الدوليةشريط الاخبار

علاقة الحب الجديدة بين “وول ستريت” والصين

بينما تتمتع شركات مثل جولدمان ساكس بتاريخ طويل في الصين فإن الإصلاحات الأخيرة التي اجتاحت الصناعة المالية بأكملها ستسمح لها بالتوسع أكثر من ذلك بكثير.

يقول تشياوفينج تشونج، رئيس الصين الكبرى في أموندي، شركة إدارة الأصول الأوروبية، التي حصلت العام الماضي على الموافقة على أول مشروع مشترك لإدارة الثروات مملوك للأغلبية الأجنبية: “تعتقد الحكومة أن شركات إدارة الأصول الأجنبية والبنوك الأجنبية يمكن أن تمثل نوعا جديدا من المستثمرين المؤسسيين، ولاعبا جديدا، مع أفضل الممارسات، وعملية راسخة ومعايير جيدة”. ويشير إلى أن شراكة أموندي مع بنك الصين أطلقت حتى الآن أكثر من 20 منتجا واكتسبت أصولا بمليارات الدولارات.
يوضح ليفين ديبروين، رئيس التوزيع العالمي في شرودرز، التي حصلت على الموافقة على شراكة مع بنك الاتصالات في فبراير: “ما جذبنا حقا إلى المشروع المشترك لإدارة الثروات هو أنه لأول مرة يسمح للمديرين بالاستفادة بشكل مباشر أكثر من مجموعات مدخرات إدارة الثروات الكبيرة التي أنشأتها البنوك

علاقة الحب الجديدة بين “وول ستريت” والصين

عندما أعلنت إدارة بايدن تحقيقا جديدا في أصول تفشي فيروس كورونا في ووهان يوم الثلاثاء كان رد الفعل الصيني سريعا وغاضبا.
تشاو ليجيان، الناطق باسم وزارة الخارجية، اتهم الولايات المتحدة بالتلاعب السياسي ووصم الصين -وهو الخلاف المنتظم من النوع الذي أدى إلى مقارنات متزايدة بالحرب الباردة.
لكن قبل ذلك بيوم واحد فقط، روى إعلان آخر قصة مختلفة عن العلاقات بين القوتين الرائدتين في العالم. جولدمان ساكس رمز صناعة التمويل الأمريكية المهيمنة عالميا، كشف النقاب عن شراكة ثروة مع البنك الصناعي والتجاري الصيني المملوك للدولة. قد تسمح الصفقة لشركة وول ستريت بالاستفادة من مدخرات مئات الملايين من العملاء الصينيين لدى البنك.
في عصر يتم تحديده بشكل متزايد من خلال المنافسة الجيوسياسية والدفع نحو الفصل الاقتصادي، لم يكن التمويل الأمريكي قط أقرب إلى الثروة الصينية مما هو عليه الآن. نتيجة إغرائها بالمدخرات غير المستغلة ونمو سوق إدارة الأصول، التي قدرت قيمتها بحدود 121.6 تريليون رنمينبي (18.9 تريليون دولار) العام الماضي، فإن الشركات الأكثر شهرة في وول ستريت ترسخ نفسها بشكل أعمق من أي وقت مضى في البلاد.
إضافة إلى جولدمان ساكس، قالت بلاك روك في وقت سابق من هذا الشهر إنها تلقت الموافقة على شراكة إدارة الثروات مع بنك الصين للإنشاء (CCB)، بينما أعلن جيه بي مورجان لإدارة الأصول في مارس خططه لاستثمار 415 مليون دولار في وحدة الثروة في بنك التجار الصيني. من أوروبا، حصلت أموندي وشرودرز على موافقات للشراكات المملوكة للأغلبية في إدارة الثروات.
يقول توان لام رئيس أعمال العملاء لآسيا باستثناء اليابان في قسم إدارة الأصول في جولدمان ساكس: “داخل جولدمان ساكس، نحن متحمسون من القمة إلى القاعدة. من الواضح أننا نفكر في الصين منذ فترة طويلة جدا، ومع التغييرات التنظيمية الأخيرة وتغيرات السوق، لدينا مستوى عال جدا من الاقتناع بشأن الفرصة”.
الصين، التي لديها الآن عدد من أصحاب المليارات أكثر من الولايات المتحدة، تفتح أبوابها على نطاق أوسع من أي وقت مضى للشركات الأجنبية. في العامين الماضيين، حررت عناصر من نظامها المالي الخاضع للرقابة المشددة وسمحت للشركات الأمريكية والأوروبية بمزيد من الوصول. رغم أن الحكومة لا تزال قلقة بشأن منح المؤسسات الأجنبية دورا كبيرا فوق الحد، إلا أن الحكومة حريصة على الاستفادة من خبرات تلك المؤسسات للمساعدة على بناء بنية تحتية للمدخرات يمكن أن تساعد على إدارة أزمة ديموغرافية وشيكة تقودها شيخوخة السكان.
في ظل هذه الخلفية، يقول بعض المستثمرين إن الخطر الأكبر عدم الدخول إلى الصين بالسرعة الكافية. لكن أي اندفاع كبير للذهب في الصين لا يخلو من التحديات. كما الحال مع المجالات الرئيسة الأخرى للاقتصاد، يخضع التمويل في نهاية المطاف لسيطرة حزب شيوعي شديد القوة يحكم منذ عام 1949.
كما أنها تقف بشكل غير مريح على الخلفية الجيوسياسية، حيث اندلعت التوترات بين الصين والغرب بسبب قضايا من جائحة فيروس كورونا إلى التكنولوجيا، من شينجيانج إلى تايوان. كما أن السياسة الداخلية في الولايات المتحدة مدفوعة أكثر من أي وقت مضى بما وصفه الرئيس جو بايدن هذا العام بالمنافس الأكثر جدية لأمريكا.
لخص جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، الحالة المزاجية الجديدة عندما كتب في مجلة فورين بوليسي العام الماضي: “لماذا ينبغي أن يكون فتح النظام المالي الصيني لبنك جولدمان ساكس أولوية تفاوضية للولايات المتحدة؟”.

تغيير ثقافة الاستثمار

جارفيس لي، محلل يبلغ من العمر 29 عاما في شركة للأوراق المالية في شنزن، لا يمكنه حتى الآن شراء منزل. ويرجو من خلال وضع مدخراته في الأسهم والصناديق ومنتجات إدارة الثروات أن يتمكن على الأقل من تجاوز التضخم. يقول: “أحب المنتجات الأكثر أمانا”، لكنه يضيف أن هناك “خيارات كثيرة فوق الحد” في السوق.
يهدف مشروع جولدمان ساكس الجديد مع بنك الصين الصناعي والتجاري (ICBC)، الذي ستكون لديه حصة أغلبية فيه، إلى إضافة مزيد. وستستهدف منتجات التوفير الخاصة به مبدئيا المدخرين ذوي الثروات العالية، ويمكن تقديمها في المستقبل لأشخاص مثل لي.
الموجة الأخيرة من منتجات الادخار الجديدة جزء من جهود مستمرة لتوسيع خيارات الاستثمار في بلد كانت فيه كميات ضخمة من المدخرات تجلس تاريخيا في الودائع المصرفية أو تطارد عوائد مضاربة في سوق العقارات. يقدر جولدمان ساكس أن 60 في المائة من جميع أصول الأسر كانت في العقارات في عام 2020، و24 في المائة أخرى كانت نقدا وودائع.
تقول سوزان تشان، رئيسة قسم آسيا في بلاك روك، التي لديها الآن الموافقة على بدء تشغيل مشروع مشترك مع CCB وصندوق تيماسيك الحكومي في سنغافورة: “إنها دولة مدخرين، لكن الادخار يحدث غالبا على شكل نقد وعقارات أسواق رأس المال، والبنية التحتية، والطريقة التي ينظرون بها إلى إدارة الأصول، لا تزال حديثة نسبيا”.
بالنسبة إلى أمثال جولدمان ساكس وبلاك روك، توفر شراكات الثروة مع البنوك الصينية شبكات توزيع واسعة تسمح لهم ببيع منتجاتهم الاستثمارية بسرعة إلى المدخرين في البلاد، خاصة الذين لديهم ثروة صافية عالية. بنك ICBC لديه 680 مليون عميل تجزئة، أي أكثر من ضعف إجمالي سكان الولايات المتحدة.

النظام المصرفي المملوك للدولة في الصين، الأكبر في العالم من حيث الأصول، يقدم منذ أعوام منتجات إدارة الثروات لزبائنه، في العادة كبديل للودائع. لكن الصناعة يمزقها الجدل، ولا سيما فيما يتعلق بدورها في تمويل الظل والوعد بتقديم ضمانات ضمنية للعملاء وخضعت لإصلاحات عجيبة عام 2018، مهدت الطريق لمشاركة أجنبية أكبر. الصينية الكبيرة على مر الأعوام”.
في الصين، قطاع إدارة الثروات يمثل جزءا واحدا فقط من مجموعة كبيرة من مبادرات الادخار، إلى جانب التوسع في أعمال الصناديق المشتركة التي اعتبارا من العام الماضي يمكن للشركات الأجنبية مثل جيه بي مورجان الآن امتلاكها بالكامل، وتطور نظام المعاشات التقاعدية فيها.
أظهرت بيانات التعداد الصادرة هذا الشهر أن سكانها ينمون بأبطأ معدل منذ عقود. يشكل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما 13.5 في المائة من السكان، مقارنة بنسبة 8.9 في المائة عام 2010.
تقول تشان من بلاك روك: “أزمة التقاعد في الصين أكبر من أي بلد آخر في العالم”. وتضيف أن هناك حاجة ماسة للصين لمساعدة سكانها على الدخول في عقلية الاستثمار، من باب “أنا بحاجة إلى الادخار من أجل المستقبل”.

“مغالطة السيطرة”

بالنسبة لشركات الاستثمار الدولية، الصين هي أكثر الفرص المميزة والواضحة في العالم. بينما عززت الأسواق المرتفعة أرباحها على المدى القصير، فإنها تواجه تحديات هيكلية عميقة في الأسواق الناضجة للغاية في أوروبا والولايات المتحدة.
يقول ريتشارد جراي، الشريك في إدارة الثروات والأصول في إي واي: “بشكل أساسي، الصين هي المكان الذي يوجد فيه النمو”. لكنه يوضح أنه في حين تعمل الهيئات التنظيمية الصينية والشركات الغربية على أساس براجماتي حتى الآن، فإن الخطر الأكبر يتمثل في تغير البيئة السياسية. ويفيد جراي بأن الشركات الأجنبية قد تجد نفسها في نهاية المطاف تصبح “بائعا قسريا لشيء ساعدت في إنشائه” أو تواجه مشكلات في إعادة الأرباح إلى الوطن، إذا أثارت استياء المنظمين.
يقول: “بدخولك سوقا مختلفة، فأنت تحت رحمة المنظمين المحليين. عندما لا تكون جزءا من النادي، لا يوجد درع سياسي يمنع المنظمين من فرض أنظمة ولوائح عليك بشكل أكثر تشددا من بعض اللاعبين المحليين”.
في مثال على مدى السرعة التي يمكن أن تتغير بها الحالة المزاجية، تم سحب الطرح العام الأولي لمجموعة آنت في نوفمبر الماضي التي كانت تعد في الماضي بطلا وطنيا للتكنولوجيا المالية من قبل الحكومة في اللحظة الأخيرة.
يرى جريجوري وارين، كبير محللي الأسهم في مورنينج ستار في الولايات المتحدة، أن “الصين سوق أكبر من أن تتجاهلها، لكن في آخر ذهنك هناك فكرة تقول: ما الذي يمكن يعرض للاختلال. في الصين، يمكن أن تتغير القواعد والمواقف بين عشية وضحاها”.
يشير بيتر ألكسندر، العضو المنتدب في Z-Ben Advisors في شنغهاي، وهي شركة استشارية لإدارة الأصول، إلى ما يسميه مغالطة السيطرة عندما يتعلق الأمر بالشراكة مع البنوك الصينية. ويقترح أن بعض المشاركين الأجانب مدفوعون “بالتفكير قصير المدى” في التدافع نحو التوزيع.
من جانبهم، غالبا ما يركز مديرو الأصول الأجنبية على التحولات طويلة الأمد. يعني نظام الحصص أن التدفقات الخارجة من الصين تخضع لرقابة مشددة، لكن الشركات تأمل في مزيد من المرونة لنقل مدخرات البلاد إلى الأسواق العالمية. يخطط جولدمان ساكس، الذي يتوقع أن تكون هناك 70 تريليون دولار من الأصول القابلة للاستثمار لدى الأسر في البلاد بحلول عام 2030، لتقديم منتجات عبر الحدود لزبائنها، بينما يشير جيه بي مورجان إلى قدرته العالمية.
تقول ديزيريه وانج، العضو المنتدب لإدارة الأصول الصينية في جيه بي مورجان لإدارة الأصول: “لدى المستثمرين الصينيين استثمارات بنسب قليلة في الأسواق العالمية الخارجية”.

المخاطر السياسية

رغم منطق الأعمال، فإن اندفاع وول ستريت إلى الصين يمثل تناقضا صارخا مع المزاج السياسي في كلا البلدين.
في واشنطن، يتزايد التدقيق في تحالف التمويل الأمريكي مع الصين. قال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو هذا الأسبوع إن وول ستريت أصبح “أكثر تكاملا مع الصين من أي وقت مضى”. وقال إن “الانفصال” أحد “أكبر نقاط ضعف أمتنا” في مواجهة “حول من سيحدد مسار القرن الـ 21”.
ضغطت الإدارات السابقة من أجل وصول أكبر للشركات الأمريكية في الصين، وهو ما ظهرت دلائله في المرحلة الأولى من اتفاق التجارة العام الماضي بين البلدين. لكن لا يزال من غير الواضح كيف ستتعامل إدارة بايدن الجديدة مع هذه القضية، ولا سيما بالنظر إلى تركيزه على سياسة التجارة المتمركزة حول العمال.
يشير إسوار براساد، خبير في التمويل الصيني في جامعة كورنيل إلى أن الشركات الغربية الآن ليست لديها نظرة إيجابية قوية بشأن ممارسة الأعمال في البلاد، حتى مع استمرارها في الرغبة في السعي وراء مواطنيها الأغنياء.
يقول: “سيتعين على هذه الشركات إجراء عمليات بهلوانية مختلفة لتجنب الوقوع في مرمى النيران”. ويضيف أنه بينما لا يزال لديه “آلات ضغط قوية”، فإن “فعاليتها في التأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين أصبحت مقيدة بشدة بالمناخ السياسي الحالي”.
ظهر هذا المزاج في جلسة استماع بالكونجرس يوم الخميس عندما تم استجواب المسؤولين الماليين بشأن علاقاتهم مع الصين. قال ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لبنك جولدمان ساكس، إن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين معقدة بشكل لا يصدق.
وقال: “هناك أماكن نتعاون فيها بشكل واضح، وهناك أماكن نكون فيها في حالة مواجهة. نحن نحاول التعامل مع ذلك بطريقة مناسبة”.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى