده أمامهم و أرسم لهم الأحلام لأرى السعادة في عيونهم وهم بين التصديق لأم يعلمون أنها كل الحياة و بين واقع أب مهمش كأنه الظل لشجرة سقطت أوراقها قبل خريف الايام.
جلست أراقبهم من بعيد و هم يقفزون و يرسمون الخطط و الأفكار على خيوط الأحلام… حزنت لدرجه أنني شعرت أن شرايين قلبي تتمزق وأنا أرى نظرة الإنبهار في عيونهم وما أحزنني أكثر هو أنني من نسج خيوط الاحلام إلى  ديزني لاند وأنا اعلم أنني لن أستطيع جعل أحلامهم حقيقه و سيظل حلم يراودهم إلى أن ينسوه مثلما نسيت أمهم حلم السعادة الذي كان يراودني في ذاك الزمان.
أعذرتني الآن يا صديقي عندما جئت إليك.. لأرتمي في أحضانك وأصف لك شعوري وألم قلبي فأنا تلك الأم التي تتخبط بين دور الأم الممثلة البارعة التي تكبت مشاعرها وتعاند الدنيا لتكون أقوى وبين الأم الممزقة.. الحزينة ذات المشاعر المنكسرة التي لم يكن الحظ نصيرها يوما فدفنت مشاعرها توهما منها أنها ستعيش بهدوء ولكنها لم تستطع أن تدفن أيضا مشاعر أبنائها التي أيقظت في داخلها كل معاني الهدوء وفجرت ذلك البركان الخامد فأنا و دموعي لم نجد إلا طريقك و دفء صفحاتك لأصف ما شعرت به اليوم و ما رأيته من نظرات الحرمان في تلك الأعين البريئة التي لا ذنب لها غير انها تحمل إسم لشخص أعتبر نفسه ضرب من ضروب الخيال.
يا كتابي العزيز أعلم ماذا يدور في ذهنك برغم صمتك، ولكن مهلاً ترفق بحالي فقدت وعدتني ألا تكون جلادي… فأنا أحمد الله انك لا تستطيع الحديث لأنني أعلم أنك تريد أن تقول لي أنني مخطئه عندما قلت لك ان ما تحلم به أو تريده يظل حبيس الأحلام و الخيالات وأنه لا وجود للمستحيلات في الحياة، لا تنظر الي هكذا فنظراتك الصامتة ليس لها من القوة في التأثير إلا كأثر كان لأنك نسيت كم بكيت و اشتكيت، أنسيت كل تلك الليالي الباكيه، أنسيت ذاك الألم الذي إعتصر الأوراق و السطور و تلك الجراح أحقا تريدني أن أصدق كذبه و الأعيبه الذي اتخذها حجة للهجران و أتركه يقتل ما بقي في من إنسان، يا إلهي على ذاكرتك القصيرة أنسيت وصف شعوري للحرمان من الأحلام و احساسي بالإهمال فمهلا لم اقلب الصفحة بعد فأطفالي مازالوا يرقصون على أرفع خيوط الأحلام و يبنون قصور من الأوهام.
فأنا أعلم انك تريدني أن امهد الطريق بعد أن بعثره ذلك الرجل الذي يقولون أنه والد هؤلاء الأطفال وأن افتح طريق الحوار وإن أسأله أين أنت ليكون هناك إهتمام وأن أقول له نحن في انتظارك ليقول لي بكل قساوة لا تنتظري فأنا لا أعرف إلا طريق الهجران، فهو إنسان لا يعرف في الحياة سوى الإهمال مع احترامي لكل انسان.
فأعذرني وأنا أقول لك بلسان الأم الممزقة انني أدعو الله بأن يكون حال صغاري أفضل من حالي وأن لا يكونوا حبيسين الخيال و الأحلام كما كنت في الماضي. فلا أملك لهم إلا الدعاء من قلب لاهث للإستغاثة بأن يكونوا هم البرهان على خطئي في حق الأحلام وأن ارى نظرة الإنبهار تشع من تلك الأعين العسلية لما تحقق من احلام الصغار وأن يكون لهم ذاكرة كذاكرتك تجاه الآلام وأن لا يكون لهم حاجة عند من تركهم في منتصف طريق الهجران لكل ذلك الحرمان.
و اعذرني أكثر إن قلت لك بلسان تلك المرآه القوية التي لا يكسرها الخذلان أن علاقتي بذلك الرجل يوجد بها حلقه مفقودة إن لم تكن حلقات وأن نقاط الوصول الي قد محاها الزمان وأن قسوته وعناده وغروره كانت المفتاح لإنهيار جدار الأمان فبعد أن وصفت شعور الحرمان الذي رأيته في نظرات الأطفال علمت تماما أن هذا الرجل كان مجرد كابوس في حياتي وليس حلم من الأحلام وأن بإبتعاده تماماً سوف يسطع بريق الأحلام وأن أطفالي هم حكايتي وحلمي و ملجأ لي ولكل من بحث عن الأمان.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى