بايدن خلال 100 يوم في السلطة .. خطوات لإنعاش الاقتصاد المنهك ومساع لتغيير مصير الكوكب

بينما باتت الدراما اليومية التي طبعت البيت الأبيض في عهد دونالد ترمب صفحة من التاريخ، إلا أن فترة الأيام المائة الأولى لخلفه جو بايدن على رأس السلطة لم تكن هادئة تماما، إذ سارع لإحداث تحولات في الولايات المتحدة.
من المقرر أن يلقي بايدن خطابا يبث في وقت ذروة المشاهدة التلفزيونية أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأربعاء المقبل، عشية إتمامه أيامه المائة الأولى في السلطة، فيما يطمح الرئيس الأكبر سنا في تاريخ الولايات المتحدة ليكون أيضا من بين الأكثر تأثيرا وأهمية منذ فرانكلين روزفلت والكساد الكبير.
ووفقا لـ”الفرنسية”، تبدو مهمة الرئيس الديموقراطي صعبة للغاية، إذ يواجه تفشيا هو الأكثر فتكا لكوفيد – 19 في العالم واقتصادا منهكا للغاية وانقسامات عميقة، لكن بعد مرور ثلاثة أشهر، فاجأ كثيرين بانضباطه وحزمه في التفاوض، وقبل كل شيء، تطلعه “للإنجاز الأكبر” كما يقول.
ويشير آخر استطلاع لمعهد “بيو” إلى أن أداء بايدن أكسبه نسبة تأييد تبلغ 59 في المائة، وهي أعلى من أي نسب حصل عليها ترمب على مدى عهده. وتعهد بايدن بأن “يشفي” أمريكا ومع إتمام برنامج التطعيم ضد كوفيد – 19 الأسبوع الماضي إعطاء 200 مليون جرعة، بات يفي بوعده حرفيا.
وضخت حزمة تحفيز الاقتصاد (خطة الإنقاذ الأمريكية) وقدرها 1.9 تريليون دولار، التي مررها حزبه في الكونجرس في آذار (مارس) الأموال في كل زاوية تقريبا من الاقتصاد المتضرر جراء كوفيد، وهناك توقعات واسعة بحدوث انتعاش بعد الوباء.
ويطرح بايدن الآن حزمة ضخمة أخرى، أطلق عليها “خطة الوظائف الأمريكية”، وقدرها أكثر من تريليوني دولار بهدف تحديث البنى التحتية الأمريكية بكل طريقة ممكنة، من الطرقات التقليدية والجسور وصولا إلى الإنترنت فائقة السرعة وتطوير السيارات الكهربائية.
أما التالي، فسيكون “خطة العائلات الأمريكية” التي تكلف تريليون دولار إضافي على الأقل لتمويل رعاية الأطفال والتعليم. ويشير السياسيون الجمهوريون إلى أن بايدن أطلق سيلا من الاشتراكية، لكن الاستطلاعات تكشف أن ناخبيهم يدعمون بايدن، ما يتيح له القول إنه يفي بوعوده بالحكم بأسلوب يرضي الحزبين.
إذا أتيحت له الفرصة، يرغب بايدن في تغيير مصير باقي الكوكب أيضا، إذ إنه سارع لدى وصوله إلى البيت الأبيض، إلى إعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، التي انسحب منها ترمب. وذهب أبعد من ذلك الأسبوع الماضي، إذ عقد قمة تضم 40 دولة، أعلن خلالها مضاعفة أهداف الولايات المتحدة لخفض انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة.
كما يتحرك سريعا في مسائل أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية، فتجري طمأنة الحلفاء بأن “أمريكا عادت”، بينما يعاد تقييم الخصوم، مع تصنيف روسيا والصين على أنهما من “الأصدقاء الأعداء”، إذ ينبغي معاداتهما بشدة باستثناء فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية، حيث يحمل التعاون ذات الأهمية.
وأثبت قدرته على اتخاذ خطوات حاسمة قد تحمل مخاطرة في بعض الأحيان، عندما تجاوز مواقف كبار الجنرالات بحسب تقارير إعلامية ليحدد موعدا ثابتا هو 11 أيلول (سبتمبر) لإتمام الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان.
وتخلى أمس الأول، عن التباس في موقف الولايات المتحدة دام لعقود عبر اعترافه علنا بالمجازر التي لحقت بالأرمن قبل قرن، بأنها إبادة جماعية، في خطوة أثارت غضب تركيا.
ولربما قبل أي شيء، اختار الناخبون المنهكون بايدن من أجل جعل أمريكا طبيعية مجددا، بل حتى مملة. وبالفعل، حقق ذلك، فولت أيام الحكم عن طريق التغريدات عبر “تويتر”، كما انتهت التجمعات التي تركز على أسلوب تعظيم شخصية الرئيس.
مع ذلك، تكفي لمحة إلى الكابيتول في واشنطن، عندما يلقي بايدن خطابه الأربعاء، للتذكير بأن البلد لا يزال بعيدا عن الوصول إلى وضع طبيعي حقا.
ويعني التوتر المهيمن في أعقاب أعمال شغب السادس من كانون الثاني (يناير) غير المسبوقة، التي قام بها أنصار ترمب أن رمز الديموقراطية الأمريكية سيبقى خاضعا لإغلاق مشدد.
ويعني تواصل تهديد فيروس كورونا، أن بايدن سيلقي خطابه أمام حشد ضئيل للغاية، بعيدا عن التجمعات المفعمة بالطاقة التي تكون عادة باستقبال الرؤساء في هذه المناسبة.
وقالت جين ساكي الناطقة باسم البيت الأبيض، “لن يبدو من عديد من النواحي، كما كانت الخطابات المشتركة الماضية”.
ولأول مرة في التاريخ، ستجلس امرأتان خلف المنبر الرئاسي خلال الخطاب، هما نائبة الرئيس كامالا هاريس ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، حليفة بايدن الرئيسة في الحزب الديموقراطي، لكن سيشمل الحضور أيضا شخصيات أخرى عديدة أقل ودية.
وأجمع الجمهوريون حتى الآن على معارضتهم لأفكار بايدن الكبيرة، لكنهم يعتمدون على أغلبية ضئيلة للغاية، التي قد تقضي عليها انتخابات منتصف الولاية للكونجرس العام المقبل بسهولة.
وكانت حملة التطعيم الواسعة وإقرار خطة الإنقاذ الأمريكية الجزء الأسهل، مقارنة بما هو مقبل، إذ تبدأ حقول الألغام السياسية بوضع خارج عن السيطرة عند الحدود مع المكسيك، حيث يصطدم خطاب بايدن بشأن جلب الإنسانية إلى عملية الهجرة بواقع فوضوي.
ويركز الجمهوريون على ما يرون أنها مسألة من شأنها أن تضمن الفوز لهم بأصوات الناخبين في انتخابات منتصف المدة. وتتذمر قاعدة بايدن اليسارية حيال ما تعده تذبذبا بشأن الإيفاء بتعهد حملته الانتخابية السماح بدخول مزيد من اللاجئين.
كما تتفاقم مسائل أخرى مثل قسوة الشرطة وضبط حيازة الأسلحة النارية والرعاية الصحة الحكومية، وهي مسائل يقول بايدن إنه يريد التعامل معها، لكنها شكلت مصدر أرق لأسلافه على مدى أعوام وتحمل خطر التسبب له بالأمر ذاته.
أما خارجيا، فيبدو أن التحديات من دول مثل الصين، إيران، كوريا الشمالية، وروسيا بدأت للتو. ولا شك في أن بايدن جلب الهدوء إلى الولايات المتحدة في أيامه المائة الأولى، لكنه يأمل في ألا يكون هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة.