الدولية

“الجوع” يطارد الأطفال في أميركا بعد كورونا.

الجوع” يطارد الأطفال في أميركا بعد كورونا

قبل أن يتسبب وباء كورونا في إغلاق مدرستها الإعدادية في شمال بالتيمور في الولايات المتحدة، وترحيل والدها إلى السلفادور، لم تكن كيمبرلي أوريلانا، تخشى الجوع أو تفكر به. 

لكن مع بقاء والدتها وحيدة لتعمل في تنظيف المنازل لقاء أجر لا يكفي إطعامها وشقيقتيها الصغريين، اضطرّت الفتاة البالغة من العمر 14 عاماً، إلى التردد على مدرسة قريبة للحصول على معونات توزعها منظمة غير ربحية.

معاناة مستمرة

قالت أوريلانا، لدى توجهها مسرعة للحصول على المعونات في شمال بالتيمور، في صباح ماطر خلال استراحة من صفوفها الدراسية، التي باتت تجري الآن عبر الإنترنت: “نحتاج أحياناً إلى كمية قليلة من المستلزمات لإبقاء برادنا (الثلاجة) ممتلئاً”. 

يزداد عدد الأطفال الجوعى في الولايات المتحدة، في وقت تواجه فيه البلاد أسوأ تفشٍ على صعيد العالم لفيروس كورونا، الذي أودى بحياة نحو 280 ألف شخص في البلاد، وتسبب في أزمة اقتصادية قد لا تشهدها البلاد سوى مرة لكل جيل. 

وتقدّر مجموعة “إطعام أميركا” غير الربحية، أن أكثر من 50 مليون شخص سيكونوا في عداد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي هذا العام، بما فيهم طفل من أربعة، ما يعني انعكاس مسار الإنجازات التي تم تحقيقها في السنوات الأخيرة، ووصل بموجبها الجوع بين الأطفال إلى أدنى مستوى له منذ عقدين على الأقل.

وقالت خبيرة الدراسات الاقتصادية لدى معهد “بروكينغز”، لورين باور، لوكالة “فرانس برس”: “يمكننا بثقة القول إن انعدام الأمن الغذائي حالياً بلغ أعلى مستوى يتم تسجيله في العهد الحديث”.

وتبدو الأرقام قاسية بالنسبة لبلد يعد اقتصاده الأكبر في العالم، ويتصدّر قائمة أهم الجهات المانحة للمساعدات الغذائية على الساحة الدولية.

وأثارت أعداد الجوعى، صراعاً سياسياً بشأن خيار الرئيس المنتخب، جو بايدن، لوزير الزراعة، الذي سيتولى مهمة مكافحة الجوع.

وقالت مديرة برنامج لدى مجموعة “أصدقاء الأرض”، كلوي ووترمان: “يشكّل الغذاء والزراعة نحو 20% من الاقتصاد الأميركي، بينما يأكل 100% من الناس”. 

ضغط كارثي

وأدى وصول الوباء في مارس إلى البلاد، وتدابير إغلاق الأعمال التجارية التي أعقبت ذلك، إلى ارتفاع مستوى البطالة وانكماش النمو الاقتصادي بشكل كبير.

وتواصل أعداد الإصابات والوفيات ارتفاعها، في وقت استجابت الولايات الأميركية على اختلافها بطرق متباينة لتفشي الوباء. 

وتم إغلاق المدارس، ما عقّد الأمور بالنسبة للأطفال الأكثر فقراً، الذين كانوا يحصلون على وجبات مجانية فيها.

وذكرت لورين باور، أن مسارعة السكان للتسوّق تسبب في نقص المواد الأساسية، ما أثر بالتالي على العائلات الأقل دخلاً، وقالت: “الضغط على العائلات لدفع ثمن بعض الحاجيات التي كان القطاع العام يوفرها، كان كارثياً”. 

واستجاب الكونغرس لمطالبات بالسماح للولايات بمنح العائلات التي يحصل أطفالها عادة على وجبات في المدارس، بطاقات بذات القيمة، بينما واصلت العديد من المناطق التعليمية تقديم وجبات يمكن للطلاب تناولها في منازلهم.

لكن هناك فجوات في شبكة الأمان هذه، بحسب باور، خصوصاً بالنسبة للأهالي غير القادرين على الوصول إلى المدارس التي توزّع الوجبات، لأسباب بينها أنهم ربما من العاملين الأساسيين.

كما أن هناك فجوة بالنسبة للأهالي الذين يعد أطفالهم أصغر من سن المدرسة، وهو عمر يمكن لعواقب سوء التغذية فيه أن تمتد مدى الحياة.

متطوعون من مشروع بالتيمور يوزعون الطعام على المحتاجين خارج مدرسة بادونيا الابتدائية الدولية في كوكيسفيل، 4 ديسمبر 2020 – AFP

متطوعون من مشروع بالتيمور يوزعون الطعام على المحتاجين خارج مدرسة بادونيا الابتدائية الدولية في كوكيسفيل، 4 ديسمبر 2020 – AFP

وأشارت ووترمان، إلى أن برنامج الحكومة الرئيسي لتوفير الغذاء للعائلات المحتاجة (برنامج المساعدة في التغذية التكميلية “سناب”) لا يقدم ما يكفي من المال لسد الحاجة، وهو ما يلقي بعبء البطالة المتزايدة على الجمعيات الخيرية.

ولمس “مشروع الجوع في بالتيمور” غير الربحي، الذي يوفر أغراض البقالة أسبوعياً في المدينة ومحيطها، للعائلات التي يعتمد أطفالها على وجبات المدارس، هذه التأثيرات.

ولا يتوقع أن يكفي كيس البيض والخبز وغيرها من الأساسيات التي استلمتها أوريلانا من مركز توزيع في ضاحية كوكيسفيل لها ولوالدتها، وهما غير مسجلتين رسمياً، وشقيقتيها اللتين ولدتا في الولايات المتحدة، أكثر من أسبوعين، وقالت: “الأمر صعب حقاً أحياناً، لكن عليك الاستمرار”.

جدل في واشنطن

يأتي ارتفاع نسبة الأميركيين الجوعى، في ظل جدل بشأن الشخصية التي سيختارها بايدن لشغل منصب وزير الزراعة، الذي يتعيّن عليه الإشراف على “سناب” وغيره من البرامج الغذائية.

وتعد السيناتور السابق عن داكوتا الشمالية، هايدي هايتكامب، المرشحة الأوفر حظاً للمنصب، لكن المجموعات التقدمية والنقابات تشير إلى أنها مقرّبة بدرجة كبيرة من شركات النفط والزراعة الكبرى.

وطالبت هذه المجموعات بايدن بتعيين النائبة مارسيا فادج، المدافعة عن توسيع برنامج “سناب”، في المنصب.

وقالت ووترمان: “فادج تدرك أننا بحاجة للوصول إلى الغذاء، وبأن يترافق ذلك مع عدالة غذائية”، مشيرة إلى أنه يمكن عكس مسار ازدياد الجوع من خلال زيادة توسيع برنامج “سناب”. 

متطوعون من مشروع بالتيمور يوزعون الطعام على المحتاجين خارج مدرسة بادونيا الابتدائية الدولية في كوكيسفيل، 4 ديسمبر 2020 – AFP

متطوعون من مشروع بالتيمور يوزعون الطعام على المحتاجين خارج مدرسة بادونيا الابتدائية الدولية في كوكيسفيل، 4 ديسمبر 2020 – AFP

ومن شأن ذلك أن يخفف العبء عن “مشروع الجوع في بالتيمور”، الذي تضاعف الضغط عليه 3 مرّات ليشمل أكثر من 2000 عائلة منذ انتشار الوباء. 

وقال آيو أكينريمي، وهو مهاجر من نيجيريا، بدأ تسلّم أغراض بقالة لزوجته وأطفاله بعدما خسر وظيفته، “الأمر يفطر قلبي”. 

وأضاف المهاجر الذي تطوّع مؤخراً مع المجموعة: “كانت صدمة ثقافية بالنسبة لي، أن آتي إلى الولايات المتحدة لأجد انعدام الأمن الغذائي هذا كله”.

المصدر الشرق

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى