الدوليةشريط الاخبار

الجائحة تغير وجه الصناعة الفندقية العالمية .. السعودية تقود تغيرات أسواق الشرق الأوسط

من المؤكد أن قطاع الضيافة العالمي، بما يتضمنه من فنادق، مطاعم، كافيهات، صالات ألعاب رياضية، متنزهات، وحدائق وغيرها من الأفرع الجزئية التي تحتويها تلك الصناعة، قد أصيب بأضرار فادحة نتيجة جائحة كورونا، ليدخل قطاع الضيافة والترفيه ضمن مجموعة الصناعات التي منيت بخسائر جمة نتيجة انتشار الوباء، مثل صناعة الشحن، والسفر، والطيران وغيرها.
جاء الضرر في الجزء الكبير منه نتيجة سياسة الإغلاق التي اتبعتها معظم دول العالم للحد من تفشي الوباء وانتشاره.
في المقابل، عملت الأفرع المختلفة في صناعة الضيافة والترفيه على التحرك السريع للتخفيف من تأثير تلك الإجراءات فيها، حيث تم منح الموظفين إجازات، وخفض التكاليف عبر التحول إلى الإنترنت، إضافة إلى كثير من الإجراءات والتدابير الأخرى التي ابتغت خفض الخسائر إلى أقصى حد ممكن.
ومع تقلص سياسات الإغلاق في بعض الدول وزيادة معدلات التطعيم على المستوى الدولي، فإن الصناعة برمتها تستعد لفتح أبوابها مرة أخرى، لكنها تجد نفسها أمام متغيرات جديدة، واتجاهات صاعدة غير معهودة، وتغيرات جذرية في سلوك المستهلك، بما يدفعها إلى إعادة صياغة توجهاتها وترتيب أوراقها من جديد لتتأقلم مع المتغيرات المستجدة.
من جهته، يقول لـ”الاقتصادية” ميري إسحاق نائب المدير التنفيذي لشركة “ميرلين للضيافة”، عن الوضع المقبل في القطاع، “بعض الأنماط السلوكية التي سادت قبل كورونا تم تسريعها والبعض الآخر تباطأ أو توقف، حيث نشأت عادات وتوقعات جديدة، وتغيرت أنماط الإنفاق، وعليه سيكون فهم سلوكيات المستهلكين المتغيرة والاستجابة لها أمرا ضروريا لإنعاش قطاع الضيافة، فسنحتاج إلى إعادة التفاعل مع العملاء لبناء الثقة معهم من جديد، وسنحتاج أيضا إلى تحسين خفة الحركة التشغيلية، وتعزيز مرونتنا المالية في ظل حالة عدم اليقين التي ستسود عند استئناف الأنشطة التجارية بقوة وثبات”.
يحتل القطاع الفندقي مكانة مميزة في صناعة الضيافة والترفيه. ففي عام 2019 بلغ عدد الفنادق والمنتجعات على المستوى العالمي 700 ألف، بسعة فندقية تبلغ أربعة ملايين غرفة فندقية، وفي الوقت الذي قدر فيه عدد العاملين في القطاع الفندقي على مستوى العالم بنحو 173 مليون شخص، فمن المتوقع نمو إيرادات صناعة الفنادق العالمية لتصل إلى 284.7 مليار دولار هذا العام، بمقدار 83 مليار دولار أقل عن عام 2019، بينما لم تتجاوز إيرادات العام الماضي 198.6 مليار دولار بانخفاض هائل 46 في المائة عن عام 2019. وبحلول العام المقبل من المتوقع أن تنمو الإيرادات 20 في المائة لتصل إلى 342.6 مليار دولار، وفي عام 2023 يرجح أن تحقق الفنادق حول العالم إيرادات بقيمة 390 مليار دولار، لترتفع في عام 2025 إلى 456 مليار دولار.
بدوره، يقول لـ”الاقتصادية” سيمون بارك كبير الباحثين في مجموعة الأبحاث الدولية البريطانية “البحث والأسواق”، إن “القطاع الفندقي يمثل أحد الأعمدة المحورية في قطاع الضيافة والصناعات الترفيهية، ويصعب حاليا القول إن أداء القطاع الفندقي تحسن فهو في وضع متقلب نتيجة سياسات الإغلاق التي يتم رفعها، ثم إعادتها مرة أخرى في عديد من الدول الأوروبية، ويمكن القول إن القطاع سيشهد نموا ضعيفا حتى عام 2025”.
ويضيف، “لكن عندما يستعيد القطاع الفندقي زخم النمو المفقود حاليا، فإن منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستستعيد وضعها بحسبانها أكبر منطقة في سوق الفنادق العالمية، حيث استحوذت في ظل تفشي وباء كورونا على 37 في المائة من السوق يليها الولايات المتحدة 27 في المائة، بينما احتلت القارة الإفريقية ذيل القائمة”.
وفي هذا السياق، يشير سيمون بارك إلى أن سوق القطاع الفندقي في الشرق الأوسط ستشهد تغيرات بارزة من الآن وحتى عام 2023 نتيجة الخطط السعودية الراهنة لتعزيز قطاع السياحة في المملكة، حيث تؤكد عديد من الدراسات أن السعودية ستتجاوز الإمارات في عدد الغرف الفندقية بعد عامين من الآن، وستضمن لها مكانا بارزا في أكبر عشر أسواق للفنادق الفاخرة بإيرادات تقديرية تبلغ خمسة مليارات دولار أمريكي في عام 2023، إذ يأتي هذا الإنجاز السعودي على الرغم من أن أكبر خمس سلاسل فنادق في العالم قد خسرت 14 مليار دولار نتيجة الوباء.
بعض الباحثين يختلفون مع وجهة النظر أعلاه، بأن القطاع الفندقي سيستعيد نموه بحلول عام 2025، ويشيرون إلى أن ذلك سيحدث قبل ذلك، فزيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتغطية الإيجابية من وسائل الإعلام لقطاعي السياحة والفندقة، ومشاركة السياح لمعلومات سفرهم وصورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي، تمثل جميعها وسائل جذب ودعاية للقطاع غير مدفوعة الثمن وبما يعزز من نهوضه السريع مجددا.
بدورها، ترى آنا سكوت المستشارة الفنية لمجموعة سينتر بارسز الترفيهية، أن الوقت قد حان لتتعامل الصناعة بجدية أكثر من المفاهيم البيئية، وإذ كان الاهتمام بالبيئة قد سبق إلى حد ما تفشي وباء كورونا، فإن الصناعة الفندقية سيكون عليها مضاعفة الجهود في المرحلة المقبلة، للاهتمام بهذا الجانب لتمتلك زمام القدرة على جذب العملاء.
وتقول لـ”الاقتصادية” إن “اليوم يحتاج مديرو الفنادق والمطاعم توسيع وتغيير المفاهيم التقليدية لكيفية تعاملهم مع المستهلكين، خاصة من جيل الألفية على المستويات كافة، ولا بد من إعادة هندسة وتصميم المباني الفندقية لتكون أكثر ودا وصداقة مع البيئة. وصداقة البيئة لا تعني فقط زيادة المساحة الخضراء في البناء الفندقي، لكن في السلوك العام مثل تجنب الهدر في الموارد، والتخلي عن المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في المطاعم أو الغرف الفندقية لمصلحة المواد البلاستيكية دائمة الاستخدام، وتوفير الطاقة، وكيفية إدارة النفايات. كل تلك العوامل تساعد على إيجاد مناخ أقرب إلى نمط التفكير الذي سيسود بين المستهلكين في مرحلة ما بعد كورونا”.
وتضيف، “لكن هذا يجب أن يترافق ويتداخل مع الاستفادة القصوى من الابتكارات الحديثة، خاصة إنترنت الأشياء، فإدماج التكنولوجيا في المفاهيم البيئية ضمن الفندق الواحد يثير إعجاب الضيوف، لأنه يوفر مستوى عاليا من الراحة والكفاءة، مع شعور بالتميز والفخامة، وكما تدمج التكنولوجيا في المنزل فمن المؤكد أن الطلب عليها في الفنادق سيزيد”.
في هذا الإطار، تشير عديد من الدراسات إلى أن استخدام الروبوتات سيتزايد في الفنادق، لكن لا يوجد حتى الآن إجماع عام بأن الأمر محسوم في هذا الاتجاه، فبعض النزلاء قد لا يشعروا بالارتياح مع خدمة الروبوتات، بينما يعدها آخرون فرصة لتقليص الاحتكاك بالبشر. ومن المرجح أن تحتل الروبوتات مكانة أبرز في المساعدة في أتمتة إجراءات تسجيل الوصول والمغادرة وحمل الأمتعة أو لخدمة الغرف في حدود معينة.
باختصار ويوم بعد آخر سيستعيد قطاع الضيافة والترفيه عامة والقطاع الفندقي على وجه الخصوص مكانته التي فقدها نتيجة تفشي الوباء، وسواء تم الأمر سريعا أو تطلب عددا من الأعوام، فالمؤكد أن الوقت حان لتتغير فلسفة الإدارة الفندقية، ويتغير معها أساليب جذب العملاء، وإعادة الإدارات الفندقية النظر في السبل المتاحة للتأقلم مع الاحتياجات الجديدة للسوق وفقا للمتغيرات الناجمة عن جائحة كورونا.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى