فنون

«صبي مناسب» لفيكرام سيث يعثر أخيراً على رفيقته المثالية.

«صبي مناسب» لفيكرام سيث يعثر أخيراً على رفيقته المثالية

عندما نُشرت رواية «صبي مناسب» عام 1993، والتي تقع في 1349 صفحة وتدور أحداثها داخل الهند بعد الاستقلال ومن تأليف فيكرام سيث، أصبحت واحدة من أضخم الروايات المطبوعة المكتوبة بالإنجليزية. وبفضل المراجعات التي ظهرت بمختلف أرجاء العالم، ضمنت الرواية لنفسها مكاناً في قائمة الكلاسيكيات الأدبية الحديثة.

ويرى الكثير من القراء المعجبين بالرواية والتي جرت أحداثها في خمسينات القرن الماضي، وتناولت العديد من العلاقات والصداقات بين أفراد من ديانات مختلفة، أن الرواية نجحت في البقاء بفضل القصص الدرامية العائلية التي تحمل تشابهات بما يقابله الكثيرون في مختلف أرجاء العالم في حياتهم الشخصية، وكذلك لكونها مرشداً لما يعنيه أن يكون المرء مواطناً مستقلاً.

اليوم، وبعد العديد من المحاولات الفاشلة، جرى تعديل الرواية أخيراً إلى سلسلة جديدة مكونة من ستة أجزاء للمخرجة المرشحة لجائزة «أوسكار»، ميرا نير. وعندما بدأ عرض المسلسل عبر قناة «بي بي سي» في الأول من يوليو (تموز)، لاقى إشادة كبيرة في بريطانيا باعتباره أول عمل درامي تنتجه شبكة «بي بي سي» في موقعه الأصلي في الهند بفريق عمل جميع أفراده تقريباً من الهند.

أما داخل الهند، فقد جاءت ردود الفعل أكثر تعقيداً؛ ذلك أن أعضاء الحزب القومي الهندوسي الحاكم دعوا إلى مقاطعة المسلسل بسبب تصويره قصص حب بين أشخاص ينتمون إلى ديانات مختلفة، وفتحت الشرطة تحقيقاً بخصوص شبكة «نتفليكس» التي تتولى توزيع العمل هناك.

أما داخل الولايات المتحدة التي بدأ عرض المسلسل بها، الاثنين، عبر خدمة البث التدفقي «أكرون تي في»، فقد لاقى المسلسل استقبالاً أكثر هدوءاً، لكن دون دعوات للمقاطعة.

وبالنظر إلى القصة الملحمية للمسلسل ومستوى إنتاجه الضخم، وصفت نير التي ترعرعت في الهند، لكنها تقيم حالياً في نيويورك، المسلسل مازحة بأنه «ذا كراون» باللون الأسمر. إلا أنه فيما وراء حجم المسلسل ومكانة العمل الأدبي الذي يعتمد عليه، من الواضح أن المشروع يحمل بها معاني شخصية وسياسية عميقة.

وفي هذا الصدد، قالت المخرجة خلال مقابلة أجريت معها في وقت قريب عبر خاصية الفيديو بالهاتف من منزلها، إن «السبب الوحيد وراء رغبتي في إخراج هذا العمل يكمن في صنع مرآة للعالم نبدو أكثر بعداً عنها عن أي وقت مضى».

وأضافت «لطالما انجذبت لحقبة الخمسينات – خاصة أن عام 1951 شهد زواج والدي. كانت تلك حقبة سادتها المثالية الحقيقية، وأخذنا عن الإنجليز الكثير مما عرفناه، لكن صبغناه بصبغتنا الخاصة».

تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن رواية «صبي مناسب» ظهرت إلى الوجود في وقت كانت السياسات القومية الهندوسية قد بدأت تحتل قلب المشهد السياسي الهندي في أعقاب صدامات عنيفة وقعت عام 1992 حول تدمير مسجد يعود إلى القرن الـ16 في أيوديا. كان سيث قد صاغ أحداث الرواية في أعقاب التقسيم العنيف للهند عام 1947 على أيدي البريطانيين تبعاً لتصنيفات دينية؛ ما أدى إلى ظهور باكستان.

إلا أنه سعي نحو كتابة عمل درامي كوميدي أخلاقي حول محاولات شائكة من جانب أم للتوفيق بين اثنين في الزواج، وتبدو الرواية في مجملها قصة صادقة واسعة النطاق حول أربع عائلات من الطبقة العليا، وتضم عدداً من قصص الحب، وتتناول التعايش الديني والمشهد السياسي فيما بعد التقسيم؛ ما جعل من الرواية العمل الأدبي الأول المعبر عن سنوات التأسيس في الهند.

وبعد العديد من المحاولات الفاشلة تعديل الرواية، وقع اختيار سيث شخصياً على كاتب السيناريو أندرو ديفيز، ليتولى هذه المهمة، بعدما انتهى لتوه من تعديل عمل ملحمي تاريخي آخر لحساب «بي بي سي» وحقق نجاحاً كبيراً، وهو رواية «الحرب والسلام» لتولستوي. ومع استمرار سيث في العمل على جزء آخر للرواية، المهمة التي يعكف عليها منذ وقت طويل، كلف شقيقته، أرادهانا سيث بمهمة ضمان سلامة التعديل. (جدير بالذكر أن أرادهانا تعمل كمنتجة ومنتجة تنفيذية.)

كانت «بي بي سي» قد أصدرت تكليفاتها بالبدء في إنتاج المسلسل عام 2017، أما نير التي أعربت عن اهتمامها بالمشاركة في العمل، فقد جرى ضمها للعمل في العام التالي.

وبعيداً عن المقارنات الطريفة، فإن تعديل رواية «صبي مناسب»، رغم تشابهه مع مسلسل «ذا كروان» من حيث الشهرة والنجاح، فإنه لا يمكن مقارنة ميزانيته بتلك الخاصة بالدراما المرتبطة بآل ويندسور، أحد أعلى المسلسلات التلفزيونية كلفة. جدير بالذكر، أنه سعياً لتوفير تكاليف المواقع والفترة الزمنية التي رغبها نير وفيكرام سيث، جرى تقليص الإنتاج من ثماني حلقات إلى ست.

من جهتها، قالت أرادهانا سيث «في كل مرة ترى عملاً يجري تعديله، ينبغي أن تدخل العمل بعيون جديدة وتترك الكتاب خارج غرفة المشاهدة».

وبدلاً عن توزيع الانتباه بين الشخصيات الرئيسية المتعددة في الرواية، ركزت النسخة التلفزيونية على نحو أساسي على بطلين شابين، لاتا ومان (تانيا مانيكتالا وإيشان خاطر)، اللذان اقتربا من عمر الرشد في وقت كانت الهند تستعد لعقد أول انتخابات بعد الاستقلال، والتي أجريت عام 1952، وبينما يساعد مان في الحملة الانتخابية والده في الريف، وفتح عينيه على السياسات الأوسع نطاقاً للطائفة والدين، تتعلم لاتا العثور على طريقها الخاصة في الحياة رغم إصرار والدتها الكوميدي على إيجاد صبي هندوسي مناسب لها.

من ناحيتها، قالت مانيكتالا «هناك الكثير من الطاقة في شخصية لاتا، فهي فتاة متخرجة حديثاً في الجامعة لم تستكشف العالم بعد. إنها تعيش في فقاعة حيث، حسب رأيها، سيكون كل شيء على ما يرام».

أما ناير، التي نشأت في أسرة هندوسية علمانية، فقد دفعت باتجاه إلى إعادة المزيد من الموضوعات السياسية في الرواية مرة أخرى إلى السيناريو التلفزيوني.

من ناحيتها، قالت نير «كانت السياسة في الصدارة بالنسبة لي، وكان أحد أكبر الأشياء التي أمكنني القيام بها إعادة تغيير توازن القصة، بحيث يقل التركيز على مسألة ستتزوج أم لا – على غرار رواية (كبرياء وتحامل) للروائية جين أوستن والسيدة بينيت – ويزداد التركيز على شعور لاتا بأنها صنعت بالفعل في الهند».

علاوة على ذلك، حرصت نير على دمج أكبر قدر ممكن من الكلمات الهندية والأردية في السيناريو تبعاً لما تسمح به قيود «بي بي سي» الصارمة. ولدى سؤالها عن ذلك، أجابت ضاحكة «يمكنني القول بأنه كان صراعاً ساحراً».

ويبدو هذا تحدياً مألوفاً لنير التي تعتبر مقاتلة محنكة في المعارك المؤلمة أحياناً من أجل ضمان تمثيل أكثر صدقاً لأبناء جنوب آسيا على الشاشات الغربية، وقد سبق لها صناعة العديد من الأفلام الناجحة حول الهند والشتات الهندي.

من جهته، أعرب أمارديب سينغ، أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة ليهاي في بنسلفانيا، والذي ألف كتاباً عن أفلام ميرا نير، عن اعتقاده بأنها «تميل إلى اختيار الموضوعات التي تعكس قضايا اجتماعية مستمرة ومتأصلة في الوقائع اليومية».

المصدر الشرق الأوسط

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى