الاقتصاد

#التكنولوجيا”المتضخمة” #الاقتصاد_العالمي إلي #كارثة_جديدة؟

#التكنولوجيا”المتضخمة” #الاقتصاد_العالمي إلي #كارثة_جديدة؟

 

بات قطاع التكنولوجيا ركيزة أساسية وأحد أحجار الزاوية الرئيسة في المنظومة الاقتصادية الدولية، خاصة في الدول المتقدمة أو الدول والاقتصادات الناشئة الساعية إلى حجز مكان مرموق في اقتصاد المستقبل.

وفي الواقع فإن قطاع التكنولوجيا وشركاته كانت بالفعل عملاقا اقتصاديا قبل عام 2020، حيث ضم هذا القطاع الاستراتيجي شركة أبل التي تجاوزت قيمتها تريليون دولار عام 2018، لكن ما إن حل كانون الثاني (يناير) عام 2020 إلا وكان بعض شركات التكنولوجيا مثل شركة ألفابت الشركة القابضة لموقع البحث الشهير جوجل تنضم إلى نادي شركات التكنولوجية التريليونية، بينما بلغت “أبل” في آب (أغسطس) الماضي تريليوني دولار.

ومع تفشي وباء كورونا على المستوى العالمي، زادت أهمية قطاع التكنولوجيا بشكل هائل، نتيجة تسريع الاعتماد على التكنولوجيا سواء في العمل أو المنزل، وكانت النتيجة أن تلقت شركات التكنولوجيا العام الماضي دفعة كبيرة، بحيث بات عام 2020 أحد الأعوام الفارقة في مسيرتها حتى الآن.

من المتوقع أن تستمر تلك الآثار الإيجابية في شركات التكنولوجيا هذا العام وما بعده أيضا، فالجائحة رغم اللقاحات التي أنتجت لا تزال تفعل أفاعيلها في الحياة البشرية، والوباء لا يزال يواصل حصد أرواح البشر في كثير من الدول، وعلى الرغم من أن التخلي عن سياسات الإغلاق وعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيا، ربما يدفع إلى تقليص نسبي في الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وربما نشهد أيضا -عندما تعود الحياة إلى سابق عهدها- انخفاضا نسبيا في استخدام بعض الخدمات التكنولوجية مثل عقد الاجتماعات عبر تقنية زووم، إلا أن استخدام التكنولوجيا بصورة أكثر كثافة عما كان عليه الوضع قبل ظهور فيروس كورونا اتجاه عام لا يمكن إنكاره.

وقال لـ”الاقتصادية” الدكتور ماك ستورجون أستاذ نظم التحليل الاقتصادي في جامعة نيوكاسل، “رغم التحديات التي ستواجه شركات التكنولوجيا هذا العام، وأبرزها الجهود الحكومية لتحجيمها، في ظل تنامي نفوذها وقدرتها المالية خلال العام الماضي، إلا أن تلك الشركات ستواصل النمو سواء بزيادة عدد العاملين فيها أو تحقيق مزيد من الأرباح أو ارتفاع قيمة السهم خلال هذا العام”.

ويضيف، ” قبل جائحة كورونا كان التحول إلى الاقتصاد الرقمي في الأغلب منصبا على القطاع الخاص، وكان القطاع العام أو الحكومي متمسكا بالأعمال الورقية التقليدية، لكن مع ظهور وباء كورونا واتساع نطاقه ليصيب جميع دول العالم تقريبا، شهدنا تحولا إلى الاقتصاد الرقمي في القطاعات ذات التقنية المنخفضة تقليديا، والأهم في القطاع الحكومي، حيث يمكن أن نرصد بسهولة دفعة عالمية لرقمنة السجلات الحكومية والعمل من المنزل، فمثلا القطاعات الإدارية في عديد من المؤسسات الحكومية باتت تدار من المنزل، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل تفشي الوباء”.

ويخلص الدكتور ماك ستورجون إلى القول “بعض الوظائف مثل التفتيش على جودة السلع والمنتجات لا يمكن أن تمارس من المنزل على الأقل في الوقت الراهن، وهذا يعني أنه لن يتم دمجها في الاقتصاد الرقمي في الوقت الحالي، لكن بالتأكيد عديد من أنشطة القطاع العام والحكومي ستعتمد على التكنولوجيا هذا العام والأعوام المقبلة”.

والمستفيد الأكبر من تلك التطورات هي شركات التكنولوجيا حيث يمكنها تقديم خدمات واسعة لأداء الأعمال، وإذا أخذ في الحسبان ضخامة العقود التي تقدمها الحكومات والقطاع العام في مجالات كالتعليم، الصحة، والخدمات العامة وطبيعة العقود فيها التي تمتد لأعوام، فإن شركات التكنولوجيا قد بات لديها الآن إمكانية نادرة وقوية للغاية للنمو في الأعوام المقبلة نتيجة دمج القطاع العام في الاقتصاد الرقمي.

هل نحن أمام عام وردي لشركات التكنولوجيا العالمية؟ يصعب قول ذلك بشكل مطلق، فهناك عديد من التحديات قد تعيق اندفاعها دون أن توقفه. فهناك اتهامات للعديد من تلك الشركات بتبني سياسات احتكارية للقضاء على منافسيها، وتلك الاتهامات تمتد إلى دول في الأغلب لا تتردد في محاباة شركاتها الوطنية العملاقة لتعزيز موقعها في الاقتصاد الدولي مثل الولايات المتحدة والصين.

وسواء تعلق الأمر بشركات التكنولوجيا الأمريكية أو حتى الصينية فإن حكومتي البلدين أصبح ينتابهما شعور بعدم الارتياح للقوة المتنامية لشركات التكنولوجيا الوطنية، وأخيرا أطلقت الصين تحقيقا لمكافحة الاحتكار المزعوم من قبل شركة “علي بابا” عملاق التسوق عبر الإنترنت، والمتهمة بتبني سياسة “اختيار واحد من اثنين” عبر إجبار التجار على توقيع اتفاقيات تمنعهم من بيع منتجاتهم على منصات منافسة، ومع إعلان السلطات الصينية التحقيق مع شركة “علي بابا” تراجع قيمة سهم الشركة في البورصة، وسط أنباء عن اختفاء مؤسسها “جاك ما”.

الصين ليست حالة فريدة في هذا السياق، وإنما امتد الأمر إلى الولايات المتحدة حيث أقامت لجنة مكافحة الاحتكار في الكونجرس الأمريكي في منتصف العام الماضي جلسات استماع لعمالقة التكنولوجيا الأمريكية الأربعة “أمازون، آبل، فيسبوك، وجوجل” حول المنافسة الخانقة التي يقومون بها ضد منافسيهم، بما يمكنهم من جني أرباح مرتفعة عبر وسائل غير تنافسية.

وفي هذا السياق ذكر الخبير القانوني أوليفر تشارلي “لم يكن عام 2020 سوى البداية بشأن جهود الحكومات للتصدي لم تعده قوة هيمنة احتكارية متزايدة من قبل شركات التكنولوجيا، وهذا الاتجاه سيزداد هذا العام، وسنشهد أطرا تنظيمية جديدة للحد مما تعده الحكومات منافسة غير مقيدة لشركات التكنولوجيا العملاقة”.

ويعد أوليفر تشارلي أن ذلك سيترك انعكاسا على شركات التكنولوجيا التي سيكون عليها العمل وسط مناخ قانوني غير ودي، وسيتطلب منها ذلك أن تكون أكثر حذرا في سلوكها الاستثماري، كما أن القوانين التي ستصدر هذا العام للحد من احتكار شركات التكنولوجيا ستسهم في ردع بعض الجهود الاندماجية أو رغبات الاستحواذ من قبل تلك الشركات وهذا بالطبع – من وجهة نظره – لن ينفي عن تلك الشركات مواصلة جهودها الابتكارية بحسبانها الضمانة الأساسية لنموها وتحقيق مزيد من الأرباح.

البعض يرى أن تلك المواقف التشريعية التي تمثل تحديا للشركات التكنولوجية، ما هي إلا رد فعل طبيعي “لإفراطها في النجاح”، فبعض التقديرات تشير إلى أن الأسهم في قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة ارتفعت خلال العام الماضي 42 في المائة، ما يتطلب بشكل أو آخر من المؤسسات التنظيمية محاولة كبح جماح هذا الاتجاه تحسبا لإيجاد فقاعة اقتصادية يمكن أن تقود الاقتصاد العالمي إذا ما انفجرت إلى أزمة تعيد للأذهان كارثة انهيار شركات التكنولوجيا عام 2000.

من المرجح أن يتبنى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن نهجا أكثر صرامة مع القوة المتزايدة لشركات التكنولوجيا العملاقة مقارنة على الأقل بالرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، فخلال مؤتمر ميونخ السنوي للأمن، الذي يشارك فيه عادة رؤساء ورؤساء وزراء وسياسيون لمناقشة قضايا الصراع في الشرق الأوسط أو مستقبل الاتحاد الأوروبي أو العلاقات الأمريكية الصينية، تمت إضافة المديرين التنفيذيين لشركات ألفابت، فيسبوك، ومايكروسوفت إلى قائمة المتحدثين، وفي أعقاب المؤتمر توجه مارك زوكريبيرج رئيس “فيسبوك” إلى بروكسل لإجراء مباحثات مع مفوضي الاتحاد الأوروبي حول حزمة من المبادرات التنظيمية بشأن الذكاء الاصطناعي والبيانات والخدمات الرقمية، إلا أن مفوض الاتحاد الأوروبي ذكر رئيس شركة فيسبوك بأنه يجب على الشركة تتبع لوائح الاتحاد الأوروبي وليس العكس.

والجهود الدولية للحد من القوة الاحتكارية لشركات التكنولوجيا، لن يؤتي ثمارها بين ليلة وضحاها، وإنما يمكن اعتبار عام 2021 خطوة على هذا الطريق.

التحدي الآخر الذي قد يعيق نسبيا من قدرة شركات التكنولوجيا العالمية هذا العام وتحديدا الأمريكية، هو ما تصفه بعض الأدبيات الاقتصادية بسعي الاتحاد الأوروبي إلى نيل استقلاله التكنولوجي خاصة عن الولايات المتحدة.

ويرى الباحث في الاقتصاد الأوروبي أرثر ونستون أن الاتحاد الأوروبي بدأ منذ أعوام في بلورة خطة استراتيجية لتخفيف الاعتماد على شركات التكنولوجيا الرقمية الأجنبية، تطبيق ما يعرف بنظام الضرائب الرقمية على عمالقة شركات التكنولوجيا وتحديدا الأمريكية.

ويقول “الاقتصادية”، إن “أحد الأسباب الرئيسة لطرح الأوروبيين تلك الخطة يعود إلى العدائية التي أظهرها الرئيس ترمب في مجال التجارة مع الأوروبيين، ومن ثم سعى الأوروبيين إلى تهديد واشنطن بفرض مزيد من الضرائب على شركات التكنولوجيا الأمريكية، لكن الخطة تطول أيضا شركات غير أمريكية مثل “سامسونج” من كوريا الجنوبية”.

ويعتقد أرثر ونستون أن الأوروبيين سيواصلون العمل لنيل استقلالهم التكنولوجي وتطويره، لكن مع تغيير سيد البيت الأبيض ووصول رئيس أكثر تفهما لقواعد التعاون بين الطرفين فإن الأوروبيين لن يسرعوا من نيل استقلالهم التكنولوجي، لكنهم لن يتخلوا عنه، ما يضع ضغوطا على شركات التكنولوجيا العالمية العملاقة على الأمد الطويل

المصدر الشرق الأوسط

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى