المقالات

الحجاب ليس بدعة إسلامية

%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%b1-%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%87%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d9%86

الحدث/ ياسر صالح البهيجان :

عاشت المرأة منذ قرون طويلة وعلى امتداد حضارات متعددة حياة تتسم بالازدراء والنظرة الدونيّة الرجعيّة والجاهليّة، ولم تحظَ منذ تكوينها باستقلاليّة مطلقة عن الرجل، وظلّت الثقافة الإنسانيّة المصطنعة من قِبل الذكور هي من يحدد وضع الأنثى الاجتماعي وصلاحيّاتها والخطوط الحمراء المحرّمة عليها.

ومن أبرز السمات التي كانت لصيقة بواقع المرأة منذ القِدم ما يتعلّق بالحجاب والنقاب. فلم يكن الإسلام أول دين ينصّ على ضرورة أن تغطّي المرأة وجهها أو شعرها، وإنما كانت من الأعراف الشائعة لدى العديد من الثقافات والأمم منذ فجر التاريخ، وكانت ترتبط بازدراء معاشر الرجال للنساء، وتخضع رؤية الاحتجاب الأنثوي لما يعرف بتملّك الرجل للمرأة، وقد جاء الإسلام ليصبغ على الحجاب قيمة جديدة تتمثل -بحسب الرؤية الإسلامية- في حماية الأنثى من التعرّض للإيذاء والتحرّش.

ونجد على سبيل المثال لدى اليهود وفي كتابهم المقدّس التوراة، وتحديدًا سفر التكوين الإصحاح 24، ما نصّه: “فرفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل، وقالت للعبد من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا، فقال العبد هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطّت”، وفي هذا النصّ إشارة إلى أن المرأة اليهوديّة كانت تمارس عبادة تغطية الوجه أمام الأسياد فقط، ولا تفعل ذلك مع العبيد؛ لأن العبد يأتي في قاع التسلسل الهرمي لدى اليهود، وهم وإن كانوا ذكورًا إلا أنهم يأتون في مرتبة دونيّة أقل من مرتبة المرأة التي لا يفوقها مكانة سوى الرجل السيّد.

وفي قصيدة “الأوديسّة” للشاعر اليوناني الشهير هوميروس يتبدّى لنا حال المرأة في الحضارة اليونانيّة، حيث تكشف القصيدة عن أن الأنثى كانت تتنقّب فلا يُرى من وجهها سوى عينيها، وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، ما يعني أن الحجاب والنقاب لم يكونا خاصين بالعرب والمسلمين، وليستا إشارة دالّة عليهم، فقد عرفتها أمم سبقت الدين الإسلامي بآلاف السنين، لكن تأثير تلك الثقافة ضعف مع تحول المجتمعات نحو المدنيّة، وتزايد مطالبات المساواة بين الجنسين، حتى استحال الحجاب في نظرهم إلى سمة رجعيّة من منظورهم الانفتاحي، ورمز يشير إلى مرحلة كانت فيها المرأة مهمّشة اجتماعيًّا.

وحتى المرأة العربيّة في زمن ما قبل الإسلام كانت ترتدي الحجاب للتفريق فيما بين المرأة الحرّة والجارية، ويتّضح ذلك في تفسير القرطبي لآية الجلباب، والذي قال: “كانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول الآية تبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجّار يظن أنها أمة (جارية)، فشكو ذلك إلى رسول الله ونزلت الآية بسبب ذلك”.

ولم يكن للحجاب لون واحد في تاريخ الثقافة البشريّة، كل بيئة ثقافيّة تفرض لونًا محددًا يختلف عن البيئات الأخرى، وعادة ما تتبدّل الألوان مع مرور الزمن، كما كان الحال في نجد، إذ تشير كتب التاريخ التي أرّخت لمنطقة نجد قبل أكثر من 300 عام، بأن النساء النجديّات كنّ يلبسن العباءات الملوّنة منها ما هو أحمر وأصفر وأخضر، وعادةً ما كانت تأتي من منطقة الأحساء والعراق، ولم يكنّ يرتدين اللون الأسود، ولم تكن تغطية الوجه لديهنّ عبادة بقدر ما كانت عرفًا اجتماعيًّا وثقافة متوارثة امتدت من الأمم الأخرى وترسّخت عندما اختلط العرب بغيرهم من الشعوب.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى