الاقتصادشريط الاخبار

الأسواق الناشئة .. الحصان الأسود لانتشال #الاقتصاد العالمي من أنقاض الركود إلى معدلات النمو المرتفعة

إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي في عام 2021؟ ربما يكون هذا هو السؤال الاقتصادي الأبرز لهذا العام، ورغم ذلك لا توجد إجابة واضحة أو قاطعة بهذا الشأن، إنما مجموعة من السيناريوهات أو التقديرات تتعلق في الجزء الأكبر منها بالمسار الذي سيأخذه وباء كورونا، وما يخلفه من عقبات على طول الطريق، وكذلك الأضرار التي سيحدثها ومدى فاعلية اللقاحات في مواجهته.
في هذا السياق تتوقع البنوك الكبرى في وول ستريت بداية هشة للاقتصاد الدولي هذا العام، خاصة مع انتهاء عام 2020 بارتفاع في معدلات الإصابات وجولات أخرى من سياسات الإغلاق. لكن ما الذي سيحدث على مدار العام ومعدل النمو المتوقع للاقتصاد العالمي بل ومسار هذا النمو وشكله، لا يزال محل جدل كبير.
تم استطلاع بحسب “الاقتصادية” آراء عدد من خبراء الاقتصاد والبنوك والاستثمار لمعرفة تقديراتهم بشأن عام 2021، إذ يقول البروفيسور آر. دي. ألن أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن “إن الاقتصادات الناشئة ستكون الحصان الأسود لتحقيق الاقتصاد الدولي معدلات نمو مرتفعة، وإن معدلات النمو ستشهد مزيدا من الارتفاع مع إعادة فتح الاقتصادات الأوروبية وتراجع سياسة الإغلاق في عدد من المناطق حول العالم”.
وأضاف “ارتفاع أعداد الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة وأوروبا يجعل من الصعب في الوقت الحالي تصور العودة إلى الوضع الطبيعي، مع هذا أثبت الاقتصاد العالمي مرونة ملحوظة، مقارنة بالتراجع الحاد في أوائل عام 2020، ولهذا من المرجح أن يأخذ الانتعاش الدولي في عام 2021 شكل حرف V بمعنى تقلص اقتصادي حاد يليه ارتفاع ملحوظ في معدلات النمو، ابتداء من الربع الثاني من العام، والمتوقع أن تصل نسب النمو إلى حدود 6.4 في المائة بنهاية عام 2021”.
وأكد أن هذا السيناريو يحمل في طياته كثيرا من عوامل التفاؤل، منبعها تحسن الأداء الاقتصادي في الاقتصادات المعتمدة على التجارة الخارجية مثل كوريا الجنوبية وتايوان وحتى الاقتصادات الأكبر حجما مثل الهند والبرازيل التي تعتمد في نموها الاقتصادي على الطلب المحلي، فإنها تحقق نموا إيجابيا بعد تجاوز بعض المؤشرات الاقتصادية مستويات ما قبل تفشي الوباء.
ويشير البروفيسور آر. دي. ألن إلى الدور المتنامي للاقتصادات الناشئة هذا العام بالقول “الاقتصادات الصاعدة ستستفيد من عجز الحساب الجاري المتزايد لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية على المستوى الدولي، وضعف الدولار، وسياسات الاقتصاد الكلي التيسيرية”.
وأفاد “لهذا ستتحقق معدلات نمو مرتفعة عام 2021 ستصل الى 7.4 في المائة، وستكون الهند في المقدمة بمعدل نمو قد يقترب من 9.8 في المائة، والصين بنحو 9 في المائة لكنه سيتراجع في عام 2022 إلى نحو 5.4 في المائة”.
وتوجد سيناريوهات أخرى لوضع الاقتصاد العالمي في عام 2021، تتشابه في بعض جوانبها مع رؤية البروفيسور آر. دي. ألن، لكنها أقل تفاؤلا بشأن نسب نمو الاقتصاد الدولي.
بدورها لا تتفق الدكتورة إيملي راسل أستاذة التجارة الدولية في جامعة ليدز مع وجهة النظر التي تمنح الاقتصادات الناشئة السبق في قيادة الاقتصاد العالمي عام 2021.
وتوضح لـ”الاقتصادية”، “يعد اكتشاف لقاحات لمواجهة فيروس كورونا خطوة مهمة على طريق استعادة مؤشرات الاقتصاد الدولي تحسنها، والعودة إلى المرحلة السابقة لتفشي الفيروس، لكن هذا لن يحدث قبل عام 2022، ويرجع ذلك جزئيا إلى التأخر المتوقع في تحسن أداء الاقتصادات الناشئة التي ستوزع فيها اللقاحات في مرحلة متأخرة مقارنة بالدول المتقدمة”.
وتضيف “سيتوقف المشهد الكلي في الاقتصاد العالمي على الأداء الاقتصادي في الدول المتقدمة، خاصة أن المشهد الراهن يتنازعه عاملان يسيران في اتجاهين متضادين، الأول توفر اللقاحات بما يعزز النمو، في الوقت ذاته توقف الاقتصادات المتقدمة عن القيام بضخ مزيد من التحفيزات المالية الضخمة كما حدث في عام 2020، وهذا يحد بشكل ملحوظ من تحسن النشاط الاقتصادي”.
ومن هذا المنطلق تعتقد الدكتورة إيملي أن ترجيحات بعض الاقتصاديين بأن النمو الاقتصادي لن يتجاوز معدل 5.8 في المائة عام 2021 تبدو منطقية للغاية، لكن معدل النمو الاقتصادي، على الرغم من أهميته، ما هو إلا مؤشر واحد ضمن مجموعة متنوعة من المؤشرات الاقتصادية التي يجب النظر إليها، ومن أبرزها معدلات التضخم المتوقعة.
وربما يكون انخفاض معدلات التضخم في الأعوام الأخيرة، إحدى النقاط التي تشهد إجماعا بين الخبراء، وقد أسهم انخفاض التضخم في تمكين البنوك المركزية من خفض أسعار الفائدة إلى الصفر وما دونه، والاقبال الشديد على شراء السندات الحكومية. ولا شك أن انخفاض معدلات التضخم خاصة في الدول الرأسمالية عالية التطور مكن حكومات تلك الدول من المضي قدما في عمليات إنفاق وضخ مالي ملحمي قدر بـ12 تريليون دولار وأكثر على مدار عام 2020، على أمل إنقاذ الاقتصاد من ويلات وباء كورونا، بل والأكثر أهمية أن التضخم المنخفض مكن اقتصادات تلك الدول من عدم الفزع من حجم الدين العام الذي بلغ 125 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
من جهته يعتقد جورج أندي الخبير المصرفي أن أحد أبرز الملامح الاقتصادية لعام 2021 سيكون معدل نمو مرتفع لكن بدون تضخم. ويقول “قبل جائحة كورونا كانت معدلات البطالة في أغلب الاقتصادات المتقدمة وأبرزها الاقتصاد الأمريكي منخفضة للغاية، ورغم ذلك فإن معدلات التضخم ظلت منخفضة، والآن معدلات البطالة أعلى مما كانت عليه قبل جائحة كورونا، وهناك جيوش من البشر عاطلة عن العمل، ولذلك يتوقع أن تنخفض الأجور ومعها معدلات التضخم في العام 2021”.
لكن بعض الأصوات الاقتصادية يتشكك من دقة هذا التحليل، ويرى أنه لا يأخذ في الحسبان بعض المتغيرات الاقتصادية المهمة التي حدثت في عام 2020، إذ يقول آرثر وايت الخبير الاستثماري “خلال عام 2020 ضخت الحكومات عبر سهولة الإقراض البنكي وانخفاض أسعار الفائدة كميات غير مسبوقة من النقد في الأسواق، لكن سياسات الإغلاق لم تسمح بتصريف تلك الأموال في عمليات استهلاك حقيقية وضخمة، بل إن عدم السفر إلى الخارج وتوقف الرحلات السياحية أديا إلى احتجاز تلك الأموال داخل الوطن وإبقائها في المصارف”.
وأضاف “الآن بمجرد الخلاص من سياسات الإغلاق، وعودة الرحلات السياحية ستضخ تلك الأموال في الاقتصاد العالمي بصورة فعالة وستزيد من الطلب الاستهلاكي وتؤدي إلى فورة إنفاق تفوق قدرة الشركات على الإنتاج، ويعني هذا ارتفاع معدلات التضخم، وقد بدأ هذا يظهر حتى قبل بلوغ عام 2021، إذ إن أسعار النحاس على سبيل المثال أعلى 25 في المائة في نهاية عام 2020 مقارنة بأول العام”.
تلك التوقعات تحتل أهمية كبيرة بالنسبة إلى رجال الأعمال والمستثمرين، فارتفاع معدلات التضخم – بصورة مقبولة – ربما يكون موضع ترحيب من قبل الخبراء الاقتصاديين باعتباره دليلا على تعافي الاقتصاد الكلي، لكنه بالنسبة إلى المستثمرين ورجال الأعمال والشركات الدولية وحتى الاقتصادات الناشئة التي تقدر مديوناتها بمليارات فإن ارتفاع معدلات التضخم يعني مزيدا من الأعباء على الميزانيات العمومية للشركات والميزانية العامة للدول بما لذلك من عواقب وخيمة على النمو.
لا شك أن مؤشر البطالة يعد أيضا أحد المؤشرات الحيوية التي تكشف لنا مدى صحة أو عدم صحة الاقتصاد العالمي في عام 2021، وأغلب التقديرات الراهنة تشير إلى أن معدل البطالة المتوقع سيراوح بين 8.62 و9.59 في المائة.
وتربط نيكولا ديفيد الباحثة الاقتصادية بين معدل النمو ومعدلات البطالة المتوقعة عام 2021 بالقول “زيادة الثقة بين المستثمرين وتوسع قطاع الأعمال سيسهمان بشكل فعال في خفض معدلات البطالة، وأغلب التقديرات الراهنة تشير إلى أن تعافي الاقتصاد الأمريكي جزئيا من أسوأ تراجع له منذ الكساد الكبير لن يحدث قبل منتصف العام المقبل، وبذلك يتوقع أن تنخفض معدلات البطالة بنهاية العام إلى 5 في المائة”.
وأشارت إلى أن الاقتصاد الأوروبي سيسير أيضا على المنوال ذاته، لكن معدلات النمو لديه ستكون أضعف كما أنها ستتأخر نسبيا عن نظيره الأمريكي، ما يعني أن معدلات البطالة ستكون أعلى من الولايات المتحدة وستبلغ 8.6 في المائة”.
مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى