التقنيه والتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يعلم الناس أن يكونوا أكثر إنسانية .. شيء مخيف

الذكاء الاصطناعي يعلم الناس أن يكونوا أكثر إنسانية .. شيء مخيف

التعاطف هو إحدى الصفات الإنسانية الثمينة التي لا نعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيحل محلها أبدا. يقال إن الوظائف التي تتطلب التعاطف لن تمس نسبيا من ظهور الآلات الذكية، وربما حتى ترتفع. لكن في قطاع مراكز الاتصال، قصة أكثر تعقيدا بدأت في الظهور.

شركات مثل كوجيتو Cogito تتعهد “بتقديم التعاطف على نطاق المؤسسة” باستخدام الذكاء الاصطناعي “لتدريب” العاملين في مركز الاتصال في الوقت الفعلي. تراقب كوجيتو الكلمات وصوت ونبرة مكالمات العملاء. إذا بدأ العميل في التعبير عن انزعاجه أو غضبه، ترسل “إشارة تعاطف” تذكر العامل بالتفكير في شعور العميل ومحاولة الإحساس به والتعامل معه بإنسانية. الغرض من ذلك هو “المساعدة في جعل الأفراد نسخا أفضل من أنفسهم”، كما توضح المواد التسويقية لشركة كوجيتو.

هل يمكن للآلة أن تعلم الإنسان حقا كيف يكون أكثر إنسانية؟ لقد تم ضبطنا بالفعل لمعرفة ما يشعر به الآخرون من أصغر الإشارات اللفظية وغير اللفظية. إنها إحدى قوانا الخارقة. يقول إيان جاكوبس، من شركة فورستر للأبحاث، إن هذا قد يكون صحيحا، لكن يجب أن تحاول ذلك مع سلسلة من الأشخاص الغاضبين ولساعات في كل مرة، مشددا على أن “إرهاق التعاطف أمر حقيقي”.

تقول كوجيتو إن العاملين في مراكز الاتصال، مثل مسعفي الجيش، يمكن أن “يصابوا بالإرهاق العاطفي والانعزال إلى الحد الذي يصعب معه التعرف على الإشارات الاجتماعية الأساسية في المحادثة”. يميل العاملون إلى الاتفاق. كتب أحدهم في أحد المنتديات عبر الإنترنت: “لقد أوصلني العمل في مركز اتصال إلى الحد التي كرهت فيها الأشخاص الذين كانوا لطفاء معي أكثر من غيرهم – لم يكن لدي سبب لإبعادهم عني بطريقة آلية”. قال آخر: “لقد مررت بحالات من الضجر والغضب (…) الآن طورت نوعا من الانفصال الطوعي”.

الأمر الذي لا يساعد هو أن العاملين في مراكز الاتصال في الأغلب ما تتم مراقبتهم بشكل مكثف، ويتلقون مكالمات متتالية ويتعرضون لضغوط للتعامل معها بسرعة. كتب موظف آخر: “إذا كنت تعمل محاسبا (كاشير) في متجر، فلن ينطق أحد بكلمة واحدة إذا توقفت مؤقتا لمدة عشر ثوان للحصول على رشفة من الماء أو لإطالة عضلات ظهرك”. أضاف: “حاول فعل ذلك في مركز اتصال حيث يتم تتبع كل ثانية. البشر ليسوا روبوتات أو آلات. التوقف المؤقت البسيط لمدة عشر ثوان بين المكالمات سيحدث فرقا كبيرا”.

في هذا السياق، يمكن أن يكون التدريب أداة مفيدة، كما يقول جاكوبس. “البشر أنفسهم مرهقون للغاية بسبب العمل، فهم بحاجة إلى بعض التوجيه. إذا كان من الممكن أن يكون لديك صديق يجلس بجوارك ليدفعك، فسيكون ذلك مفيدا أيضا”.

هناك دليل على أن هذا النوع من التدخل يحسن رضا العملاء، كما يقول. لكنني أتساءل عما إذا كان “التعاطف” الذي يحفزه الذكاء الاصطناعي ليس له صدى لدى العملاء، وربما يزعجهم أكثر. (لم ترد كوجيتو على أسئلتي).

إذا كانت المشكلة هي أن العاملين المنهكين عاطفيا يقدمون تجربة سيئة للعملاء، فسيكون الحل الأبسط هو عدم تعريضهم للإرهاق ابتداء. ربما يعني ذلك منحهم فترات راحة قصيرة بين المكالمات، واستقلالية أكثر قليلا، وبعض الاختلاف في العمل مع فترات من الوقت بعيدا عن الهاتف.

سيقدم الموظفون الأقل تعاسة خدمة عملاء أفضل، على الرغم من أنه حتى في هذه الحالة، فإن التعاطف الحقيقي مع كل العميل أمر لا يمكن توقعه من أي شخص. كثير من الشركات ستقاوم مثل هذه التغييرات لأنها ترى في مراكز الاتصال الخاصة بها تكلفة يجب التقليل منها. لكن الدافع لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة هو الذي أوصل القطاع إلى هذه الفوضى في المقام الأول.

منذ أكثر من قرن مضى كان هناك تحقيق خاص أجراه الكونجرس الأمريكي حول “الإدارة العلمية”، التي كانت آنذاك طريقة جديدة لإدارة الأشخاص تسيطر على أرضيات المصانع في الولايات المتحدة. فريدريك وينسلو تايلور، الذي توصل إلى النظرية، دعا الشركات إلى “استبدال حكم العامل الفردي” بتعليمات حددت “ليس فقط ما يجب فعله ولكن كيفية فعله والوقت المحدد المسموح به فعل ذلك”.

في تقديم الأدلة إلى اللجنة، حذر صمويل جومبرز، رئيس نقابة، الكونجرس من أن أي نظام مصمم لدفع العامل “إلى أقصى درجات قدرته البدنية والعقلية” سيكون له ثمن. قال: “وقت الفراغ القصير، الدقيقة، النصف دقيقة، أو عشر ثوان من الاسترخاء العقلي والجسدي ضرورية للحصول على أفضل النتائج”. كان النظام الجديد “ينتج ثروة لكنه يطحن الإنسان”.

أثبتت مراكز الاتصال أنه على حق. في السعي لتحقيق الكفاءة، تم إخراج الإنسانية من العاملين فيها – الجودة ذاتها التي يريدون الآن استردادها. لكن قبل الوصول إلى الذكاء الاصطناعي، هناك بديل يسير ذو “تكنولوجيا” سهلة: إذا كنت تريد أن يتصرف الناس كالبشر، فحاول معاملتهم كالبشر

المصدر الاقتصادية

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى