الدوليةشريط الاخبار

لبنان: ارتفاع درجة التوتر والضغوط بين حزب الله والسفارة الأميركية

الحدث – بيروت

حصل تغيير في المقاربة الأميركية للوضع اللبناني منذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض، وفي طريقة التعاطي ونمط العلاقة مع الحكومات المتعاقبة منذ وصول الرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا، ولم يعد الأمر كما كان عليه من مراعاة لخصوصية الوضع اللبناني وعدم الضغط عليه وتفهم ظروفه، ولكن الاستراتيجية أو السياسة الأميركية في لبنان حافظت على ثوابتها وعناوينها الأساسية «الأربعة» التي تتداخل أحيانا مع بعضها بعضا:

٭ العنوان الأول، وهو إيجابي يمكن تلخيصه بقرار أميركي ثابت لا تغيير فيه أو تبديل، وهو دعم الجيش اللبناني، في العتاد والتدريب وعدم السماح بأن يصاب بأي نكسة نتيجة ممارسات السياسيين الملتوية (حسب تعبير الأميركيين).

لذلك، حيّدت إدارة الرئيس ترامب المؤسسة العسكرية عن ملاحظاتها الكثيرة على الأوضاع في لبنان، وأبلغت من يعنيهم الأمر بأن توفير الدعم والتدريب اللازمين للجيش اللبناني مستمر لثقة واشنطن بدور الجيش وحضوره وقدرات العسكريين (التي تم اختبارها في مناورات مشتركة)، والتفاف اللبنانيين حولهم.

وسيستمر هذا الدعم ويتشعب من خلال التواصل المباشر بين القيادتين العسكريتين اللبنانية والأميركية، من دون حاجة للمرور بالمؤسسات السياسية التي لا تبدو واشنطن مرتاحة لأدائها على مختلف المستويات.

٭ العنوان الثاني وهو اقتصادي ومالي واسع وفق المعطيات الأميركية التي تريد للبنان أن يبقى مركزا اقتصاديا مهما في الشرق الأوسط، على الرغم من الصعوبات التي تواجهه في مسيرته الاقتصادية. ويقول معنيون: كثيرة هي الملاحظات الأميركية على الواقع الاقتصادي في لبنان، بدءا من تنامي موجة الفساد وعدم وجود خطط متكاملة لمواجهتها، إضافة الى تفشي الرشوة وعدم اعتماد الشفافية، ما يجعل البنى التحتية الإدارية والاقتصادية بحاجة الى «نفضة» واسعة وشاملة.

وفي الشق الاقتصادي والمالي، يبرز الحرص الأميركي على استمرار تجاوب المصارف اللبنانية مع الإجراءات المتخذة تفاديا لأي عقوبات تؤثر على سلامة هذا القطاع الذي يعتبر الأميركيون أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يديره على نحو مميز «وهو موضع ثقتنا وثقة الكثيرين غيرنا».

٭ العنوان الثالث يعكس سلبية المقاربة الأميركية للأوضاع اللبنانية، لأنه يتصل مباشرة بما تريده واشنطن من لبنان حيال مسألة حزب الله وإيران، والقرار فيها محسوم ولا يراعي الخصوصية اللبنانية، إذ إن المطلوب من لبنان عدم توفير أي إمكانية لحزب الله كي يتمدد سياسيا وعسكريا في الأراضي اللبنانية لأنه في نظرها حزب «إرهابي» قررت محاربته وعزله سياسيا واقتصاديا، وقطع الإمدادات المالية عنه من خلال تجفيف مصادر تمويله.

وتلقي واشنطن في جانب من مسؤولية تمدد حزب الله على عدد من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين. وعندما يقال للأميركيين ان حزب الله مكون سياسي وشعبي داخل التركيبة السياسية والاجتماعية لأنه يمثل الطائفة الشيعية، يأتي الجواب بعدم الاقتناع، إذ يميز الأميركيون بين الشيعة ومسلحي حزب الله.

٭ العنوان الرابع يتعلق بملف النفط والغاز، لا سيما أن واشنطن تشجع على المضي قدما في أعمال التنقيب عن النفط والغاز من دون إضاعة المزيد من الوقت، وتنصح بالتواصل مع المسؤولين القبارصة لحجز موقع للبنان في خط أنابيب غاز شرق المتوسط التي يشارك فيه الإسرائيليون، مع علم الإدارة الأميركية بأن هذه المسألة بالذات لا يمكن «بلعها» في لبنان، إلا أن جوابهم يأتي سريعا: إذا لم يندمج لبنان في هذا الخط، فإنه سيترك وحيدا.

ويعبر الأميركيون عن رغبتهم في التوصل الى اتفاق مع إسرائيل على النقاط المتنازع عليها في البحر، ويضعون لهذه الغاية إمكاناتهم للوصول الى تفاهمات قبل أن يمر الوقت وتضيع الفرص.

ولا يخفي المسؤولون الأميركيون انزعاجهم من غياب الشركات الأميركية عن صفقات التلزيم السابقة لـ «البلوكات» النفطية، وعندما يقال لهم ان الشركات الأميركية هي التي غيبت نفسها عن صفقات التلزيم، يأتي الجواب الأميركي الفوري بأن هذا الانكفاء لن يتكرر.

طرأ في الآونة الأخيرة أول تبدل في أجواء العلاقة الأميركية مع لبنان وفي النظرة الأميركية الى الحكومة اللبنانية، حدث ذلك بعد الإفراج عن العميل عامر الفاخوري الذي كان الإفراج عنه مطلبا أميركيا ثابتا وبندا دائما على جدول أي محادثات لبنانية أميركية.

ولما أقدمت السلطات اللبنانية على تلبية الطلب الأميركي تفاديا لموجة جديدة من العقوبات المشددة، تلقت الحكومة ثناء من الرئيس ترامب على تعاونها، وكانت هذه أول مرة تصدر فيها مثل هذه الإشادة الأميركية النادرة التي أشاعت جوا «تفاؤليا» في لبنان بأن العقوبات الأميركية ستجمد وأن أجواء العلاقات الأميركية اللبنانية ستتحسن وفتح بابها على تطورات وآفاق جديدة.. ولكن هذه الانطباعات والتقديرات ليست مبنية على أرض صلبة، كما أن خطوة إطلاق الفاخوري ليست كافية لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات في ظل استمرار المواجهة المفتوحة بين الأميركيين وحزب الله (والجديد فيها أنها باتت تشمل الساحتين اللبنانية والعراقية)، وفي ظل السياسة والطرق الجديدة التي تتبعها السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا وتعتبر متشددة مقارنة بما كان عليه الحال أيام السفيرة السابقة إليزابيت ريتشارد.

في الواقع، سجل منذ قدوم السفيرة شيا الى لبنان ارتفاعا في درجة الضغوط والتوتر بين حزب لله والسفارة الأميركية، مع تسجيل ارتفاع في درجة التدخل الأميركي في الشأن اللبناني الداخلي، ورصدت تدخلات في المسائل التالية:

1 ـ عملية إطلاق عامر الفاخوري التي قفزت فوق اعتبارات أمنية وسياسية وقضائية. وإذا كانت لم تحسم بعد كامل ظروفها، فإن ما حسم منها هو الدور الأميركي الضاغط والمكشوف والرغبة لدى الفريق السياسي الذي أنجز الصفقة بمراعاة الأميركيين وتلبية شروطهم، مع ما يعنيه ذلك من احتمال أن ينسحب هذا الأمر على مسائل أخرى، لأن من أنجز إطلاق الفاخوري لن يكسر الجرة مع واشنطن في مسائل أقل تعقيدا وحساسة.

2 ـ التعيينات المالية في مصرف لبنان التي رفعت من خلالها فجأة «بطاقة حمراء» من قبل السفيرة الأميركية، وحصل تدخل لوقف مسار التعيينات، ليس حماية لمصالح جهات داخلية أولها الحريري، وإنما لأن بعضا من الأسماء المطروحة، بل لأن بعضا من الأسماء المطروحة، والتي كانت ستعين، تخالف المعايير التي تضعها واشنطن في ما خص القطاع المالي والمصرفي، إذ إنها تتضمن أشخاصا تحوم حولهم شبهات بأعمال ونشاطات اقتصادية ومالية لمصلحة حزب الله وإيران، بما يشكل خرقا للعقوبات التي تضعها الخزانة الأميركية.

وكانت الرسالة واضحة بأن السير بهذه التعيينات سيرتب تداعيات سلبية على حكومة لبنان ومؤسساته. ومن الطبيعي أن من تمكن من إنجاز صفقة الفاخوري لمراعاة الأميركيين، لن يقدم في القطاع المالي على ما يعد استهدافا لهم ولما يعتبره الأميركيون استمرارية للتعاون المصرفي الطويل الأمد، خصوصا في مرحلة العقوبات على حزب الله.

فالتركيبة المصرفية الحالية مهما تنوعت انتماءاتها الحزبية والطائفية لم تخرج عن سياق محكوم بضوابط العلاقات المصرفية والسياسية مع واشنطن، كما فعلت وزارة المال سابقا وحاليا، وشخصيات نيابية متنوعة الانتماءات ظلت على تواصل مع دوائر أميركية تشريعية أو مالية، كما كان يجري كل مرة تتصاعد فيها حدة العقوبات على القطاع المصرفي. حتى الحكومة الحالية، طبعت أولى خطواتها في عالم السياسة بتعداد الأميركيين بين أعضائها.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى