عبدالعزيز المعمر.. أيّةُ سيرة!!
عبدالعزيز المعمر.. أيّةُ سيرة!!
الاعلامي وكاتب صحافي: عبدالعزيز قاسم.
* جمعتني –قبل أشهر– مناسبة مع الصديق بندر عبدالرحمن المعمر، رجل الأعمال فيمدينتي الأحبِّ الطائف، وقلتُ له: إنني أعمل من فترة على كتاب يُوثّق هجرة البخاريينالقدامى للسعودية، وقد ذكر غير واحدٍ من أولئك الطاعنين في السنِّ جدَّك (عبدالعزيز بنفهد المعمر)، وذكروا –بكل الامتنان والحب– نتفًا من تواضعه وعدله وتباسطه معه.
* ذكروا لي أنه –رحمه الله– كان يأتي بعض مناسباتهم لقربه من أهالي مدينة الطائف،وكالوا له الثناء العميم.
بالطبع سُرّ الصديق بندر المعمر من حديثي هذا، وأكرمني بكتابٍ طبعه نادي الطائفالأدبي بعنوان: “عبدالعزيز بن فهد بن معمر.. ودوره في خدمة الدولة السعودية” لمؤلفه: “عبدالله الدهاسي“.
* للأسف تتابعت رحلاتي الداخلية التي لم تُتح لي أن أستغرق في قراءة الكتاب، إلا فيهدأة هذا الصباح الساحر في عروس المصائف، واستمتعت أيّما استمتاع به، وحمدتللمؤلف “الدهاسي” أنه تناول سيرة أحد أبرز أمراء الطائف عبر رسالة ماجستير قدمهالجامعة أم القرى، فبات الكتاب مرجعًا علميًا معتمدًا.
* بالتأكيد أنّ كثيرين من الأجيال الجديدة ربما لم يسمعوا به، ولكن الاعجاب به تملّكنيلأبعد حدّ وأنا أغوص في تأريخ الرجل، فهذا الأمير الذي يُعتبر أطول من مكث في إمارةالطائف (حوالي ثلاثين عامًا)؛ كان ممن حضر دخول مدينة حائل وهو بعمر 12 عامًا،ومات والده أمام عينيه أثناء حصارها، وشهد –يرحمه الله– معركة السبلة.
* عبدالعزيز المعمر كان مع الملك المؤسس –يرحمهما الله– في “أبرق الرغامة” أثناء حصارمدينة جدة، وكان له دورٌ في القضاء على فتنة ابن رفادة أثناء إمارته لمدينة ينبع. الرجلُتأريخٌ وطنيٌ كبير، واستمتعت بالكتاب أيّما استمتاع وأنا أقرأ في سيرته، وما أروعوأعظم تلك الدروس لمن يغوص –بتمعنٍ واستبصارٍ– في التأريخ!!
* مما استلفتني في سيرة المعمر، موقف الملك المؤسس العظيم تجاه رجالاته، فعندماتوفي والد عبدالعزيز المعمر في حصار حائل، وبعد أن افتتح المدينة، أمر مليكنا العظيم–يرحمه الله– بإلحاق الابن عبدالعزيز مع أبنائه، وتربى المعمر مع ابنيه الأميرين محمدوخالد يرحمها الله، وكان المعمر يحضر مجلس الملك عبدالعزيز ويستفيد كثيرًا من إدارتهللدولة.
* هذا الاهتمام من الملك المؤسس مع كل من خدم الدولة؛ توارثه ملوكنا العظام منه، فلاغرو ونحن نرى كيفية برّهم ووفائهم للمخلصين من رجالات الوطن، فما الذي ستتصوّرهلرجلٍ تربي على مدرسة عبدالعزيز آل سعود إلا أنه مستلهمٌ لسياسته وذكائه وتواضعهوقوته في الحق وعدله، تلك الخلال التي أشار لها من التقيتهم.
* توقفتُ –أثناء قراءتي في الكتاب– عند حديث المؤرخ والرحالة إبراهيم المازني، صاحبكتاب “رحلة إلى الحجاز“، وقد التقى الأمير عبدالعزيز بن معمر إبان إمارته لمدينة ينبع،ووصفه بقوله:
“وزرنا أمير ينبع، وهو شابٌ نجديٌ، جميلُ الطلعة، وسيمُ المحيّا، مقدودٌ قدَّ السيف، والدارعلى الطراز الشرقي القديم الذي كان مألوفًا في مصر“.
* يكمل المازني: “كان الأمير يلبس جلبابًا من السكروتة، فوقه معطفٌ من الكشمير، عليهعباءة حمراء، وعلى رأسه العقال الأسود، والمسدسُ مشدودٌ على وسطه، والسيف المذهّبالمقبض يتدلى من حمائله، ومن عاداتهم أن يجلس حرسه الخاص على جانبي الباب.. والسيوف والبنادق والمسدسات معلقة على الجدران“.
* أحرص كثيرًا على قراءة كتب أدب الرحلات، فهي تصف بدقة مناحي ووقائع الحياة فيكل الأمكنة التي زارها الرحالة، وتجعلنا نعيش تلكم الفترات الزمانية ونغوص داخلها،ولربما أفضل من كتب عن المعمر هو المؤرخ محمد كامل حته، صاحب كتاب “في ظلالالحرمين“، حيث التقاه إبان إمارته لمدينة الطائف.
* يقول حته: “إن هذا الرجل –المعمر– كان من أشد أعضاء الملك عبدالعزيز، والذي انتصرعلى مرضٍ ألمَّ به فأقعده، وأمسك لسانه، وعجز الطب في مصر والهند وأوروبا عنعلاجه، ولكنه انتصر على المرض بإرادة قوية وحيوية غلابة، فهو يباشر شؤون الإمارةكأقوى من الأصحاء“.
* يصف الرحالة المصري حته كيفية يوميات الأمير وحفاوته بضيوفه وتواضعه معهم،ويقول:
“على أرض الغرفة المفروشة بالأبسطة؛ صُفّت المائدة، وعليها عددٌ من الخراف وصحافٌ بهاالأرز، وكان الأمير يقتطع صغيرة من اللحم، ويضعها في الطبق الذي أمامي“.
طبعا فعله من الحفاوة والتقدير للضيف الذي يؤاكله، وهي عادة مستمرة ليومنا هذا.
* ويكمل حته: “وبعد أن فرغ الجميع من الطعام؛ انتقلوا لغرفة الجلوس؛ حيث دارتالقهوة العربية والشاي، وقام الأمير ناصر المعمر بقراءةِ كتابٍ للريحاني عن تاريخ نجدبصوتٍ عالٍ، والجميع يستمع ويعلق كتقليد أدبي وتاريخي، وراح الأمير عبدالعزيز يعلقعلى بعض مجريات الكتاب يتذكر بعض أحداثه“.
* أدعو كل محبٍّ للتأريخ وأحداثه لقراءة سيرة هذا الأمير الذي نقش اسمه بأحرف منذهب في تاريخ مدينة الطائف، وتمييز المكانة الكبيرة التي كانت له في نفوس أهلها،وتلك لعمرو الله لا تأتي إلا بمثل سيرة الأمير المتواضع والحازم والعادل. عبدالعزيز المعمراليوم عند ربه ولكن سيرته تضوع عطرًا بيننا.
* من القلب شكرا للصديق بندر المعمر الذي أكرمني بهذا الكتاب، وقد عشت تأريخًاوأحداثًا بين دفتيه، ولم أتركه حتى فرغت من قراءته.
رحم الله الأمير عبدالعزيز المعمر، وأسكنه جنته جرّاء هذه السيرة العطرة، والناس شهودُالله على خلقه، وأنا ناقلٌ لشهادة كبار السن من بخارية الطائف أولئك عن هذا الرجل الذيأفضى لما قدم، وقد كالوا له الدعاء والشكر والامتنان بكل الحب.
غرد بها :
1
جمعتني قبل أشهر مناسبة مع الصديق بندر عبدالرحمن المعمر، رجل الأعمال في مدينتي الأحب الطائف،وقلت له: إنني أعمل من فترة على كتاب يوثق هجرة البخاريين القدامى للسعودية، وقد ذكر غير واحد من أولئك الطاعنين في السن جدك (عبدالعزيز بن فهد المعمر)، وذكروا نتفا من تواضعه وعدله وتباسطه معه pic.twitter.com/o89btBcM1V— عبدالعزيز قاسم (@azizkasem) March 28, 2021