الاقتصادشريط الاخبار

جهات الإصدار الخليجية تستبق ارتفاعات الفائدة بتسريع وتيرة إصداراتها في الربع الأول

علمت من مصادر مصرفية أن جهات الإصدار الخليجية باتت تستبق ارتفاعات مراجع الفائدة التسعيرية المتوقعة خلال الأيام المقبلة، بتسريع وتيرة إصداراتها في الربع الأول من هذا العام.
وأظهر رصد وحدة التقارير في صحيفة “الاقتصادية”، أن “المراجع التسعيرية” لأدوات الدين الدولارية هبطت بين 50.5 في المائة و78 في المائة في 2020 قبل أن تعاود ارتدادها السريع مطلع العام الجديد.
ووفقا لمسح بالشراكة مع منصة “بوند إي فاليو” المالية الخاصة بتتبع أسعار أدوات الدخل الثابت، ارتفعت وتيرة الإصدارات الخليجية بأكثر من 30 في المائة على أساس سنوي بنهاية الأسبوع الثامن من 2021، حيث بلغ إجمالي تلك الإصدارات (من سندات وصكوك) 22.59 مليار دولار، مقارنة بـ17.34 مليار دولار عن الفترة نفسها من العام الماضي.
ودفعت الارتفاعات السريعة لمراجع الفائدة المرتبطة بتسعير أدوات الدين في الأسابيع الماضية البنوك الاستثمارية، لحث عملائها من جهات الإصدار لاستغلال الظروف الائتمانية المواتية قبل أن تتغير ظروف السوق.
ومع هذا تشير نتيجة مسح أجرته “الاقتصادية” بالشراكة مع منصة “ماكرو بوند” السويدية، المتخصصة بستعراض بيانات الاقتصاد الكلي، إلى أن عوائد سندات الخزانة الأمريكية لآجال خمسة وعشرة أعوام مع نظيرتها من عقود المبادلة لا تزال عند أدنى مستوياتها التاريخية منذ أكثر من عشرة أعوام، وتعتمد الجهات السيادية والشركات الخليجية على تلك المراجع في التسعير النهائي وتحديد تكلفة التمويل المناسبة.
ولا تزال تكلفة التمويل في الأسواق الناشئة تقع في “المنطقة المقبولة” لطرفي المعادلة، وهما المستثمرون، الذين يرون أن عوائد الإصدارات الجديدة لا تزال جذابة، وجهات الإصدار، التي ترى أن العوائد لا تزال منخفضة.
وعاد أكبر بنك في دولة الإمارات العربية المتحدة أخيرا لأسواق السندات للمرة الخامسة خلال أقل من شهرين، حيث طرح بنك أبو ظبي الأول سندات مقومة باليورو، وذلك بعد طرحه أدوات دين بعملات مختلفة بحسب ما نقلته منصة “ريد” REDD، المتخصصة بالتحليلات المتعمقة عن أدوات الدخل الثابت في الأسواق الناشئة.

الرابط الخليجي مع سندات الخزانة
وتظهر تلك التطورات في أسواق الدين الخليجية إثر علاقة ربط العملات بالدولار، الذي يقود لتفضيل جهات الإصدار لهذه العملة، التي تحتضن أضخم وأعمق أسواق الدخل الثابتة في العالم، وكيف تؤثر الأحداث الاقتصادية في الأراضي الأمريكية، التي تنعكس على عوائد سندات الخزانة، على الجوانب التسعيرية للمصدرين الخليجيين.
وتؤدي الضغوط البيعية أوائل هذا العام على سندات الخزانة إلى ارتفاع العائد، ويعود ذلك لعدة أسباب، أهمها أن المستثمرين يتوقعون أن خطة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” التحفيزية (عبارة عن حزمة حوافز اقتصادية جديدة) ستعزز نمو الاقتصاد الأمريكي، وستؤدي في النهاية إلى ارتفاع مستويات التضخم.
وإضافة إلى ذلك يتراجع معدل انتشار فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة، الأمر الذي يقلل جاذبية الملاذات الاستثمارية الآمنة مثل سندات الخزانة والذهب، وذلك مع استمرار دول العالم في منح اللقاحات المضادة لفيروس كورونا لمواطنيها.
إلى ذلك، ترى ذراع الأبحاث لمجموعة بنك أي إن جي الهولندية أنه من المتوقع أن يتصاعد عائد السندات العشرية للخزانة الأمريكية إلى نحو 1.50 في المائة، وذلك بالربع الثاني من 2021.
وسبق لكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز محمد العريان، أن أوضح أن ارتفاع عوائد الخزانة يعد من بين المخاطر، التي تهدد استمرار ارتفاع أسواق الأسهم العالمية.
وتطرق “العريان” خلال مقابلة مع “ياهو فاينانس” إلى الارتفاعات الأخيرة في عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مشددا بأنه “إذا كنا سنشهد تحركا آخر بمقدار 40 نقطة أساس لعوائد السندات، فإن ذلك سيكون بمنزلة خبر سلبي للأسهم، الفكرة وراء صعود الأسواق كانت تتمثل في عدم وجود بديل، لكن في حال ارتفاع عوائد السندات أكثر من ذلك، فإن هذا البديل قد يتوافر.

تقييم الأداء للمراجع التسعيرية
وكشف رصد وحدة التقارير الاقتصادية حدوث تغير ملحوظ بأسعار أهم مؤشرين قياسيين يتم الاستعانة بهما من قبل المصدرين الخليجيين، وذلك بنهاية العام الماضي.
وجاء ذلك بعد حدوث تغيرات اقتصادية على الساحة الأمريكية، جعلت مراجع الفائدة للسندات تعاكس موجة هبوطها، التي سجلتها بالعام الماضي.
وفي الوقت، الذي تستعين الشركات فيه بمؤشر “متوسط عقود المبادلة” mid-swap مع الإصدارات الدولارية، تقوم بعض جهات الإصدار السيادية باللجوء إلى مؤشر “عوائد سندات الخزانة” الأمريكية، وذلك وفقا لأجل الاستحقاق الذي يتم اختياره مع كل إصدار.
وسجل مؤشر “عوائد سندات الخزانة” الأمريكية تراجعات بمقدار 78 في المائة على السندات الخمسية وتراجعات بمقدار 50.5 في المائة على السندات العشرية بنهاية ديسمبر، وذلك، مقارنة بمستوياتها إبان بداية 2020.
والأمر نفسه انطبق على الآجال المتوسطة الخاصة بمؤشرات “متوسط عقود المبادلة”، الذي سجل تراجعات بمقدار 75 في المائة على الآجال الخمسية وتراجعات بمقدار 51 في المائة على الآجال العشرية عن الفترة نفسها، حيث يستعين معظم المصدرين الخليجيين بآجال الاستحقاق ذات خمسة أو عشرة أعوام.
واستندت تحليلات وحدة التقارير حول تقصي أسعار مراجع التسعير الدولارية على عدة مصادر، وهي منصة “سي بوندز”، التي يستعين العاملون في أسواق الدخل الثابت بمنصتها من أجل تتبع حركة مؤشرات أسواق الائتمان العالمية، وكذلك منصة bondevalue، التي تقدم للمستثمرين ميزة الكشف عن عروض البيع والشراء للسندات، التي في محافظهم من أجل التحكم في القرار الاستثماري الخاص بالورقة المالية.
أما بخصوص البيانات التاريخية لحركة مراجع التسعير فتم التعاون مع منصة Macrobond التي لديها برمجيات خاصة تمكنت على أثرها بتكوين أكبر قاعدة بيانات اقتصادية، مدعومة بأدوات تحليلية تساعد الباحثين على ربط تلك البيانات مع بعضها بعضا وتكوين صورة شاملة عن الاقتصاد الكلي.

أهمية مؤشرات القياس
ويتم تسعيرمعظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية، حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية.
وعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هو هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار، وثانيهما هو معدلات مؤشر القياس، وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام (أي “هوامش الائتمان” مع “مؤشر القياس”) يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـyield، وذلك عندما يغلق الإصدار، مع العلم أن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة، وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.

استمرارية الأعمال
ومن أجل تيسير عمل المتداولين بالشركات الاستثمارية وإدارة الأصول والمصارف خلال الجائحة، قامت تلك الشركات بتركيب شاشات التداول الضخمة بمساكن موظفيها من أجل إعادة إيجاد بما يسمى بـ “قاعة التداولات”.
وقبل أن تتفاقم تبعات الجائحة كانت معظم البنوك الخليجية الكبرى مستعدة لتطبيق ما يعرف بسياسة “استمرارية الأعمال”، التي يتم اللجوء لها في الحالات والظروف الطارئة، حيث لم تتأثر منهجية العمل كثيرا بعدما تم الطلب من موظفي تلك المؤسسات تعليق العمل وتطبيق إجراءات العمل عن بعد، باستثناء الوظائف الحرجة.
والقطاع المالي الآسيوي كان من أوائل المناطق الجغرافية، الذي نجح في التعامل مع ظروف العمل عن بعد، حيث نجح العاملون في تلك الشركات الآسيوية (ومن خلف الأبواب المغلقة لمنازلهم) من اكتشاف آلية عمل مناسبة تحافظ على استمرارية العمل خلال هذا العالم الافتراضي عبر الاستعانة بمحادثات الفيديو والمكالمات الهاتفية، لتكون بديلا مثاليا عن اجتماعات المستثمرين، التي كانت ستتم عبر الجولات الترويجية في المدن الآسيوية.
ويكثر الجدل بين المصرفيين في إذا ما كانت الجائحة قد جعلت بعض التقاليد (كرحلات السفر الخاصة بالأعمال والجولات الترويجية الخاصة بصفقات السندات) شيئا من الماضي واستبدلتها بتطبيقات المكالمات المرئية، التي تختصر الوقت المعتاد تخصيصه للمستثمرين، مقارنة بالاجتماعات وجها لوجه.
ومنذ العام الماضي، تجنبت جهات الإصدار الخليجية عقد جولات ترويجية للالتقاء بالمستثمرين بين عواصم المال العالمية واستبدلتها بالاجتماعات الافتراضية.

التعامل مع الواقع الجديد
والسيولة الذكية لشركات إدارة الأصول حققت مكاسب استثنائية بعد اقتناص أدوات دين ذات جودة عالية بثمن بخس خلال قاع مارس بالعام الماضي.
ويلجأ مستثمرون مؤسسيون لخيار اختبارات ضغط التدفقات المالية لأدوات الدين الخاصة بشركات الأسواق الناشئة في ظل انعدام الرؤية حول انتهاء الوباء وظهور السلالة المتحورة، وأصبحت تلك الاختبارات بمنزلة البلورة السحرية لمعرفة وتمييز جهات الإصدار، التي ستنجو من الوباء.
وتجري تلك الاختبارات بهدف التعرف على قدرة الشركة على تحمل الخسائر المستقبلية التي يمكن أن تتعرض لها في ظل سيناريوهات محددة حول الأوضاع الاقتصادية في المستقبل.
وإجراءات احتواء الجائحة وإغلاق الاقتصاديات أدت في الفترة الماضية إلى زيادة كبيرة في مشكلات السيولة أو حتى تعثر في السداد بين المؤسسات غير المالية في الأسواق الناشئة.
في حين عانت المؤسسات المالية التباطؤ في تحصيل الأقساط مع محاولة الشركات تأجيل المدفوعات، في حين أقدمت بعض الشركات إلى تبني إجراءات احترازية للمحافظة على مستوى السيولة النقدية لمواجهة مخاطر عدم تدفق السيولة.
وتحاول البنوك المرتبة لإصدارات أدوات الدين في الوقت الحالي إعطاء الأولوية للشركات التي تعمل في قطاعات لم تتأثر من الجائحة (كالاتصالات والأغذية وشركات الأدوية)، التي تزداد معها نسبة نجاح الإصدار.

قطاع ينمو
وتمر أسواق الدين الخليجية بفترة نمو ملحوظة في أنشطتها، وذلك بعد انضمامها في 2019 لأهم مؤشرات السندات في الأسواق الناشئة، الأمر الذي جعل صحيفة “الوول ستريت جورنال” تشبه ما يجري في أسواق الدخل الثابت الخليجية “بطفرة” الإصدارات السيادية، وذلك خلال تغطيتها لأنشطة بنوك الولايات المتحدة الأمريكية مع جهات الإصدار الشرق أوسطية.
وجنت السيولة الذكية للمستثمرين المؤسسيين ثمار الفرص الاستثمارية، التي تولدت من جراء الاضطرابات السوقية أوائل العام الماضي، التي بدورها أوجدت “اختلالات تسعيرية” للقيمة العادلة لأدوات دين المنطقة الخليجية.
وحققت تلك الأدوات أداء متميزا لمن احتفظ بها خلال تلك الفترة، وذلك على الرغم من التوترات الجيوسياسية وانخفاض أسعار النفط، حيث يراهن مستثمرو السندات أن اقتصاديات المنطقة سيكون أداؤها أفضل (هذا العام)، مقارنة بالأعوام الماضية.
وتاريخيا، دائما ما عانت أدوات الدخل الثابت عدم حصولها على التقدير اللازم “كأصول متميزة عن غيرها من الأسواق الصاعدة”. ونتج من ذلك عدم وجود نوعية الأصول تلك في معظم محافظ شركات إدارة الأصول المتخصصة بالاستثمار في الأسواق الناشئة.
إلا أن الأمر برمته بدأ بالتغير تدريجيا عندما شرعت مؤشرات “جي بي مورجان” بإضافة الديون الخليجية إلى مؤشراتها الرئيسة (وذلك بشكل تدريجي على مدى تسعة أشهر) التي تتبع أداءها الصناديق المتخصصة بأدوات الدخل الثابت، وبذلك تصبح الديون السيادية للمملكة جزءا لا يتجزأ من محافظ شركات إدارة الأصول العالمية، سواء الخاملة منها أو النشطة.

القروض مقابل أدوات الدين
ولطالما شكلت مسألة تفضيل الاقتراض عبر “القروض المصرفية” أو عن طريق طرق باب “أسواق الدين” جدلا بين مديري الخزانة (بالشركات السعودية والخليجية)، حيث إن الخيار الأفضل يعتمد على ظروف السوق، فمثلا اللجوء لأدوات الدين في الوقت الحالي يمنح المصدرين السعوديين والخليجيين ميزة تسعيرية منخفضة التكلفة.
وكذلك يمنحهم أفضلية إطالة آجال الاستحقاقات لتصل إلى أكثر من عشرة أعوام، مقارنة بالقروض المجمعة التي تصل معظم آجالها بالسعودية إلى عام واحد أو عامين أو بالكثير خمسة إلى ثلاثة أعوام في حال كان القرض المجمع مقوما بالعملة الدولارية.
ويعود سبب عدم قدرة معظم البنوك تقديم قروض بآجال استحقاق أطول إلى القيود التنظيمية التي فرضتها المعايير الدولية للمحاسبة والمراجعة IFRS، ولا سيما من المعيار التاسع الذي يتطرق للمعالجة المحاسبية الخاصة بالقروض وكيفية التطرق للمخاطر الناجمة منها.

توسيع خيارات التمويل
وعندما تتطرق شركة ما، باب أسواق الدين، فهذا يعني أن هذه الشركة قد بلغت مرحلة مهمة من النضج والتطور، لأنها وسعت من خيارات التمويل لديها، وبذلك تتجاوز مرحلة اعتمادها الكلي على القروض المصرفية.
وتاريخيا، لا توجد قنوات تمويلية متنوعة للشركات السعودية، نظرا لاعتمادها على القروض المصرفية، وكذلك سوق الأسهم.
وبحسب وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي، شكلت أدوات الدين ما مقداره 18 في المائة من العمليات التمويلية للشركات السعودية في 2016 والنسبة الباقية توزعت على القروض المصرفية والأسهم، في حين تشكل أدوات الدين ما نسبته 75 في المائة من العمليات التمويلية للشركات بالأسواق الناشئة.
وبحسب وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي، ازدادت نسبة الشركات السعودية، التي تعتمد على القروض المصرفية، مقارنة بأدوات الدين. ونظرا لسهولة الحصول عليها وضعف ثقافة تنويع مصادر التمويل، استحوذت القروض المصرفية على 78 في المائة من خيارات الحصول على التمويل في 2017 مقارنة بـ75 في المائة في 2016.
ويأتي ذلك في ظل محاولة الجهات التنظيمية تشجيع شركات القطاع الخاص، من أجل تنويع مصادر التمويل والاعتماد على مصادر أخرى كأدوات الدين، التي حافظت على حصتها نفسها خلال الفترة نفسها وهي 18 في المائة.

 

 

المصدر:الاقتصادية

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى