حصريات الحدث

اللغة الأم .. يوم عالمي #لحماية_اللسان_والإنسان.

اللغة الأم .. يوم عالمي #لحماية_اللسان_والإنسان

 

وافقت منظمة اليونيسكو في مؤتمرها لعام 1999 على تخليد “اليوم العالمي للغة الأم”، استجابة لطلب تقدمت به دولة بنجلادش، واختارت يوم 21 شباط (فبراير) موعدا سنويا لتخليد هذا الحدث، وذلك انطلاقا من قناعة المنظمة “بأهمية التنوع الثقافي واللغوي لبناء مجتمعات مستدامة”، وحرصها الشديد على “الحفاظ على الاختلافات في الثقافات واللغات، بغية تعزيز التسامح واحترام الآخرين”. وخصت هذا اليوم منذ عام 2002 بجائزة تمنح للباحثين واللغويين ونشطاء المجتمع المدني، تقديرا لأعمالهم في مجال التنوع اللغوي والتعليم المتعدد اللغات.

دخلت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورها على الخط، في 16 أيار (مايو) 2007، بقرار تدعو فيه الدول الأعضاء إلى العناية بجميع اللغات التي تستخدمها شعوب العالم، وحمايتها والمحافظة عليها. وتعلن، في القرار ذاته، اعتبار عام 2008، عاما دوليا للغات، لتعزيز الوحدة في إطار التنوع، وتعزيز التفاهم الدولي مع تعدد اللغات والتعدد الثقافي. قبل أن يتحول الأمر إلى عقد بأكمله مع مطلع العام المقبل، حيث سنكون مع عقد الأمم المتحدة الدولي للغات الشعوب الأصلية “2022-2032″، الذي يضع التعددية اللغوية في صميم تنمية الشعوب الأصلية.

يعود أصل الحكاية واختيار هذا التاريخ إلى عام 1952 حين أطلقت شرطة بنجلادش، في العاصمة دكا، النار على تلاميذ خرجوا في مظاهرة مطالبين بالاعتراف بلغتهم الأم البنغالية لغة رسمية في باكستان، بشطريها الشرقي والغربي. وذلك ضمن ما سيعرف لاحقا بعد قيام دولة بنجلادش “باكستان الشرقية”، بانتفاضة “الحركة اللغوية البنغالية”، احتجاجا على فرض مؤسس الجمهورية الإسلامية “الأوردية” لغة وطنية وحيدة، على الأراضي الباكستانية، باعتبارها اللغة الجامعة لأغلب العرقيات في باكستان.

عمت الاحتجاجات سائر الأقاليم البنغالية، وأودى رصاص الشرطة بحياة خمسة طلاب، ما اضطر الحكومة المركزية بعدها إلى الاعتراف باللغة البنغالية لغة متداولة، على قدم المساواة مع اللغة الأوردية. وهكذا تحولت قصة “يوم الشهيد” الذي يعد عطلة وطنية في بنجلادش، إلى يوم دولي يحتفى به، لحماية التنوع اللغوي الذي يتعرض بشكل متزايد للتهديد، مع ازدياد الاندثار المستمر اللغات. فحسب تقارير منظمة اليونيسكو، لا يتلقى 40 في المائة من السكان حول العالم التعليم باللغة التي يتحدثونها أو يفهمونها.

يصل عدد العائلات اللغوية المعروفة في العالم إلى 152، تنحدر منها في الوقت الراهن 7097 لغة، وفق أحدث إحصاء للخبراء في شؤون اللغات الأقل شهرة. وبحسب هؤلاء دائما، تنقرض لغة واحدة كل أسبوعين تقريبا، وانقراض اللغة يكون بموت آخر من يتحدثها، لكون معظمها بلا قاموس ولا نص من أي نوع. عن هذا الأمر يعلق أحدهم بقوله “عندما نفقد لغة، نخسر قرونا من التفكير البشري عن الزمن والمخلوقات البحرية والزهور الصالحة للأكل، والرياضيات والأساطير والموسيقى”.

العودة إلى أرقام منظمة اليونيسكو تفيد بأن هناك أكثر من 50 في المائة من اللغات المحكية في العالم، التي تفوق سبعة آلاف لغة، معرضة للاندثار في غضون بضعة أجيال. ويعزى ذلك إلى كون 96 في المائة من هذه اللغات لا يتكلم بها سوى 4 في المائة من سكان العالم. فعلي سبيل المثال، يبلغ عدد اللغات الفردية المدرجة في الصين 299 لغة، جميعها لغات حية، من بينها 275 تعود إلى السكان الأصليين، منها 32 لغة على وشك الانقراض. أما في الهند، فالعدد يصل إلى 462 لغة، من بينها 448 لغة حية، فيها 14 لغة منقرضة، وحاليا 13 لغة على وشك الانقراض.

لا بد من التنبيه هنا إلى الفارق الكبير بين “اللغة الأم” مدار الاحتفاء، و”لغة الأقلية” التي تعني تلك التي تستخدمها مجموعة سكانية تقيم في دولة ما، لكنها لا تنتمي إلى أكثريتها الديموغرافية واللغوية. استنادا إلى هذا التصنيف، تمت نسبة مرتفعة من “اللغات الأقلية”، ضمن إجمالي عدد اللغات المحكية على نطاق 196 دولة ذات سيادة في العالم.

بناء عليه، يمكن أن تكون “اللغة الأم” لغة مضطهدة، على نحو رسمي مباشر أو شعبي وجماهيري غير مباشر، ولك أمثلة على هذا أينما تولي وجهك في العالم، فلغة التاميل لسان حال 80 مليونا في ولاية تاملنادو جنوب الهند وشمال شرق سريلانكا، واللغة الأمازيغية تبقى لسان التخاطب اليوم للسكان الأصليين في دول شمال إفريقيا “المغرب والجزائر وليبيا ومناطق في تونس ومصر”، وقبائل الطوارق في الصحراء الكبرى، والأفريكانية لغة جرمانية سائدة بين عدة دول في جنوب القارة الإفريقية “ناميبيا وجنوب إفريقيا وبوتسوانا وليسوتو وزامبيا وزيمبابوي…”.

علاوة على الغبن اللغوي الذي تتعرض له لغات وطنية في دول مجاورة، على غرار ما يحدث للغة الألبانية والبلغارية في اليونان، واللغة الألمانية في فرنسا، واللسان المقدوني في كل من اليونان وبلغاريا، واللغة البولندية في ليتوانيا، واللغة الرومانية في صربيا، واللغة الروسية في كل من إستونيا ولاتفيا… دون إغفال ما تلقاه لغات ولهجات محلية في هولندا وإسبانيا وبلجيكا وويلز والدنمارك، والسكوتلاندية والساردينية والماورية في نيوزيلندا…

يذكر أن عددا من دول القارة العجوز أقدمت، حماية للغات شعوبها من الاندثار، على تخويل الناطقين بتلك اللغات حق تعليم أبنائهم باللغة الأم، مثل اللغة الأيرلندية في جمهورية أيرلندا، والكتالونية والباسكية في الإقليمين المستقلين في المملكة الإسبانية، واللغة الكورسيكية التي كانت مرتبطة باللغة الفرنسية.

من المؤكد أن اللغات، ولا سيما لغات الشعوب الأصيلة، تسهم في نقل الثقافات والقيم والمعارف التقليدية، فاللغة إحدى أقوى الأدوات التي تحفظ وتطور التراث الإنساني، المادي واللا مادي، ما يعني بالضرورة تشجيعا على الاندماج والتلاحق والتسامح والتضامن والتفاهم والوفاء لكل القيم الإنسانية النبيلة.

بهذا تتعدى اللغة الأم نطاق يوم دولي للاحتفال بها وفقط، لتصبح مسؤولية كل فرد في المجتمع للحفاظ على لغته، والحرص على تداولها حتى يضمن انتقالها إلى الأجيال القادمة، فهي كنز ثمين من كنوز الأجداد، فمن لا لغة له لا هوية ولا تاريخ له.

المصدر الاقتصادية

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى