المقالات

مشروع مقترح لتطوير التدريب في المملكة العربية السعودية

 

 

 

 

 

مشروع مقترح لتطوير التدريب في المملكة العربية السعودية

 

 

 

 

 

 

 

تقديم

د.هلال محمد العسكر

د. عبدالعزيز محمد ابانمي

( مرفق سيرة ذاتية) 

يرتكز مشروع تطوير التدريب (المقترح) على الأسس التالية:

1. التكامل بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في تحقيق متطلبات التنمية.من الكفاءات الوطنية البشرية المدربة.

2. إنجاح. إستراتيجية التحول الوطني من خلال إيجاد هياكل إدارية وتنظيمية قادرة على توفير البيئة المناسبة والأرضية المطلوبة للتحول المنشود.

3. معالجة التشوهات التي يعانيها سوق العمل

4. الاهتمام بالشباب، لأنهم أهم مورد وأغلى رأسمال للوطن.ومحور التنمية

5. ترشيد الإنفاق على التدريب

6. الإفادة من تجارب دول العالم التي حققت نجاحات في التحول نحو العالم الأول.

أهمية مشروع:

ترجع أهمية هذا المشروع (تطوير التدريب) إلى الآمال العريضة التي ينتظرها المواطن من دولته، وأيضا تنتظرها الدولة من أبنائها الذين ترى فيهم طاقة ديناميكية تكونها أو تشكلها مؤسساتها التدريبية، وفق ما ترجوه من طموحات وتطلعات نحو اللحاق بالأمم المتقدمة كما يكتسب أهمية من معالجته للتشوهات الكبيرة والكثيرة التي يشهدها سوق العمل، والتي أفرزت ملايين العمالة الوافدة، وبطالة تؤرق المواطن واقتصاد الوطن وتعوق طموحاته وتنميته وتحولاته، وتستر، وغسيل أموال، وتحويلات بالمليارات خارج الوطن…الخ.

تعريف المشكلة:

تنفق الدولة أيدها الله ونصرها بسخاء على التدريب بهدف تأهيل أبنائها وتسليحهم بمهارات العمل، منذ تأسيس المملكة وحتى اليوم، وذلك لإيمانها أن الإنسان هو أعظم

ثروة وأهم عمل تنموي تقوم به أمه من الأمم، ولكن العوائد من ذلك مقابل كل هذا الإنفاق، أقل بكثير مما هو متوقع، حيث فشلت المؤسسات المعنية بالتدريب- الحكومية والأهلية- في تحقيق الهدف المأمول، نتيجة سوء الإدارة وانعدام الرؤية والخلط في المفاهيم بين التدريب والتعليم، ونتيجة غياب المرجعية العليا ذات القدرة على ضبط إيقاع التدريب وتنظيمه وفقا لإستراتيجية وطنية واقعية منسجمة مع أهداف ومتطلبات التنمية.

وكذلك نتيجة أن خطط التنمية السابقة مرت بمراحل، كانت البلاد في أمس الحاجة إلى مشاريع البنية التحتية، وركزت على الكهرباء والمياه والطرق والمواصلات، والهاتف.. إلخ.، لم يكن التخطيط فيها للقوى العاملة أو الموارد البشرية، مساوياً لمشاريع البنية التحتية، إذ لم يتوقع -فيما يبدو- النمو السكاني الكبير والمتزايد، وتخطيط الموارد البشرية يقصد به تقدير احتياجات كل جهاز، في القطاع الحكومي، أو القطاع الأهلي، من القوى العاملة المؤهلة والمتخصصة، لفترة زمنية مستقبلية ووضع أفضل الطرق والأساليب لتوفير هذه الاحتياجات، حيث بقيت ثابتة ولم تتوسع الخطط الماضية بالدراسة حول مستقبل القوى البشرية، لهذا ظهرت البطالة وكانت تقديرات خطط التنمية السابقة أقل من المتوقع، في إعداد خريجي الجامعات، مقارنة بفرص العمل، مما أدى إلى وجود عشرات الآلاف من خريجي الجامعات دون عمل فكانت الخطط فيما يبدو تقوم على توقعات على أساس توافر آلاف الفرص الوظيفية في الأجهزة الحكومية، بنسبة أكبر من القطاع الخاص، وكانت الخطط تتوقع أن تستوعب سوق العمل في القطاعين الحكومي، والخاص هذا الكم الكبير من الخريجين.

وما حدث كان توظيف خريجي الجامعات في القطاع الحكومي بنسبة أقل من المتوقع، وحتى التخطيط للقوى العاملة في القطاع الخاص، خالف التوقعات حيث زادت نسبة العمالة الأجنبية، وانخفضت نسبة السعوديين، مقارنة بالعمالة الأجنبية العاملة في الشركات والمؤسسات، ولأن معظم الخريجين من الكليات النظرية، فإن القطاع الخاص ليس بحاجة إلى مثل هذه التخصصات النظرية التي أغرقت البلاد (الشريعة – جغرافيا – تاريخ – أدب..) مما زاد عدد البطالة، وبما أن عدد الداخلين إلى سوق العمل في السنوات الماضية، وخصوصاً في القطاع الحكومي، أقل بكثير من المتوقع، كذلك قليل جداً في القطاع الخاص الذي كان يتطلب مؤهلاً علمياً متخصصاً، غير متوافر في سوق العمل كما كانت نسبة الخارجين من سوق العمل، أقل من المتوقع إذا ما استثنينا المتقاعدين، وأعدادهم بسيطة مقارنة بأعداد موظفي الدولة لهذا ظهرت توقعات توظيف القوى العاملة غير متكافئة مع الواقع. وظهرت بطالة بين المواطنين بنسبة تقدر بحوالي 11% بين الذكور و33% بين الإناث، في حين أنه يوجد قرابة تسعة ملايين وافد يعملون في مهام ونشاطات مختلفة بعضها مخصص للسعوديين فقط؛ أكثر من نصفهم

لا يحملون مؤهلات، وفي مهن يمكن بسرعة وبيسر وسهولة تأهيل المواطن لشغلها. هذا علاوة على الجوانب السلبية الأخرى الناتجة عن فشل سياسات التدريب.من تحويل عملات وتشكيل خطر على أمن وثقافة المجتمع وغيرها المخاطر الأخرى. وبدليل ضعف مخرجات التدريب، وعدم قبولها في سوق العمل بسرعة وسهولة، وإعادة تدريبها بعد التدريب ؛ مما يعني مضاعفة الإنفاق على التدريب.

بمعنى أخر؛ إن جذور المشكلة تعود إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي مر بها المجتمع السعودي منذ منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي.

ويمكن فهم الأمر على النحو الأتي:

– أدت الطفرة الاقتصادية التي اجتاحت البلاد في السبعينيات الميلادية إلى إقامة مشروعات تنموية كبرى لم تكن البلاد تملك من الناحية الكمية والنوعية الكوادر البشرية التي يمكن ان تقيم وتشغل هذه المشروعات .. فاضطرت إلى استقدام عمالة وافدة للقيام بهذه المهمة.

– كان الاعتقاد هو أن هذه العمالة ستكون مؤقتة , وبمجرد ان تقام المشروعات التنموية تعود العمالة الوافدة إلى بلادها، لكن ذلك لم يحدث.

– كانت الحكومة تحتاج إلى المزيد من الكوادر البشرية الوطنية للعمل في القطاع الحكومي بدلاً من الموظفين العرب والأجانب . وقد بدأ خريجو الجامعات والمعاهد في كافة التخصصات بالتدفق إلى الأجهزة الحكومية , واستوعبتهم هذه الأجهزة بغض النظر عن التخصص. وبذلك تم تكريس الاعتمادية على العمل الحكومي.

– بدأ القطاع الخاص بالتوسع , ولجأ إلى استقدام العمالة الوافدة الرخيصة الأجر لسد الفجوة بين العرض المتاح والطلب . وكنتيجة لذلك قامت أنشطة اقتصادية هامشية لا تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد , وأنشطة لا تملك فيها البلاد أي ميزة نسبية.

– حدث تشوه كبير في سوق العمل , وتعطلت قوى العرض والطلب حيث صار الطلب يتم تلبيته بالعرض المتاح من الخارج عن طريق الاستقدام . وكنتيجة لذلك لم يعد الأجر التعادلي في سوق العمل السعودي يعكس الندرة الاقتصادية وإنما يعكس حقيقة أن أرباب العمل يستقدمون كما يشاؤون من العمالة وبأجور زهيدة .. فقامت المزيد من الأنشطة الاقتصادية التي لم تكن تمتلك مقومات حقيقية من الناحية الاقتصادية سوى قدرة أصحابها على استقدام عمالة وافدة رخيصة.

– بدأت الأنشطة الطفيلية تتكاثر لدرجة أن بعض السعوديين ممن يصنفون أنفسهم على أنهم رجال أعمال لم يكن عملهم الحقيقي سوى استقدام عمالة أجنبية تعمل لحسابها

الخاص وتعطي “رجل الأعمال” السعودي مبلغاً متفقاً عليه من المال على شكل اتاوة شهرية.

– نشأت من جراء ذلك مفاهيم غريبة في العمل التجاري والاقتصادي تقوم على الكسب السريع دون جهد حقيقي وأصبحت “التجارة” لدى البعض شطارة وفهلوة وليس عملاً مدروساً وفق جدوى اقتصادية وإنتاجية.

– وسط هذه الأجواء لم يكن بوسع الشاب السعودي الراغب في العمل ان يقبل بالعمل بالقطاع الخاص . فالأجر منخفض , والجهد المطلوب كبير ( بعض العمال الوافدين يعمل منذ الصباح الباكر حتى منتصف الليل سبعة أيام في الأسبوع !!).

– ولأن القطاع الحكومي قد بدأ يتشبع بالموظفين، فإنه فقد قدرته على استيعاب المزيد من السعوديين ، وبهذا أصبح القطاع الخاص هو المرشح لاستيعاب السعوديين .. لكن القطاع الخاص بخصائصه القائمة والتي صارت مشوهة لا يمكنه اجتذاب السعوديين.

– في هذه الأثناء بدأت “قيم الطفرة” تظهر بالتدريج .. فلم يعد الاستقدام مقتصراً على المنشآت والأعمال التجارية وإنما أصبحت الأسر أيضا تستقدم العمالة الوافدة بشكل مفرط على هيئة خدم وسائقين بغض النظر عن الحاجة الفعلية في كثير من الأحيان.

– بدأت الآثار السلبية للحياة الناعمة في الظهور.. فوجود الخدم في جميع البيوت تقريباً .. ووجود السائقين الخاصين افرزا أجيالاً تعودت على أن تُخدَم لا أن تخدِمْ , فاختفت قيم العمل الايجابية , وانخفضت إنتاجية الفرد السعودي الذي تعود على العمل في القطاع الحكومي الذي يُنظر إليه على أنه بمثابة ضمان اجتماعي أكثر مما هو بيئة إنتاج حقيقية.

– بدأت تترسخ النظرية الدونية إلى الكثير من المهن والأعمال .. وطغت ” ثقافة العيب” وانتشرت بين جميع الأوساط , فأصبح الفرد السعودي يفضل البطالة على العمل اليدوي حتى لو كان تأهيله العلمي لا يتجاوز الابتدائية وحتى لو كانت خبرته العملية معدومة.

– أصبح معظم الشباب الباحث عن العمل لا يريد إلا وظيفة إدارية وعمل مكتبي حتى لو كان تخصصه مهنياً أو فنياً . فالشهادة ــ في نظر الكثيرين ــ ليست إلا جواز سفر إلى وظيفة مكتبية بغض النظر عن الدراسة السابقة والتخصص.

– صارت “المرجعية” لدى القطاع الخاص في تحديد أجر السعودي هو الأجر الذي يتقاضاه الأجنبي ، فالمقارنة هي دائماً بين الأجر المنخفض الذي يقبل به الأجنبي الصبور المنتج والأجر الباهظ الذي يطلبه السعودي ” المتعجل الكسول” .. وذلك من وجهة نظر القطاع الخاص.

– بالنسبة للكثير من الشباب السعودي فإن القطاع الخاص هو قطاع استغلالي , وبيئة طاردة .. ويعتقد هؤلاء الشباب أن وجودهم غير مرحب به في هذا القطاع .. وأنهم مفروضون من قبل الدولة على القطاع الخاص ليس أكثر وذلك من خلال سياسة إلزامية بالسعودة.

– يضاف إلى هذا انه ثبت بالدليل القاطع (أي من خلال سوق العمل) أن جودة التعليم ليست بالمستوى المطلوب .. فمخرجات التعليم غير ملائمة لاحتياجات سوق العمل سواء من حيث الكيف أو الكم.

هذا بالإضافة إلى أن المملكة تتطور بسرعة وتشهد تحولات وطنية كبرى في مجالات حيوية، لا يمكن الاعتماد فيها على عمالة وافدة، وتحتاج إلى إستراتيجية وطنية لنقل التدريب من واقعه المتردي إلى واقع أفضل وأسرع، يمكن من توطين كافة الوظائف والمهن المشغولة بعمالة وافدة.. فما حو الحل؟

الحل المقترح من وجهة نظر عضوي الفريق؟

يكمن الحل – من وجهة نظرنا- في وضع إستراتيجية وطنية واضحة ومحددة المعالم، ترتكز على الأسس التالية:

– إصلاح سوق العمل والقضاء على التشوهات التي تعطل آلياته.

– إصلاح التعليم لكي تكون مخرجات المؤسسات التعليمية ملائمة لسوق العمل.

– دمج التدريب الإداري بمعهد الإدارة العامة، والتدريب المالي بالمعهد المصرفي تحت مسمى (معهد التنمية الإدارية والمالية) وخصخصته، والتوسع في نشر فروع له في جميع مناطق المملكة، مع إلغاء البرامج الإعدادية، نظرا لكونها تقدم في الجامعات، وقصر برامج المعهد على برامج التدريب الخاصة سواء للقطاع الحكومي (مجانا) أو القطاع الأهلي (برسوم) والتي لا تزيد مدتها عن السنة، وتكون في مواقع العمل، هذا بالإضافة إلى دوره في تقديم الاستشارات الإدارية والمالية -التنظيمية والإجرائية- والبحوث والدراسات التطبيقية الموجهة للعمل الإداري والمالي.بالمملكة. وكذلك إخضاع مراكز التدريب الإدارية والمالية (الأهلية) لإشراف المعهد.

– دمج برامج المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني (المعاهد الفنية) للتعليم العام، لتمكين طلاب التعليم العام من التهيؤ لسوق العمل، وضم برامج المؤسسة في الكليات والمعاهد العليا (برامج فوق الثانوي) للتعليم الجامعي، لتمكين الطلاب من مواصلة دراستهم العليا في برامج التعليم التطبيقي التقني، وحصر نشاط المؤسسة في برامج التدريب المهني في الورش والمعامل والمختبرات (مراكز تدريب مهني) والبرامج التي

تتراوح ممدها أقل من سنة . مع التوسع في نشر هذه المراكز التدريبية في جميع أنحاء المملكة، لأن التدريب المهني هو الأساس والركيزة التي يعتمد على مخرجاتها سوق العمل الصناعي، وفيه الحل لتوطين الوظائف، والاستغناء عن عشرات الملايين من العمالة الوافدة. وكذلك إخضاع مراكز التدريب المهني (الأهلية) لإشراف المؤسسة.

– إنشاء هيئة وطنية عليا للتدريب؛ جهة مرجعية تشرف على تنظيمه وتوجيهه، تحت مظلة المجلس الأعلى للاقتصاد والتنمية.

– إعادة تحديث أنظمة وزارة الخدمة المدنية، ووزارة العمل، بما يتواءم ومتطلبات المرحلة وما ستشهده من تحولات.

– إلغاء احتساب نقاط التدريب لأغراض الترقية، ويكتفى لذلك بتقويم الأداء والسلوك الوظيفي.

– ترشيد الإنفاق على التدريب، وتعظيم عوائده، وتحديثه وتطويره من خلال تصميم برامج تدريبية بديلة عن البرامج التقليدية السائدة التي يغلب عليها الجانب ألنظيري أو التطبيقي البعيد عن ما هو موجود ومطلوب لسوق العمل، ومن هذه البرامج البديلة نذكر على سبيل التمثيل لا الحصر: برامج : التدريب الإنتاجي، التدريب التحويلي، التدريب البيني (التبادلي)، التدريب التعريفي للموظف المستجد، التدريب على رأس العمل، التدريب بالزيارات وتبادل الخبرات، التدريب المبرمج عن بعد كالأفلام ونحوها، التدريب من خلال الأدلة التشغيلية والإرشادية، تدريب الأقران، وغيرها من بدائل لا تتطلب إنفاقا كبيرا على التدريب وعوائدها أفضل وأكثر.

الخاتمة:

إن التنمية البشرية والحضارية لا تقاس بعدد المدارس والمعاهد والكليات والجامعات تلك التي تقام في بلدنا، كما أنها لا تقاس بنسبة ما يخصص أو يرصد لها من مبالغ في ميزانية الدولة، ولا بنسبة عدد المتخرجين ممن يحملون الشهادات العليا، إذ أنه ليس لهذه الأرقام أية دلالة اللهم إلا إذا تصدرتها مؤشرات الخبرة الفعلية المعززة بالأداء الفعلي، لأن الشهادات التي تقوم على غير ذلك تكون هشة القوام ضعيفة البناء الفكري والتكوين الذي يستجيب لمتطلبات التنمية الإنتاجية، إذ أن الأعمال بنتائجها وما يتحقق من أهدافها؛ الأمر الذي وعته اليابان في يقظتها ومسيرتها التنموية هو التنمية البشرية، هذا الشعور الذي التزم به الشعب الياباني وقادة التربية والتعليم، حيث وجدوا في التعليم والتدريب أمرا لا مفر منه من أجل التطور، فأعدوا له جميع مقوماتها فيما ندعوه بالمؤسسات التربوية والتعليمية مراكز التدريب. والتزموا بقواعد سلوكية ثابتة طبقوها

على جميع أبنائهم المتعلمين وهم في مرحلة التنشئة والتكوين، ومن ثم وهم على رأس أعمالهم في ميدان التطبيق والعمل البناء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى