المجتمع

العمل الهجين .. المواءمة بين المنزل والمكتب ليست يسيرة

العمل الهجين .. المواءمة بين المنزل والمكتب ليست يسيرة

مر عام منذ أن حزمت جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي وغادرت مكتبي في لندن، الذي كان يتميز بإطلالة مذهلة على كاتدرائية القديس بولس. لقد عدت مرة واحدة. وبالكاد يمر يوم دون أن أقرأ أو أكتب عن مستقبل المكاتب.

استثمر أرباب العمل الكثير في ممتلكات المكاتب. لكن ينبغي أن يكونوا أكثر استعدادا للطريقة التي يقضي بها الموظفون وقتهم بمجرد زوال الوباء، بدلا مما إذا كانوا سيجلسون في مقصورات معقمة أو في مكاتب مشتركة متباعدة اجتماعيا. ستذهب الجائزة إلى المؤسسة التي يمكنها تحقيق أقصى استفادة من كيفية استخدام موظفيها خلال ساعاتهم المحدودة، كما كان الحال دائما.

ما زلت أتذكر عندما عاد والدي إلى المنزل من شركة المنسوجات، حيث كان يعمل، ليقول إنه تحول إلى نظام جديد يسمى “الزمن المرن”. كان ذلك في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، في وقت قريب من الوقت الذي كان فيه العمل المرن، الذي كان رائدا في ألمانيا، قد وردت الإشارة إليه في تحليل نشرته فاينانشيال تايمز بعنوان “الطريق إلى معنويات أفضل للموظفين”.

لقد قطعت المرونة شوطا طويلا (وبالتأكيد لم تكن كافية لإنقاذ صناعة النسيج في المملكة المتحدة). راقب أرباب العمل الحذرون ساعات العمل المرنة بنظام تسجيل الدخول نفسه المستخدم سابقا لمراقبة نظام العمل من الساعة التاسعة إلى الخامسة. في هذه الأيام من المرجح أن ينشروا أجهزة استشعار لتحديد هوية الموظف، ومكانه، والزمن الذي قضاه في العمل.

الفرق هو أن الموظفين الذين يعملون عن بعد تعلموا في العام الماضي الاستمتاع بالمرونة. أثناء كتابة هذا العمود، قمت بطهي طاجن لحم الضأن. لم يكن إنجازا رائعا في عالم الطهي، لكن حتى آذار (مارس) من العام الماضي كان التحدي المتمثل في الجمع بين التتبيل والتنقيع طوال الليل والتجهيز في اليوم نفسه، مع التنقل إلى العمل ومنه، يثنيني عن ذلك. لم أتمكن ببساطة من الابتعاد عن مكتبي في المقر الرئيس لتتبيل اللحم وقلي البصل، والعودة لإجراء مقابلة بمجرد أن تكون الوجبة في الفرن بأمان. الآن لا تقتصر عائلتي على تناول مزيد من الوجبات المعدة في المنزل فحسب، بل أصبحت أكثر هدوءا لأنني طبختها. “معنويات الموظفين” مرتفعة.

أكره أن أفقد وقت العمل المرن. لكن التسوية ستكون ضرورية مع استئناف الأعمال العادية وسيصعب على الشركات إدارتها. قبل كل شيء، كان من الصعب بما فيه الكفاية التوفيق بين التغييرات المختلفة التي طرأت على الإجازة السنوية، والسفر المرتبط بالعمل، والاجتماعات الشخصية المتعددة قبل الوباء، ما زاد من ضبابية الحدود بين المكتب والمنزل.

الأدوات والتطبيقات عبر الإنترنت ليست حلا. تقول جوليا هوبسباوم، مؤلفة “مكتب اللامكان” The Nowhere Office، وهي ورقة بحثية جديدة حول مستقبل العمل أعدتها لمركز ديموس للأبحاث: “لقد جعلنا عصر التكنولوجيا نشعر كما لو أنه لا يوجد دفتر يوميات، لكنه بالطبع موجود”.

قد تكون مكالمات زووم ورسائل البريد الإلكتروني، والمشي أثناء المكالمات الجماعية، وحتى الطهي وكتابة الأعمدة، مناسبة لبعض الأشخاص، في بعض الأحيان، لكن لا بد أن تعاني الإنتاجية والإبداع على المدى الطويل إذا ضاعف الموظفون المهام التي يسعون إلى إكمالها خلال الجدول الزمني الثابت نفسه.

بدلا من ذلك، يحتاج أصحاب العمل والموظفون إلى العودة إلى المبادئ الأولى – واتخاذ بعض الخيارات الصعبة. تقول ليندا جراتون، من كلية لندن للأعمال: “عليك أن تفكر مليا بشأن كيفية استخدامك للزمان والمكان، وفي المركز هناك سؤال حول ما الذي يساعد الشخص على أن يكون منتجا؟”. في مقال مرتقب في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، تشير جراتون إلى أهمية فهم كيفية تأثير ترتيبات العمل على محركات الإنتاجية، مثل الطاقة والتركيز والتنسيق والتعاون. طورت شركة فوجيتسو اليابانية خلال العام الماضي “مكتبا بلا حدود” للموظفين بنظام العمل الهجين. يمكن للموظفين التنقل بين المراكز والمكاتب المشتركة (لأولئك الذين ليست لديهم مساحة هادئة كافية للعمل في المنزل).

لقد أدخل الاغلاق بالفعل العاملين إلى طرق جديدة للعمل. ليزلي بيرلو، من جامعة هارفارد، وزميلاها أشلي ويلانز وأورورا توريك، درسوا في الربيع الماضي وضع فريق العمل في شركة للخدمات المهنية. أعرب موظفو المعرفة هؤلاء، كما فعل كثيرون، عن أسفهم للانخفاض المفاجئ في التبادل التلقائي للأفكار. لكن عندما تعاونوا باستخدام منصة سلاك، تحسن عملهم لأن لديهم المزيد من الوقت للتفكير. قبل أن تبدأ الشركات في إلزام الموظفين بالتجمع بانتظام من أجل العصف الذهني، يجب عليها التفكير فيما إذا كان العمل غير المتزامن قد يؤدي إلى نتائج أفضل.

أخيرا، يمكن تقليم جداول العمل القاسية نفسها. في دراسة أجريت في 2009 على الاستشاريين في مجموعة بوسطن الاستشارية، وجدت بيرلو وجيسيكا بورتر أن تقليل ساعات العمل له فوائد عديدة، لكن كان عليهم فرض جدول زمني للإجازات يمكن التنبؤ به لإقناع المهنيين الموجودين بجني ثمار جدول زمني أخف. وبالمثل، في عالم هجين، قد يعيد المديرون المتوسطون صياغة أنفسهم كميسرين، ما يحث الموظفين على استخدام وقتهم بشكل أفضل.

تشير جراتون إلى أن الرؤساء التنفيذيين لهم دور مهم أيضا. يجب أن يقرروا كيف يتم توزيع الموظفين على نحو يحقق ثقافة العمل وأهداف ما بعد كوفيد.

قد يستنتج عدد قليل من الرؤساء أن عليهم حث العاملين على العودة إلى المكتب. لكن إذا سمحوا بأن يتم إملاء هذا الخيار فقط من خلال البصمة العقارية للشركة، فمن شبه المؤكد أنهم سيتخذون القرار الخاطئ.

المصدر الاقتصادية

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى