شريط الاخبارضيف وتفاصيل

الوافي: أمضيت عمري في تحقيق حلم لأبي وجيلنا ذاق مرارة الفقر والحرمان

رحلة عميقة في الذكريات والأحداث التاريخية التي شهدتها مكة المكرمة، وتجربة ثرية وغنية بالخبرة والمعرفة لدى شخصية مرموقة ولها باع طويل في خدمة المواطنين والأهالي، تلتقيها صحيفة “مكة” الإلكترونية في حلقة جديدة من حواراتها الرمضانية.

إنه وكيل محافظة جدة سابقًا لمدة 15 عامًا، ومحافظ سابق لمحافظة الجموم، محمد حمد عبدالله الوافي الحربي، الذي يتحدث في هذا اللقاء عن محطات هامة في حياته وعن العادات والتقاليد التي كانت سائدة وأبرز مظاهر الحياة الشعبية التقليدية التي كان يتميز بها سكان الحارات القديمة.

1- في البدء نتعرف على ابن مكة؟

محمد حمد عبدالله الوافي الحربي من مواليد مكة المكرمة عام 1380هجرية.

2- في أي حارة كانت نشأتكم أستاذ محمد؟

ولدت في بيت شعبي مكون من مجلس وغرفة عائلية ومدخل، وكبر عمري بتطور هذا البيت الذي أصبح مسلحا من ثلاثة أدوار بحارة شارع الجزائر.

3- أين تلقيتم تعليمكم؟

 درست المرحلة الابتدائية بمدرسة أسامة بن زيد، والمرحلة المتوسطة بمدرسة عمرو بن العاص، والمرحلة الثانوية بمدرسة مكة، والمرحلة الجامعية في جامعة الملك سعود (الرياض سابقا).

4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة؟

أتذكر من الحارة المحبة بين أهلها، والتعاون في الأفراح، ومنها مساهمة كل بيت بالفرش والأواني المنزلية. أتذكر البساطة والقناعة، أتذكر مساهمة أهل الحارة في تشييد أي مبني لأحد سكانه، وأيضا سيارة العم محمود الوحيدة التي تنقل أهل الحارة..! وأتذكر برميل والدي الذي عمله للعزائم والأفراح وقد عمل له أربعة صنابير وكان يطلب من أهل الحارة عند العزائم استخدامه بدل الأباريق.

ومن الطريف أن كل من طلبه كان يدعينا للمناسبة استحياء، أتذكر بائع السمبوسة والمنفوش وبائع اللبن، وحامل الأتاريك، أتذكر سيل الأربعاء وقد سحب درج البيت ووضع لي سلم خشب؛ للصعود بعد عودتي من المدرسة.

5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها؟

التطلعات المستقبلية في الطفولة كانت أن أصل في التعليم والحياة بما يجعل والدي يفتخر بي، والحمد لله تحقق ذلك. وأذكر أنه قبل وفاته بأيام يرحمه الله منوم في المستشفى وعنده زوار ويشاهد بالتلفزيون حفل مباشر؛ لمناسبة من جدة برعايتي وشاهد وسمع كل ما في الحفل وتأثر فرحا ولمست ذلك عندما زرته بعد الحفل مباشرة.

6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة.. ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟

الحقيقة التربية في السابق تختلف عن الآن. في السابق إذا قال الوالد كلمة تحترم وتسير بها مدى الحياة. التربية كانت تربية إسلامية والدين خط أحمر، والعادات والتقاليد، واحترام الكبير، والبعد عن الأخطاء، والسمعة الحسنة، وعدم ورود شكوى من أحد.

7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟

نعم ابن مكة المكرمة لابد أن يتحلى بصفات وقد تجدها مشتركة من أبناء مكة منها : الالتزام بالدين، والأخلاق والتسامح، والفزعة، واحترام كبار السن، وصفاء النفس والصدق.

8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس.. ماهي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟

من الأمثال الباقية في الذهن: أهل مكة أدرى بشعابها، سلام يا جاري أنت في دارك وأنا في داري، وما يمدح السوق إلا من ربح فيه.

9- الحياة الوظيفية.. أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها؟ وآخرها؟

بعد التخرج من الجامعة تخصصت إدارة عامة ورشحت للإعادة بالكلية وحبا لمكة المكرمة فضلت العمل بها، وتعينت في إمارة منطقة مكة المكرمة عام 1403هجرية وقد عملت مدير مكتب مدير التفتيش والمتابعة، مدير إدارة الشؤون المحلية، مساعد مدير عام خدمات المنطقة، رئيس لمركز مدركة، محافظا لمحافظة الجموم، وكيل محافظة جدة لمدة (15) عامًا ومن ثم التقاعد النظامي.

10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها؟

الحقيقة شهر رمضان، وشهر الحج لها شعائرها وحياتها الخاصة عند أهل مكة ولها أجواءها.. سبحان الله في رمضان تشاهد أبناء مكة متواجدين على الطرقات؛ لبيع الأكلات الرمضانية مرحبين بالصائم، ثم تتذكر الباعة المتجولين قديما، والذهاب للمسجد الحرام؛ لصلاة التراويح، والألعاب الرمضانية، و الأكلات الشعبية خاصة الفول والسوبيا.

والحقيقة من المواقف الرمضانية التي لا تنسى موقفين حدثا معي أحدهما مضحك والآخر مؤلم، فالمضحك سأحكيه لاحقا، أما المؤلم طلب مني ابني الصغير أن يذهب معي لنشتري فول من أحد محلات الفول المشهورة بمكة وعندما وقفت بعيدا طلبت من ابني البقاء بالسيارة وتأخرت عليه وعندما أردت فتح باب السيارة فوجئت أن الابن عند خروجي منها تحرك؛ ليخرج معي وقمت بصك الباب على يده ولم أشعر بذلك ووجدته في حالة يرثى لها من البكاء ويده مزرقة وتأثرت كثيرا من هذا الموقف.

أما بالنسبة لشهر الحج أيضا له شعائره الخاصة..فمعظم أهل مكة المكرمة يعملون في الحج سواء في الإدارات الحكومية، أو البيع، أو في مؤسسات الطوافة، أو تحميل الركاب.. حتى طلاب المدارس يعملون في الحج وللآن. أيام الحج أيام بركة بوجود الحاج.. سبحان الله تشعر فيها بارتياح غير.

11- تغيرت أدوار العُمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة.. كيف كان دور العمدة في الحارة؟

العمدة في السابق ملم بكل شيء وقائم بكل شيء. محترم ورأيه مسموع، وله تأثير على الكل حتى في الشرطة، وأعماله جليلة حتى في الصلح بين الزوج وزوجته. وقد آلمني موقف أحد العُمد الحاليين عندما حضرت له امرأة تشكي جارها أنه تكلم عليها وطلب عدم استقبال زوجته بقهوتها في بيتها وقالت للجار: امنع زوجتك وليس من حقك منعي من استقبالها.. وشكت للعمدة وكان جوابه اتصلي على 911 ولم يعالج المشكلة التي هي من صميم عمله..!!

12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة؟

الحقيقة كل حارة يوجد فيها قامات اجتماعية كلا حسب مقامه تجتمع مع بعض في الحارة وتقوم بزيارات للأحياء المجاورة منهم (المقاولين ، والمعلمين، وكان اجتماعهم في مجلس فضيلة قاضي المحكمة الكبرى سابقا الشيخ محمد بن هديهد الرفاعي وسط الحارة.

13- هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولا تنسونه؟

من المواقف الشخصية المؤثرة التي حصلت لي ولم أنساها عام 1395هجرية عندما شاهدت والدي خارجا من مجلس الشيخ محمد الرفاعي باكيا ولأول مرة أراه بهذه الحالة عندما أخبره الشيخ أن الملك فيصل بن عبدالعزيز – يرحمه الله – قد مات.

14- المدرسة، والمعلم، والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف.. هل تعرفونا على بعض منها؟

الحياة في السابق كانت بسيطة، الأب كل همه لقمة عيشه، والأبناء الدراسة، فكل حديث الأبناء عن المدرسة والمعلم والطلاب وأصلا لا يعرف غيرها.

15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ماهي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك؟

في السابق لا نعرف إلا الإذاعة تنشر فيها الأخبار، حتى أسماء الناجحين تسمع من الإذاعة. والتلفزيون قد لا يكون متوفرا إلا عند بيت أو بيتين في الحارة نجتمع نحن الشباب لديهم؛ لمشاهدة المصارعة، وبعض المسلسلات مثل ابن الحرامي وبنت الشاويش، وحنكشة.

16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة؟ وكيف كانت؟

الأفراح في السابق كانت في الأحواش وتفرش من فرش البيوت، والطبخ أمامك وتعمل منصات خشب إذا كان في الفرح طرب، والذبائح تقدم من الأهالي.

17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها؟

عندما تخيم الأحزان على بيت تجد الجميع عندهم الرجال عند الرجال، والنساء عند النساء لدرجة أن الرجال يمتنعون عن الذهاب لعملهم أو يتناوبون بالجلوس عندهم.

18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتموها.. هل تتذكرونها؟ وما الأبرز من تفاصيلها؟

نعم أتذكر سيل الأربعاء الثاني وهدمه للبيوت الشعبية، وسحب السيارات، وأتذكر أحداث الحرم عام 1400وقد كنت طالبا بجامعة الرياض ولم أستلم سكن وقتها وأقيم في مجالس الضيافة لدى الشيخ عثمان الصالح – يرحمه الله – مدير مدارس الأبناء بالرياض وهو من أخبرني بالحادثة ومنعني من السفر بالسيارة لمكة المكرمة؛ لوجود مقرات تفتيش بالخط، أتذكر أيضا أحداث حرب الخليج.

19- ماهي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة شارع الجزائر؟

الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها الحارة المزمار، و محاورات الشعر، والزير، والطرب الشعبي.

20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروون بعضا من قصص الفقر ألمؤلمة؟

نعم الحقيقة نحن عشنا حياة جيلين الآباء والأبناء.. الآباء كانوا يعملون بأجر يومي بالقروش ثم الريالات البسيطة، والدخل مصروف يومي فقط لايوجد إدخار، ونحن الأبناء لا نملك مصروف جيب فالأب يؤمن الاحتياج من المأكل والملابس.

21- ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟

أقول لسكان الحارة القديمة ولو أن معظمهم غادروها للمخططات المحافظة على المباني القديمة؛ لأنها تأريخ لحياة الآباء الذين تعبوا في إنشائها ولكم فيها ذكريات جميلة.

22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم؟

أقول لأهالي الأحياء الجديدة أخرجوا من عزلتكم في مبانيها الحديثة، أعيدوا حياة الآباء والأجداد.

23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟

الحقيقة الوقت بعد العمل متعب لابد أن نشغل أنفسنا فيه بالجلوس مع الأسرة، وزيارة الأقارب، والأصدقاء، وفي مشاهدة الخيل فهي عشقي.

24- لو عادت بكم الأيام أ. محمد ماذا تتمنون؟

أتمنى تغيير سلوكيات الحياة، وإعادة النظر في كل شيء مر علينا وشاهدناه.

25- بصراحة.. ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر؟

عدم احترام الأبناء لكبار السن، وانشغالهم بالأجهزة الهاتفية وفي كل وقت ومكان حتى في المساجد..!

26- ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟

من عادة أهل مكة المكرمة الإفطار بالفول مع الكعك الحجري وسحيرة المدينة وكان فيه محل مشهور بالكعك بمكة إلى الآن.. فوجئت أن الطابور طويل ومعظمهم يحمل معه كراتين بيض وتفاح؛ لوضع الكعك فيها بأعداد كبيرة والوقت ضيق جدا وعرفت أن المغرب سوف يؤذن قبل أن أحصل على أربعة حبات منه وفي الوقت الذي كنت مترددا بالوقوف أو المغادرة دخل شخص في العشرين من العمر واضع شماغه على كتفه وتوجه للفرن مباشرة وأخذ كعك وعند خروجه.. خرج أحد الوقوف وقام بالتشاجر معه حتى بالأيدي؛ لأنه لم يقف في الطابور وقام الجميع بالتدخل بينهما ووجدتها فرصة وذهبت للفرن وأخذ الكعك المطلوب ورجعت لهم ناصحا فقال لي أحد الحضور توكل على الله أتيت آخر واحد وأخذت مطلوبك.

27- أ. محمد لمن تقولون لن ننساكم؟

لوالديّ الذين أوصلاني بعد الله إلى ما وصلت إليه، لكل شخص في حياتي قدم لي عملا جميلا أو دعوة عن ظهر غيب، لكل من ضحى لأجل الوطن، لولاة أمرنا الذين غادروا هذه الدنيا بعد أن قاموا بواجبهم وأوصلونا إلى ما وصلنا إليه الآن.

28- ولمن تقولون ما كان العشم منكم؟

أقول ما كان العشم منكم لتجار مكة والذين عاشوا فيها ورزقهم الله من خيرها وغادروها؛ للسكن خارجها ونسوا فقرائها ولم يساهموا في مبادرات خيرية لأجلها..!

29- أ.محمد لكم تجارب إدارية كيف تصفونها؟

الحمد لله تجاربي الإدارية المتميزة أصفها بأنها جميلة ومتميزة بجمال وتميز من ساهم فيها، جميلة ومتميزة بجمال وتميز كل من ساعدني؛ لتحقيق ذلك ومن عمل معي وعملت معه.

30- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا.. وتقولون لمن سامحناكم؟

لكل من أخطأنا في حقهم، أو أخطأوا في حقي، أو قصرنا في حق بعض.

31- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة أ. محمد الوافي.

أقول الحمد لله أولا وأخيرا فإنه مصدر الهدى وبه الاستعانة. فكان من هداه أن بدأت وبعونه أن انتهيت، كما يسرني أن أهنئ الجميع بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، وأسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال.

وأشكر القائمين على صحيفة مكة الالكترونية على هذا التميز والنجاح متمنيا لها دوام التقدم والرقي.

 

 

 

المصدر – صحيفة مكة  – عبدالرحمن الأحمدي 

مبادروة ملتزمون

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى