الاقتصادشريط الاخبار

الحرب التجارية .. الميزان يميل ناحية الصين

المفارقة مذهلة. بينما كان دونالد ترمب وجو بايدن منشغلين بمهاجمة بكين في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية، شهد الاقتصاد الصيني انتعاشا قويا. في خضم جائحة فيروس كورونا، تبرز الصين محركا للنمو العالمي.
من المتوقع أن يظهر اقتصاد الصين الكبير وحده تقدما إيجابيا هذا العام، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي نموه 1.9 في المائة، يلي ذلك نمو يبلغ 8.2 في المائة في 2021. لكن استمرار الخلاف التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم يعني أن الولايات المتحدة لن تستفيد من هذا التوسع كما حدث من المضخة النقدية الضخمة التي شغلتها الصين بعد الأزمة المالية العالمية 2007 / 2008.
تشاد باون، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ـ مقره واشنطن، أشار إلى أن واردات الصين من الولايات المتحدة من السلع المشمولة باتفاق كانون الثاني (يناير) التجاري فشلت في اللحاق بمستويات ما قبل الحرب التجارية، إذ انخفضت 16 في المائة عن النقطة نفسها في 2017. في المقابل، ارتفعت الواردات الصينية من السلع المماثلة من بقية العالم بنسبة 20 في المائة خلال الفترة نفسها.
في الوقت ذاته، قال باون إن التزام الصين بشراء 200 مليار دولار إضافية من السلع والخدمات الأمريكية الصنع بموجب الصفقة “التاريخية” التي أعلنها الرئيس ترمب، انخفض كثيرا ولم يتجاوز 53 في المائة فقط من هدف الشراء المتوقع في نهاية أيلول (سبتمبر).
ربما يأتي الحكم الأكثر دلالة بشأن الحرب التجارية للرئيس ترمب ـ الذي يعد سوق الأسهم المعيار النهائي لأدائه ـ من دراسة أجراها الاقتصاديون في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وجامعة كولومبيا. تقدر الدراسة أن الحرب التجارية خفضت القيمة السوقية للشركات الأمريكية المدرجة نحو 1.7 تريليون دولار، ما يعادل 6 في المائة من الانخفاض في مكونات قيمة مؤشر ستاندرد آند بورز 500. يعكس هذا كيف أدت التصريحات الخاصة بالتعريفات الجمركية الجديدة إلى خفض توقعات الأرباح في الشركات الضعيفة. لم تجد الدراسة أي آثار مفيدة على الشركات التي تتلقى الحماية الجمركية.
الحقيقة هي أن الانتقام الصيني تسبب في إحداث فوضى في الصادرات الأمريكية. لاحظ رايان هاس وأبراهام دنمارك في ورقة بحثية لمعهد بروكينجز، أن جمارك الولايات المتحدة أجبرت الشركات الأمريكية على قبول هوامش ربح أقل، وعلى تخفيض الأجور والوظائف للعمال الأمريكيين، ورفع الأسعار للمستهلكين الأمريكيين. وفي حين تقلص العجز التجاري الثنائي مع الصين، فإن العجز التجاري الإجمالي لم ينخفض لأن الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين حولت التدفقات التجارية، وهذا تسبب في زيادة العجز الأمريكي مع أوروبا والمكسيك واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.
إذا كان أداء الأسهم الأمريكية رائعا على الرغم من الحروب التجارية والوباء، فإن ذلك يرجع إلى سياسة نقدية فضفاضة للغاية وأداء جيد لشركات التكنولوجيا الكبري، وليس لأداء الشركات السائدة. يلاحظ أيضا أن الرسوم الجمركية لم تحقق الكثير من الإيرادات لخزانة الولايات المتحدة، لأن الحكومة اضطرت إلى توزيع معظم الأموال في شكل إعانات لاسترضاء المزارعين الغاضبين بسبب الصادرات المفقودة التي كانت ستذهب إلى الصين.
الأمر المتناقض في كل هذا هو أن الخلاف في العلاقات المالية بين أمريكا والصين غائب إلى حد كبير، وهو المجال الوحيد الذي تحسن فيه وصول الشركات الأمريكية إلى الأسواق. مع سعي بكين إلى التحرير التدريجي، بدأت البنوك الأمريكية الآن في أخذ حصص مسيطرة في الشراكات القائمة، وفي الوقت نفسه تجتذب الصين تدفقا متزايدا من رؤوس أموال المحافظ العالمية المتقدمة. نظرا لأن مزودي المؤشرات يدمجون المزيد من الأسهم والسندات الصينية في مؤشراتهم، فإن الصناديق السلبية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى ستوسع هذا التدفق.
المثير للاهتمام هنا هو أن سوق سندات الحكومة الصينية، وهي ثاني أكبر سوق في العالم، تقدم دخل فائدة حقيقيا إيجابيا بعد حساب التضخم، وهو أمر لم يعد متاحا مع سندات الخزانة الأمريكية أو أسواق السندات الأوروبية الكبيرة. في الوقت نفسه، سوق الأسهم الصينية هي الوحيدة خارج الولايات المتحدة التي تعرض انكشافا جادا على شركات التكنولوجيا الكبرى.
ويترتب على ذلك أن الصين تقدم لصناديق المعاشات التقاعدية التي تتعرض لضغوط شديدة من الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم المتقدمة، دخلا حقيقيا تدفع من خلاله التزامات التقاعد، التي تخضع لمخاطر العملة والمخاطر التنظيمية. وفي حين أن الصين تتفوق على الولايات المتحدة من حيث النمو، وفي الوقت الذي تنتهج الولايات المتحدة سياسة نقدية شديدة التساهل وحتى سياسة مالية أكثر توسعية، فإن الرنمينبي الضعيف بشكل دائم نادرا ما يبدو مصدرا لأي تهديد كبير.
بالنسبة للمخاطر التنظيمية هناك أسباب تاريخية للقلق بشأن التدخل التعسفي من قبل السلطات الصينية. يجب أن تكون جائزة الدخل الأكثر تأمينا للمعاشات التقاعدية للمسنين من الصين حافزا لصانعي السياسة الغربيين لتعزيز الترابط المالي المستقر والسلمي.
وما إذا كان جو بايدن سيميل إلى مثل هذا الخيار يبقى مسألة موضع نقاش، على خلفية المنافسة الاستراتيجية العدوانية بين الولايات المتحدة والصين.
مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى