المقالاتشريط الاخبار

مستقبل الذكاء الصناعي عالمياً.. رؤية سباقة لولي العهد

لم أرغب التحدث في موضوع مقالي هذا إلا بعد انتهاء أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي التي عقدت قبل أيام قليلة في السعودية ذلك ان الضوء الإعلامي قد سلط خلال هذا الاسبوع على الانتخابات الأميركية والتي لا زالت تداعياتها القانونية محل جدال إعلامي كبير، وقبل أن اتوقف عند الدروس المستفادة من أعمال هذه القمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي سأوضح في عجالة التعريف العلمي بهذا المصطلح والنقاط التي يختص بها، ذلك أن مصطلح الذكاء الاصطناعي يشير في مفهومه إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام، حيث يمكن لتلك الأجهزة أن تُحسِّن من نفسها استناداً إلى المعلومات التي تجمعها أو يتم تغذيتها بها، واما التطبيقات التي توضح استخدامات الذكاء الاصطناعي فمنها:

اولا- استخدام الروبوتات لفهم مشكلات العملاء بشكل سريع يمكن من تقديم إجابات أكثر كفاءة.

ثانيا- تحليل المعلومات الهامة من خلال مجموعة كبيرة من البيانات النصية لاستخلاص النتائج وتحسين الجدولة.

ثالثا- تقديم توصيات للبرامج التلفزيونية، استناداً إلى عادات المشاهدة للمستخدمين كتغذية راجعة للتحسين.

ويرى بعض المختصين في البيانات والذكاء الاصطناعي، إن الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق من خلال تحليل البيانات التي يحتويها أكثر من ارتباطه بنموذج معين أو وظيفة محددة، وإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الرغم من أنها تقدم صوراً عن الروبوتات عالية الأداء والشبيهة بالإنسان، إلا أنه ليس الهدف منه أن يحل محل البشر، وإنما يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير..وبالتالي فأن المبدأ الرئيس لاستخدامه، هو أنه يحاكي بل ويتخطى الطريقة التي يستوعب بها البشر العالم الذي حولنا، من خلال قدرته على تحليل كم كبير من البيانات وأنماط متباينة منها، والتمكن من الربط بينها، بسرعة تفوق قدرة الإنسان وإمكاناته في الوصول إلى تنبؤات علمية دقيقة، تسهم بدورها في تحقيق الابتكار في الأعمال والمنجزات.

وتشمل القمة مجموعة من المحاور والأهداف تتمثل في الذكاء الاصطناعي في ظل رؤية 2030 والمملكة والدخول لعالم المدن الذكية، ودور الذكاء الاصطناعي في تعزيز قدرات الإنسان، وهل ستصبح أوضاع البشر في المستقبل أفضل مما هي عليه اليوم، واندماج الذكاء الاصطناعي تدريجياً في مختلف جوانب الحياة اليومية للبشر، وما الذي يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، ودور الذكاء الاصطناعي في تطوير سياسات التعليم، واستيعاب ودمج تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات المرتبطة بالتعليم، وإمكانات الذكاء الاصطناعي لضمان توفير فرص تعليم شاملة وعادلة وذات جودة، والعوامل التي تساعد في نمو سوق الذكاء الاصطناعي.

وقد يستغرب البعض أنه وعلى مر الزمن، كان الذكاء الاصطناعي حاضرا فقط في الخيال العلمي، وفي عام 2018 أصبح الذكاء الاصطناعي حقيقة لا خيالا و كانت سنة 2018 بمثابة النقلة الكبرى للذكاء الاصطناعي ونمت هذه التكنولوجيا حتى أصبحت أداة رئيسية تدخل في صلب جميع القطاعات لذلك دعت المملكة العربية السعودية إلى قمة عالمية فريدة من نوعها، تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتحت عنوان (الذكاء الاصطناعي لخير البشرية) فالمملكة تسعى حثيثا ومنذ فترة لتطبيق الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات حيث تأسست الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي بموجب الأمر الملكي الصادر في شهر أغسطس عام 2019، لتعزيز أهميتها لتصبح الجهة الرسمية المسؤولة عن الأجندة الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي في المملكة، تحقيقا لرؤية المملكة 2030 وأهدافها في مجال التحول الرقمي.

عصر جديد

لقد كانت القمة بمثابة رسم عصر جديد للذكاء الاصطناعي حيث ناقشت القمة 4 محاور رئيسة تغطي اهتمامات قادة الذكاء الاصطناعي عالميا، وهي رسم عصر جديد لهذا الأمر ، والذكاء الاصطناعي والقيادة، وحوكمة الذكاء الاصطناعي، ومستقبل الذكاء الاصطناعي، كما طرحت موضوعات تتعلق بعناوين صُنّاع الواقع الجديد، والذكاء الاصطناعي للخير وللجميع، وصناع قرارات الذكاء الاصطناعي، وإساءة الاستخدام والإطارات الأخلاقية باعتبارها أداة ترويض ابتكارات الذكاء الاصطناعي… وكذلك سلطت الضوء على أبرز التحديات التقنية التي يواجهها المجتمع الدولي، والطرق التي ستمكّن أجيال الحاضر والمستقبل من الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل شامل وآمن وأخلاقي، والتغيرات العالمية التي نواجهها وتأثيرها على التحول في مجال الذكاء الاصطناعي. والحق أن هذا الملتقى كان فرصة لانطلاقة منظور جديد لمفهوم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، مما سمح بالتعاون والمشاركة بين الشركات والعلوم والمجتمعات والفنون، ومما جعل الفوائد العملية والإمكانات المتوقعة من «صناع السياسات والمستثمرين لتشكيل ورسم مستقبل الذكاء الاصطناعي لخير البشرية» أمرا لازما ومتوقع الحدوث، وهو ما نلحظه في «الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي» التي أطلقتها المملكة في الملتقى من أجل المضي قدماً في بناء مسيرة السعودية الجديدة «لأن تغدو أنموذجاً للذكاء الاصطناعي في العالم، ولنجعل أفضل ما فيه واقعاً»، ولتقليص الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية بما تحمله من تحديات تنموية،)..كما ورد في الاستراتيجية.

ريادة سعودية

ولنعد إلى إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي فقد كان خير مثال لحرص المملكة على تطوير مسيرة الابتكار والتحول الرقمي في المملكة، ما سيسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 وتطوير كفاءة الأداء على المستويين الحكومي والخاص من خلال الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة الأمر الذي يعزز من مسيرة المملكة ورسم مستقبلها نحو الريادة في مجال التقنية والابتكار. وهذا دليل على أن المملكة سائرة على درب مواكبة التطورات والمتغيرات السريعة، ما يضمن لها مكانة رائدة بين الدول، حيث توقفت في القمة عند تصريح رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي الدكتور عبدالله بن شرف الغامدي والذي قال: انه سيكون لدينا 300 شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، وسنجلب 20 مليار دولار استثمارات مباشرة في ذات المجال بالإضافة إلى جذب الاستثمار المحلي، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تسريع التنمية المستدامة. وأضاف: أن المملكة تتطلع لأن تكون في عام 2030 بين أول 15 دولة في مجال الذكاء الاصطناعي.

لقد شارك في القمة العالمية التي تنظمها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) أكثر من 200 خبيرٍ وصانع قرار، وكان ضمن المشاركين كثير من الوزراء، والمستثمرين، وقادة الفكر، ورواد الأعمال، ومديرين تنفيذيين ومستشارين للشركات التقنية الرائدة عالميا حيث كان الهدف الأسمى مناقشة بعض الاعتبارات الاستراتيجية الضرورية لتأسيس منظومة فعّالة ومؤثرة للذكاء الاصطناعي، وتشجيع التعاون بين القيادات في هذا المجال، وتحري الخيارات الإستراتيجية الوطنية الملائمة.

ونجحت المملكة كذلك بتوقيع ثلاث اتفاقيات استراتيجية مع شركات «IBM»، و«علي بابا»، و«هواوي»، وأيضاً توقيع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي للاتصالات، مما سيمكن من التعاون الاستراتيجي لتفعيل البرنامج الوطني لتنمية القدرات مع «هواوي»، وكذلك مع «علي بابا» لتمكين مدن المملكة من إدارة الخدمات العامة بذكاء، وتطوير حلول تجعلها أكثر مرونة واستجابة لاحتياجات سكانها.

ولمن لا يعلم يا سادة فإن استراتيجية المملكة في هذا المجال ترتكز على تطوير برنامج مستدام لتنمية وتأهيل المواهب الوطنية في الذكاء الاصطناعي، وتوفير فرص تدريب متقدم لطلاب الجامعات والباحثين والمبرمجين والمطورين؛ وذلك لتمكينهم من الإلمام بتقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي. وتوفير كوادر وطنية مؤهلة لتلبية الطلب المتزايد في هذا المجال من قِبل مؤسسات القطاعَين العام والخاص، إضافة إلى دعم تفعيل الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، وتعزيز القدرات ومستويات الابتكار في هذا المجال في جميع مناطق السعودية، ذلك ان تطبيقات الذكاء الاصطناعي تدخل في تطوير الحلول الرقمية الذكية في العديد من القطاعات، مثل: السلامة والأمن، والنقل، والتخطيط الحضري، والطاقة، والتعليم، والصحة، والمدن الذكية وغيرها، وذلك من خلال الاستفادة من إمكانات منصات الذكاء الاصطناعي لتمكين مدن السعودية من إدارة الخدمات العامة بذكاء، وتطوير حلول تجعلها أكثر مرونة واستجابة لاحتياجات ورغبات سكانها للارتقاء بجودة الحياة، فضلاً عن تعزيز الأمن والسلامة. وكذلك التركيز على دفع الابتكار والاستثمار في مدن المملكة لتكون أكثر استدامة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وبيئيًّا.

وهل هناك ابلغ في وصف الأهداف المذكورة سابقا من كلمة سمو ولي العهد التي وصف فيها مآلات الذكاء الاصطناعي وضروراته عندما قال «إننا نعيش في زمن الابتكارات العلمية والتقنيات غير المسبوقة وآفاق نمو غير محدودة، ويمكن لهذه التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في حال تم استخدامها على النحو الأمثل أن تجنب العالم الكثير من المضار وتجلب للعالم الكثير من الفوائد الضخمة»،… لقد دعا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته ضمن الملتقى كافة الحالمين والمبدعين والمستثمرين وقادة الرأي للانضمام للسعودية لبناء اقتصادات المعرفة، حيث قال سموه “نسعى لأن نصبح ملتقىً رئيسياً للعالم في احتضان الذكاء الاصطناعي وتسخير إمكاناته لخير الإنسانية جمعاء، كما نتطلع مع شركائنا لتسريع تبني إمكانات الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية، عام 2020 الذي كان عاماً استثنائياً على العالم لاختبار إمكانيات الذكاء الاصطناعي في الوقت الذي نشهد فيه تشّكل حالةٍ عالمية جديدة تعيد تعريف أساليب حياتنا وأعمالنا وتعلّمنا، وهذا يدعونا جميعا للتفكير، والعمل بأقصى إمكاناتنا في سبيل الارتقاء بمجتمعاتنا واقتصاداتنا”.

سمو ولي العهد قالها ويقولها بوضوح أن المملكة تسير بخطوات علمية وعملية واثقة لتصبح عاصمة (الذكاء الاصطناعي) في العالم، من خلال تأكيد سموه على أنها تُعتبرُ ملتقًى رئيسًا في المنطقة والعالم لاحتضان الذكاء الاصطناعي وتسخير قدراته لخير الإنسانية جمعاء. لقد رأى أكثر من 200 خبير وصانع قرار في العالم شاركوا في القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الأولى التي عقدت في الرياض رؤية سموه والبصيرة التي احتوتها الرؤية التي تعتبر هدفاً استراتيجياً سعودياً سامياً، سيُغيّر شكل المنطقة للأفضل، ولتكون السعودية أيضاً في الصف الأول وعلى طاولة الكبار وبشكل دائم كأول دولة عربية وإسلامية بين دول العالم المتقدمة التي تقود العالم.

انها الرؤية الشبابية الطموحة والثاقبة التي يمتلكها سمو ولي العهد وتحظى بدعم خادم الحرمين الشريفين، والتي يسندها ويؤمن بها جيل من الشباب السعودي ، والتي تعمل حكومته ومختلف مؤسسات الوطن فيه على تنفيذ تلك الرؤية التي ستجعل السعودية (عاصمة) عالمية في الكثير من المجالات والميادين السياسية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والأمن والسلام والاستقرار… ان تلك القمة هي بالنهاية دعوة الى بناء نموذج عالمي رائد في الذكاء الاصطناعي، وبناء اقتصاديات المعرفة والارتقاء بالاجيال الحاضرة والقادمة، وهي كذلك رؤية شبابية مُعاصرة ومُستقبلية لامير الشباب الأمير محمد بن سلمان الذي وضع تلك الرؤية بكل تفاصيلها ومن بينها الذكاء الاصطناعي حتى تكون اي الرؤية ركيزة رئيسية لاعطاء جيل الشباب السعودي والعربي والعالمي الفرصة للإبداع والتميّز والمبادرة.

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى