الاقتصادشريط الاخبار

ديون بقيمة 1.07 تريليون دولار سلاح صيني يؤرق الأمريكيين .. هل تغرق الأسواق بالسندات؟

لا يوجد سياسي أمريكي أيا كان انتماؤه وتوجهاته، إلا ويعبر عن قلقه البالغ من الديون الهائلة التي تدين بها حكومة بلاده للمقرضين الصينيين، ففي أوائل العام الجاري قدر الدين الأمريكي للصين بنحو 1.1 تريليون دولار أمريكي، وبحلول شهر يوليو 2020 بلغ 1.07 تريليون دولار
ربما يكون السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لثاني أكبر اقتصاد في العالم أن يكون مقرضا لأول اقتصاد في العالم، ولماذا تقرض الصين الولايات المتحدة في ظل الحرب التجارية القائمة بينهما، وكيف أصبحت الصين واحدا من أكبر المقرضين للولايات المتحدة الأمريكية؟ إلا أن السؤال الأكثر قلقا لعديد من الأمريكيين: ماذا لو طلبت الصين من الولايات المتحدة سداد ما عليها من قروض؟
لا شك أن الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة ساعدها على أن تكون ثاني أكبر مقرض لها بعد اليابان، فالمقرضون الصينيون وفي مقدمتهم بالطبع الحكومة الصينية، يستخدمون الدولارات التي تتوافر لهم نتيجة بيع السلع الصينية في الأسواق الأمريكية، لشراء سندات الخزانة الأمريكية، ويساعد الطلب الصيني على أذونات الخزانة، في الحفاظ على سعر الفائدة الأمريكي منخفضا، ما يشجع كبار المستثمرين في الولايات المتحدة على الاقتراض من البنوك لتوسيع نشاطهم الاستثماري، كما يمكن للكونجرس عبر الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة زيادة الإنفاق الفيدرالي لتحفيز النمو الاقتصادي الأمريكي.
عبر هذه الدائرة من تداخل المصالح الاقتصادية بين الدولتين، ارتفعت قيمة القروض الصينية للولايات المتحدة، ومع هذا يظل السؤال الافتراضي: ماذا يمكن أن يحدث لو طلبت الصين من الحكومة الأمريكية سداد ما عليها من ديون لها، أو قررت في نوبة غضب إلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي وبيع تلك السندات لإحداث فوضى كبيرة في الأسواق الدولية؟
حول ذلك يرى، أدم جيفري كبير محللي الاستثمار في مجموعة فاينانشيال سيرفس أن بكين يمكنها أن تفعل ذلك إذا أرادت. ويقول لـ”الاقتصادية”، “إنه إذا أغرقت الصين السوق بسندات الخزانة الأمريكية، وارتفع المعروض، فإن التأثير الأكبر سيكون في أسعار الفائدة وأسعار السندات، وسيصبح الاقتراض أكثر تكلفة بالنسبة إلى الشركات والمستهلكين الأمريكيين، وسيؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي”.
ووفقا لهذا السيناريو فإن تخلص الصين من سندات الخزانة الأمريكية قد يتسبب في ذعر الآخرين وبيع ما لديهم، ما قد يعني أزمة اقتصادية عنيفة للولايات المتحدة، لكن وجهة النظر تلك لا تلقى قبولا من قطاع عريض من الخبراء، الذين يعتقدون أنها سيناريوهات قائمة في أذهان السياسيين والعامة من المواطنين، أكثر من كونها حقيقة اقتصادية قد تلجأ إليها دولة بثقل الصين في المجتمع الدولي، إذ ستعطي انطباعا سلبيا حول السلوك الاقتصادي للصين في التعامل مع خصومها في أوقات الأزمات.
وقضية الديون قضية معقدة بصفة عامة، وغالبا ما تزداد تعقيدا في الحالة الأمريكية، فالديون الأمريكية في شكل سندات الخزانة لا تزال مرغوبة للغاية في الاقتصاد العالمي، مع الأخذ في الحسبان وضع الولايات المتحدة كونها الاقتصاد الأول دوليا، كما أن تقييم تلك الديون يتم بالدولار الأمريكي، أي بالعملة التي تطبعها الولايات المتحدة، التي تعد سيدة العملات في الاقتصاد الدولي سواء على مستوى التجارة العالمية، أو الاحتياطيات البنكية.
باختصار أي ديون على الولايات المتحدة للصين في شكل سندات الخزانة، وإذا رغبت الصين في التخلص منها عبر بيعها في الأسواق الدولية فستجد دائما مشتريا لها، فعلى سبيل المثال في أغسطس عام 2015، خفضت الصين حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية بنحو 180 مليار دولار، وعلى الرغم من هذا الرقم الضخم، لم تؤثر عمليات البيع بشكل كبير في الاقتصاد الأمريكي.
يقول الدكتور ديفيد هيرست أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة بكين والاستشاري الحالي لعدد من المؤسسات المالية “إن مقابل القلق الراهن للسياسيين الأمريكيين من التزايد الضخم للقروض الصينية لدولتهم، هناك شعور سائد لدى قطاع كبير من الصينين بأن تلك القروض لا تعود بالفائدة على دولتهم”، ويعتقد الدكتور ديفيد أن كلتا وجهتي النظر يحكمها قلق غير مبرر اقتصاديا.
ويضيف “الصين تحتاج إلى الاحتفاظ باحتياطيات كبيرة من الديون على الولايات المتحدة في شكل سندات خزانة أمريكية، لأن ذلك يساعد الاقتصاد الصيني على النمو، فالطلب على سندات الخزانة يرفع قيمة الدولار مقارنة باليوان، وإذا قامت الصين فجأة بالتخلص من سندات الخزانة تلك، فإن سعر صرف عملتها سيرتفع، ما يجعل الصادرات الصينية أكثر تكلفة في الأسواق الخارجية، ومن ثم فإن حيازات الصين من الديون الأمريكية تمنح الصين وضعية قوية لضمان سعر صرف منخفض لعملتها الوطنية يسهم في دعم تجارتها الخارجية”.
بالتالي فإن مطالبة الصين الولايات المتحدة بديونها، ستؤدي إلى انخفاض شديد في الطلب على الدولار، وانهيار الدولار سيصيب الأسواق الدولية بالعطب ويوجد أزمة مالية أكبر من أزمة عام 2008، ومن ثم ستخرج الصين أيضا كأحد أكبر الخاسرين، اذ سينخفض الطلب العالمي على منتجاتها، وفي الحقيقة فإن البعض يعتقد أن قضية الديون الأمريكية المستحقة للصين قضية سياسية أكثر منها مشكلة اقتصادية للدولتين.
الصين ليست أكبر الدائنين للولايات المتحدة، إنما تحتل المرتبة الثانية بعد اليابان التي يقدر إجمالي قروضها للولايات المتحدة بـ1.2 تريليون دولار، وبذلك تمتلك اليابان والصين نحو 5.2 و4.6 في المائة من إجمالي ديون الولايات المتحدة على التوالي، مع هذا لا تلقى الديون الأمريكية المملوكة لليابان القدر نفسه من الاهتمام السلبي مثل الديون المملوكة للصين لدى السياسيين ووسائل الإعلام الأمريكية، وربما يكون السبب وراء ذلك أن اليابان ينظر إليها باعتبارها أمة أكثر صداقة للولايات المتحدة، كما أن نموها الاقتصادي لا يمثل تحديا للمكانة الاقتصادية للولايات المتحدة كما هو شأن الصين.
من جانبه، يعتقد، جون تيرنر الباحث الاقتصادي في الشأن الصيني أن القول الشائع بأن “الصينيين نتيجة قروضهم الضخمة للولايات المتحدة باتوا يمتلكونها قول مبالغ فيه وغير واقعي”.
ويقول لـ”الاقتصادية”، “إن نسبة 4.6 في المائة من الدين الوطني ليست نسبة شديدة التأثير في اقتصاد بحجم الاقتصاد الأمريكي، إلا أن نسبة الديون الأمريكية للصين تقفز إلى 15 في المائة إذا قيست كنسبة من إجمالي ديون أذونات وسندات الخزانة الأمريكية المقدرة بسبعة تريليونات دولار، مع ذلك لم تواجه الخزانة الأمريكية أي مشكلة في العثور على مشترين لسنداتها، حتى بعد تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة”.
وأضاف “إذا قررت الصين فجأة مطالبة الحكومة الفيدرالية بسداد كل ما عليها من ديون، وهذا عمليا غير ممكن -بالنظر إلى اختلاف آجال استحقاق سندات الدين- فمن المحتمل أن يتدخل الآخرون لشراء تلك الديون مع الأخذ في الحسبان أن الاحتياطي الفيدرالي يمتلك بالفعل ما يقرب من ثلاثة أضعاف ديون الصين”.
مع هذا خفضت الصين حيازاتها من الديون الأمريكية منذ عام 2011 عندما كان لديها 1.3 تريليون دولار، ويتوقع أن تسير الصين في هذا الاتجاه ليس نتيجة النزاعات التجارية مع الولايات المتحدة -على الرغم مما لتلك النزاعات من تأثير سلبي ومساهمة في تقليص حجم وقيمة الصادرات الصينية للأسواق الأمريكية، وتقلص معها الفوائض الدولارية الصينية التي تشتري بها سندات الخزانة الأمريكية- لكن السبب الحقيقي لاتجاه الصين نحو تقليص مشترياتها من سندات الخزانة الأمريكية رغبتها في تحويل اليوان إلى عملة دولية.
بدوره، يقول لـ”الاقتصادية”، بيبر بلاك الخبير المصرفي “إن مواصلة الصين شراء أذون وسندات الخزانة الأمريكية، وهي بمنزلة قروض للولايات المتحدة، وعملية الشراء تلك تعني مواصلة تعزيز موقع الدولار في الاقتصاد الدولي، وهذا يتناقض مع رغبة الصين في تعزيز موقع عملتها في الأسواق الدولية، ما يتطلب فك الارتباط تدريجيا بين اليوان والدولار، وجعل العملة الصينية أكثر جاذبية لتجار الفوركس في الأسواق العالمية”.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى