الرياضة

هذا هو النصر.. وهذا كان رئيسه ورؤساؤه

هذا هو النصر.. وهذا كان رئيسه ورؤساؤه

بصفات كُثر يتمايز النصر عن غيره من الأندية السعودية.. بهذه الطريقة يراه عشاقه ومحبوه ومناصروه.. ليس له شبيه.. بانتصاراته.. بانكساراته.. بانتفاضاته.. بضحكته وبكائه.. اسأل أي نصراوي.. لماذا تحب النصر؟.. وستجد معلقات العشق والغزل المباح والحب الممنوع جاهزة للتصدير.. ستسمع قلبه يتكلم.. سيقول لك.. هذا لون الشمس.. أهناك من يكره الشمس والذهب وضوء الرمال الساحرة السابحة وراء كثبان الربع الخالي..

وسيسألك.. سيقول بخبث الأبرياء هل تعرف ماجد عبد الله؟.. هذا هو مؤسس النصر الحديث.. لا أتكلم عن الجوانب الإدارية.. أتكلم عن هوية كروية داخل الملعب.. سيقول لك الذين لم يشجعوا النصر في أيام ماجد مشكوك في أمزجتهم وذائقتهم الكروية.. في زمن ماجد وتبحث عن فريق آخر تشجعه ضد ماجد.. يا لهذا الخذلان الكبير..!!

هل تعرف عبد الرحمن بن سعود؟.. الأمير الذي رسخ فلسفة التواضع في عوالم كرة القدم، وشرعن جلوس الرئيس على مقاعد الاحتياط.. بالتأكيد هو أول من فعلها.. كل من حذا حذوه وجلس ذات الجلسة كان يحاول عبثاً تقليد من يصعب تقليده.. يجلس بجوار المدرب وبين البدلاء معمقاً إيمانه بفكرة الاتجاهات المعاكسة بين مرمى الفريق المنافس وقدميه اللتين يضع إحداهما على الأخرى.. مدربون عالميون قادوا النصر وكانت شخصية عبد الرحمن بن سعود وتلك الجلسة وتعاطيه مع التفاصيل الصغيرة هو أكثر ما أثار فضولهم.. هناك أحاديث طويلة لقائمة طويلة من المدربين تحكي مواقف نادرة عن ارتباط عبد الرحمن بن سعود بالنصر.. من عبدالرحمن بن سعود نفسه يمكن الالتحاق بركاب المناصرين للنصر.. هذا أيضاً شيء يسعى النصراويون لإضافته إلى مكتسبات أجبرتهم على التعلق بالنصر..

يقولون فيما يقولون إن النصر حالة حزن لذيذة.. الأفراح فوضوية وطفولية ومشاغبة وناقصة عقل وعدو مبين.. فيما الحزن متوثب وشامخ ولا يتوقف عند سفاسف الأحداث ويمضي في مشوار الحياة مترفعاً عن صغائر الأمور.. فوز النصر على ضمك أو الرائد أو القادسية مثلاً يفرحهم وكأنهم اعتلوا قمة قارية..

النصر يشبه الحياة.. يشبهها تماماً.. وعندما تتصادف مع النصر داخل المصعد أو في شارع ضيق أو وسط مطعم شعبي عتيق وتتمعن في تقاسيم وجهه المتعبة وتتذكر تصاريف الأيام وتقلبات الدنيا ومآلاتها الملتوية تقول في نفسك.. يخلق من الشبه أربعين.. النصر يشبه الحياة.. يشبهها تماماً.. كثير من الحب وكثير من الفرح.. قليل من الفرح كثير من الحزن.. كثير من الفرح قليل من الحزن.. هذا هو النصر لا يقبل إلّا أن يكون كالحياة ذاتها..!!

وهذا ما يقوله النصراويون..!!

أما أكثر ما كان يجعل من هذا النصر مغايراً عن من سواه في فرقة ما يطلق عليهم مجازاً الأربعة الكبار فهو أن رئيس النصر دائماً رجل يقدح من رأسه حتى تحوّل هذا الأصفر الكبير في حقب تاريخية إلى ما يشبه كلمة (لا).. بكل بساطة.. بكل وضوح.. طبعاً هذا الكلام قبل وصول الدكتور صفوان بن سليمان السويكت إلى سدة الرئاسة.. بعد وصوله تساوت الرؤوس وصار النصر مثل الهلال والاتحاد وطبعاً الأهلي..!!

عاش الهلال بعراقته وبطولاته وعمله المؤسسي الذي يفاخر به أنداده تحت قيادة حكومة ظل أحياناً وتحت حكومة تصريف أعمال أحياناً أخرى.. ما كان الرئيس الأزرق دائماً الرجل الأقوى وسط المنظومة الإدارية للزعيم.. وجوه كثيرة مرت وتولت زمام أمور بنو هلال، فيما صاحب القرار الأول والأخير والآمر الناهي والحاكم بأمره عضو شرف يرسم خارطة الطريق من وراء الستائر.. في الاتحاد المشهد هو ذاته يتكرر وإن بصورة مختلفة.. هناك شخصية اتحادية شهيرة ومعروفة اضطرت للخروج والاستقالة لكنها أكلمت الإمساك بخيوط اللعبة ودفعت بأسماء كانت تعيش تحت جلبابها.. لا أقول سراً.. ولا أغطي الملامح بأقنعة فضفاضة.. وإنما بعض الوقت لا تحتاج مع بعض الناس إلا لإشارة يلتقطها اللبيب.. وما أكثر الألباب حين تعدهم..

أما الأهلي.. فلا يكفي أبداً القول حدث ولا حرج.. يمكن القول إن هذا النادي الراقي جداً جداً أدير كثيراً جداً جداً بطريقة “الشور شورك يا يبه”.. بهذا الأسلوب تناوب الأمير خالد بن عبد الله والأمير محمد العبد الله الفيصل ـ رحمه الله ـ على إمرة الأهلاويين.. قرابة ثلاثة عقود مترادفة.. العشرون عاماً الماضية كل رؤساء الأهلي يتولون قيادة الأهلي بعد تزكية خالد بن عبد الله.. قبلها كان محمد العبد الله يفعل الشيء نفسه.. أيضاً هذا ليس سراً.. فعلاً حدث ولا حرج..!!

في النصر وطول تاريخه.. نعم طوال تاريخه “إنني أعي ما أقول.. طوال تاريخه”.. لم يتقلد مسؤولية الأصفر أي رجل يدار من خارج أسوار النادي.. بعيداً عن كون الرئيس نافذاً أو ناجحاً أو قوياً أو فاشلاً.. هذا كله لا يهم.. المهم أنه هو صاحب القرار والمسؤولية ملقاة على عاتقه.. والريموت بيده.. لا بيد عمرو..!!

لكن لماذا السويكت.. وكيف جاء السويكت.. ومن أين جاء السويكت.. ومن الذي حطم شيئًا يتميز به النصر ثم رماه باتجاه الريح.. من فعل هذا بالنصر.. وهل كان النصر بالفعل بحاجة السويكت.. بحاجة التحطيم.. بحاجة الريح..؟..

أولاً هناك سعود آل سويلم.. رئيس منّى النصراويون أنفسهم باستمراره طويلاً لكن ما كل ما يتمنى النصراوي يدركه.. قدم موسماً نضالياً شرساً توجه بانتزاع لقب الدوري الاستثنائي واضعاً فيه الأصفر لأول مرة الأعلى قيمة سوقية.. تعمقت علاقة آل سويلم بالمشجع النصراوي الذي وجد فيه الرئيس الحلم.. قوي وذكي ولماح ومقتدر وصاحب حضور مناسب في الوقت المناسب.. أهدى آل سويلم النصر الدوري الأصعب.. وأهدى النصراويون هذا الرئيس الحب الكبير ولقب الشامخ.. أومأ آل سويلم بتلويحه الوداع.. كان قراراً صادماً.. قال لهم لن أستمر.. بدأ صيف النصر.. بدأت القلوب الصفراء تترقب اسماً جديداً يخلف واحداً من أهم رؤساء النصر في تاريخه.. صحيح أنه لم يُطل المكوث واكتفى بسنة.. “بعد سنة مش قبل سنة”.. سنة واحدة.. وهذا كفيل بتوتير الأوضاع.. خافوا من العودة إلى سنوات الضياع.. ومعهم حق.. تقدمت قائمة صالح الأطرم مدعومة من الأمير جلوي بن سعود.. بالطبع جاءت وكأنها معزومة من ضمن المعازيم.. كثير من النصراويين لم يأخذوا مسألة تشكيل مجالس إدارات على محمل الجد.. كانوا يأملون بتراجع آل سويلم عن قراره وكانوا أيضاً يخشون أن يأتوا بعده.. خلافة الناجحين تشكل أزمة وضغطاً لا يتوقف.. قائمة أخرى يقودها نصر النصر.. كان اسمه وحده يستحق التأييد.. رجل ليس معروفاً في الأوساط الرياضية ولا حتى النصراوية.. انسحب سريعاً.. وترك أرض المعركة لمحاربين غيره.. قائمة ثالثة ضمت عدة وجوه أكاديمية يتقدمها الدكتور إبراهيم العثمان حاولت حشد تأييد ومساندة بعض أعضاء الشرف البارزين.. أخذت وعوداً من بعضهم بالدعم ولاقت صدوداً من البعض الآخر.. كانت الأجواء ضبابية تماماً..

تواصلت شخصية نصراوية كبيرة مع وزارة الرياضة وطلبت تمديد مهلة الصراع الانتخابي.. استجابت الوزارة لأن هذا كان أحلى الأمرين.. لا تريد الوزارة الدخول في أتون التأجيل أو التكليف.. بعد أيام قلائل.. أيد الأمير منصور بن سعود قائمة يقودها عبد الرحمن بن سلمان الحلافي.. الشهادة الجامعية كانت شرطاً يمنع الحلافي من تولي الرئاسة..

جاء الحلافي ليتولى المهمة المعقدة خدمة للنصر مرة واحدة وخدمة لمصالحه الذاتية مليون مرة.. هذا ما أراه أنا.. هذا رأيي بعيداً عن شعارات القوميين العرب.. جاء الحلافي بحثاً عن شهرة، وجاء بحثاً عن وجاهة اجتماعية، وجاء بحثاً عن علاقات شخصية توفرها عادة الأندية الكبيرة للمنتمين إليها وبالطبع توفرها لرؤسائها وقادتها في المقام الأول.. هذا كله ليس مأخذاً وعيباً وحجة عليه.. يصلي المصلون طلباً للمغفرة.. مسألة أنه جاء فقط ليضحي بوقته وماله وأيضاً صحته من أجل النصر فيها تجاوز على المنطق والواقع والحق والحقيقة.. الحلافي نصراوي حقيقي.. يحب النصر حباً جماً.. يعرفه النصراويون ويخبرونه داعماً ومسانداً مع إدارات كثيرة.. يحسب للحلافي أيضاً موقفه الشجاع بالتصدي والتحدي بغض النظر عن أهدافه وطموحاته وأحلامه.. كونه جاء في هذا التوقيت العصيب وبعد آل سويلم فهذه فعلاً تحسب له.. أمامه الآن الخطوة الأولى التي يجب عليه تجاوزها والمتمثلة في البحث عن اسم جدير ليكون رئيساً للنصر.. رئيس بالوكالة طبعاً.. اختار عبد الله الزومان.. رجل نصراوي ومتعلم.. ليس معروفاً أبداً.. رفض أن يلعب دور المزهرية وأغلق الباب وطوى الملف من الصفحة الأولى..

وجد الحلافي صفوان السويكت جاهزاً وتتوافر فيه كل الشروط المطلوبة.. شروط الحلافي وليست شروط النصر.. رجل مسالم وطيب وليس ملماً بخفايا الأندية وتربطه به صلة القرابة.. أمهاتهما شقيقتان.. متعلم وهادئ الطباع ومتصالح مع ذاته.. ليس صدامياً أو مزعجاً ويمكن تماماً الاتفاق معه والوثوق به والسيطرة عليه.. وافق صفوان على الصفقة.. سيكسب الشهرة وسيقتحم الأضواء وسيتردد اسمه في الآفاق.. لن يدفع ريالاً واحداً “الشهرة مقابل الشهادة”.. صفقة رابحة.. كان يتابعه في تويتر قبل أن يدخل النصر أقل من 3 آلاف مغرد.. بعد النصر تجاوزت واحدة من تغريداته 10 آلاف رتويت.. إنه النصر الذي لا يعرفه السويكت..!!

قبل موعد الانتخابات وسباق الأصوات بيومين انسحبت القائمة الأكاديمية بقيادة الدكتور إبراهيم العثمان.. تبقى الحلافي والسويكت لينافسا الأطرم المدعوم من الأمير جلوي بن سعود.. حاول الحلافي جاهداً أن يعيد العثمان للانتخابات.. لا يريد أن ينتصر على منافس ضعيف مثل الأطرم فقط.. يريد أن يكون بطلاً متوجاً ويكسب أصوات المصوتين أمام قائمة على الأقل تملك رمزية الدراسة من حملة الشهادات العليا لكن قائمة العثمان أصرت على المغادرة تمهيداً لفوز الحلافي بالنصر المبين..!!

فاز صفوان وقائمته وباكتساح كبير كما هو متوقع وشكلوا مجلس الإدارة.. سلمان الحلافي “خاله عبد الرحمن”.. فهد الطيار “ولد خالة عبد الرحمن”.. عبد الرحمن الشهري “أحد أصدقاء هشام السويكت شقيق صفوان”.. ناصر الجميد “تجمعه علاقة اقتصادية مع عبد الرحمن”.. هناك أسماء أخرى في التشكيل.. بدت إدارة النصر ولأول مرة في تاريخه وكأنها شلة استراحة عائلية وأصدقائهم.. فيما بعد ظهر في العمل النصراوي الإداري من خارج مجلس الإدارة اسمان مهمان هما أحمد المديد وإبراهيم السويكت.. هؤلاء أبناء عم صفوان.. حتى الآن ليس هناك ما يدعو للريبة.. المديد والسويكت شقيقان.. لماذا دخلا في النصر للعمل الاستثماري باسمين مختلفين رغم أنهما شقيقان..؟!

هذا سؤال يجب أن نتوقف عنده.. وقفة الباحث عن الحقيقة بعينين متوجستين تمتلآن بعلامات الاستغراب.. أحمد وإبراهيم السويكت.. فما الذي جعل أحمد يتخفى وراء اسم المديد ويزيح اسم عائلته المتعارف عليه؟.. بعض الأسئلة لا تحتاج إجابات.. يكفي طرحها.. يكفي توجيهها حتى وإن طارت الطيور بأرزاقها..!!

مضى صفوان في البدايات كما خطط عبد الرحمن.. لا يتدخل ولا يصدر القرارات ولا يتعمق في شؤون النادي التي توكل عادة للرؤساء.. يحضر صفوان للنادي بشكل يومي.. أعجبته التدريبات والصور والتعاطي مع أجواء الشهرة المستجدة عليه..

أقام عبد الرحمن في استراحته الواقعة بحي الربيع حفل عشاء جمع فيه أعضاء شرف النصر.. لم تكن هذه الدعوة للأمانة لتحقيق أي غاية سواء دعماً مالياً ولا حتى معنوياً.. أراد منها الحلافي فقط أن تكون جلسة تعارف ومودة بين أعضاء الإدارة الجديدة ووجوه نصراوية معروفة.. صفوان السويكت رجل قادم من سفوح المنابر.. إمام وخطيب مسجد جامع ومن منابر الجمعة اكتسب موثوقية الانبراء أمام الحشود.. بعد أن تناول المدعوون العشاء فاجأهم صفوان بكلمة محفوفة بلغة بعيدة تماماً عمّا يقوله الرياضيون.. فيها أدبيات لا تمت لأجواء منافسات كرة القدم بصلة.. هذا شيء سمعته بنفسي من أحد حضور الحفلة الحلافية.. لم يشعر عبد الرحمن نفسه براحة تامة بعد خطاب صفوان وتأثيره على أسماء نصراوية خبيرة بدهاليز الصراع الكروي.. بعدها بأيام سجل صفوان أول ظهور علني أمام الجماهير وكان في ملتقى بيبان حاضراً بجانب عدة أسماء رياضية من بينها خالد البلطان رئيس الشباب..

البلطان رجل مفوه ويعرف أسرار الاقتصاد وأسرار الرياضة.. العلاقة النصراوية الشبابية تمر بأسوأ مراحلها.. يبدو أن صفوان نفسه لم يعي تلك الحساسية والخلاف بين الناديين.. وجه مدير الجلسة الحوارية التي حملت عنوان “الاستثمار الرياضي نحو مجتمع ريادي وحيوي” سؤالاً للسويكت عن الحوكمة.. تلقف البلطان السؤال وقال: “احنا سابقينهم”.. يريد مناكفة النصر كالعادة.. لم يتوقف البلطان عن الكلام.. راح بعيداً ووصف النصر بالشقيق الأصغر.. التزم السويكت الهدوء.. ورد بعبارة: “الجمهور هو الحكم”.. ثم راح يتحدث عن الحوكمة والتنظيم الإداري.. أعطاه البلطان كتفاً قانونياً.. وترك السويكت يوزع ابتساماته المصفرة.. يبدو أن البلطان كان يعرف طبيعة السويكت ولهذا قال ما قاله.. بعد نهاية المؤتمر اعترض أحد مشاهير السناب شات طريق البلطان ليسأله عن العقار والبناء كما يقول هذا المشهور فقال له البلطان: “رح اشتغل”، ثم مد يده اليسرى مزيحاً كاميرا الجوال وأكمل طريقه في إشارة واضحة لرفضه الكلام مع ذاك المشهور الذي التقى بالسويكت أيضاً وطرح عليه عدة أسئلة.. من بين أسئلته أنك يا السويكت قد يصعب عليك العمل بالأندية.. وأنت بلا خبرة سابقة.. قال السويكت إن إدارة النادي مثل إدارة أي شركة.. هكذا قال.. بحسب مفهوم السويكت إدارة نادي مثل النصر لا تختلف عن إدارة شركة دواجن أو محل حلويات أو محطة وقود..

ذكّره المشهور بالضغوط والجماهير والنقد المستمر.. قال السويكت: “هذا نتعامل معه بسياسة الضغوط”.. هذا مصطلح جديد على قواميس الرياضة والرياضيين.. كما هو السويكت نفسه جديد على الرياضة والرياضيين..

راح السويكت ينصح الشباب بالإقدام على الجرأة بتغيير أعماله لمن أراد.. كان يبرهن فقط إلى كونه قادماً من خارج الوسط الرياضي إلى قيادة نادي النصر..

لو قال السويكت ما يجب ويفترض قوله لاختصر الطريق.. لو قال إنني جئت لأن عبد الرحمن ما معه شهادة لكان أصاب كبد الحقيقة.. هو الضوء الذي يفاجئك ويجعلك تقول شيئاً آخر.. سامح الله الضوء وسامح الله الضوضائيين..!!

تسارعت الخطى داخل النادي العاصمي الشاهق.. كان عبد الرحمن متكئاً على الدعم الوزاري للأندية.. لكن وصله أكثر مما توقع.. خالد بن فهد يعود مجدداً لدعم عشقه الكروي الكبير.. خالد بن فهد داعم للنصر منذ ثلاثين عاماً.. ينقطع بين حين وآخر ولكل انقطاع حكاية يطول شرحها..

هذا هو النصر.. وهذا كان رئيسه ورؤساؤه

عاد خالد بن فهد وليس بالطبع عن طريق الحلافي أو غيره.. لا يحتاج خالد بن فهد إلى وسيط بينه وبين النصر.. أبداً.. أبداً.. عاد حينما عرف أن النصر بحاجته.. عاد وهذا كل شيء.. بعودة خالد بن فهد متكفلاً بصفقات مليونية فلكية بدأ العمل الاستثماري داخل النادي يأخذ اتجاهاً مغايراً.. الصفقات سيتكفل بها الرمز كما ينادي النصراويون خالد بن فهد.. النادي يعيش فراغاً استثمارياً يجب استغلاله.. أوكل عبد الرحمن الحلافي المهمة للنصراوي المعروف مشعل السفاعي.. معروف في الأوساط النصراوية.. متخصص بالإدارة والتسويق.. عمل وإن بطريقة ليست مباشرة مع فيصل بن تركي.. خطوة كهذه كانت أشبه بسقوط أطراف المعبد.. قبل أن ينهد المعبد بأكمله على رؤوس ساكنيه.. مبكراً اتضح أن صفوان والسفاعي لن يكونا على وفاق.. بالنسبة للسفاعي يعرف أن الأمر كله عند عبد الرحمن.. ما دام معايا القمر مالي ومال السويكت.. بهذه الرؤية وافق السفاعي على تولي ملف الاستثمار وبدأ يعمل.. السويكت يعرف تماماً أن هذا الملف هو الأهم في المنظومة النصراوية.. كلف المديد وإبراهيم السويكت (الشقيقان) بالإدارة الاستثمارية.. هنا وقع التضاد القاتل وازدواجية الأدوار المدمرة..

هنا دبت الخلافات ولاحت في الأفق البعيد ليالي الفراق الموجعة.. أنشئت عن طريق عبد الرحمن شركة تحمل اسم “العالمي الأول”.. يهدف منها ظاهرياً التنظيم الاستثماري لتكون واجهة لتطبيقات النصر.. فكرة الشركة أشعلت الخلاف الصريح.. يريدون اقتسام جلد الدب قبل اصطياده.. فشلت الروابط العائلية والعلاقة الأسرية العميقة في ترميم الجدار المنهار..

شيء واحد لا يعود إلى مكانه مرة أخرى.. الثقة.. الثقة.. لا شيء غيرها.. هذه حينما تهتز فإنها تصبح كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف..!!

استقال الحلافي عقب خسائر كروية متتابعة وخرج من المشهد منكسراً.. دفع ثمن اختياراته.. خسر النصر.. خسر ابن خالته.. وخسر أحلامه.. في الضفة المقابلة توهم السويكت أن الساحة أصبحت خاوية على عروشها ويمكنه الآن أن يتحول النصر بيده إلى لعبة بلايستيشن.. اصطدم مع بغلف واصطدم مع الدكتور عبد الله الدخيل واصطدم مع السفاعي في الشهر الأول من انفراده بالقرار..

حول النصر إلى أرض معركة تسبح فوق بحر من الألغام.. غرق النصر بقضايا كان يمكن حلها ببساطة.. مديونية مرعبة.. أجواء مكهربة.. ومستقبل مظلم مجهول.. تتسارع الأحداث مرة أخرى.. تتدخل الوزارة بحزم وقوة وسيادة.. ويسدل الستار عن حقبة السويكت.. حقق النصر في عهدته سوبرين.. واستحوذ على ملعب مرسول بارك.. وضم نجوماً تساوي الملايين.. هذا ما سيكتبه التاريخ.. أما ما يعرفه الذين عندهم علم من أهل النصر.. فيعرفون أن بعض اللاعبين الذين اختطفهم النصر لا يعرفهم السويكت إلا كما تعرف الشمس الحارقة عازف الليل.. وهذا لا يعيب اللاعبين ولا يعيب السويكت.. أما الملعب فتلك قصة يمكن أن تروى لوحدها دون أن نقحم صفوان في تفاصيلها حتى لا تتعكر الحقيقة وأبناء عمومتها.. الأكيد أن الملعب وكيف وصل لأحضان النصر فهي صفقة ليس للسويكت فيها ناقة أو جمل.. له فيها حفلة توقيع وزع فيها الابتسامات المعتادة والتقطته فلاشات المصورين والسنابيين.. وهذا بالطبع من بنود الاتفاق الأول.. واللي ماله أول ما له آخر..

الملعب يحسب كمشروع للنصراوي محمد الخريجي.. البقية وعلى رأسهم السويكت هوامش على دفتر الصفقة والمفاوضات..

هناك زاوية أخرى مظلمة لم يتنبه لها أحد من النصراويين.. ربما تجاهلوها وانشغلوا فقط بما سيفعله الرجل بناديهم.. السويكت فعلاً ليس رياضياً بالتوجه التقليدي لكنه كان على ما يبدو قبل الاتفاق مع الحلافي أقرب للهلال من النصر.. أقصد كميول وارتباط وجداني.. نعم السويكت ليس كروياً أبداً أبداً.. لكنه أيضاً ليس نصراوياً مهتماً بالتفاصيل الاعتيادية.. أشقاؤه هلاليون.. شقيقه الأصغر عبد الله مثلاً هلالي محب وعاشق للأزرق.. كل الذين سألتهم عن ميوله قبل وصوله للنصر ليس لديهم إجابة.. لكنهم اتفقوا على أن علاقته بالرياضة ليست على ما يرام قبل النصر..

انتشر للسويكت مقطع يتكلم فيه عن السيل القادم.. وأبشروا بالخير.. كلام ثقيل وكبير ويدعو للتفاؤل والترقب والانتظار.. عن أي سيل كان يتحدث.. السويكت رجل طيب أقحم داخل سراديب كان في غنى عنها وكان النصر أيضاً في غنى عنه.. لكنها الأقدار..!!

في مباراة النصر أمام الاتحاد.. عاد السويكت كرئيس سابق يتابع مع ثلة من أعضاء الشرف.. اللقاء من أرض الملعب.. هذا الملعب الذي يظن الظانون أن السويكت العقل المدبر في الاستحواذ عليه.. هذه مظلمة للنصر ومظلمة للخريجي ومظلمة للتاريخ والجغرافيا ومظلمة للسويكت..

بعد خسارة النصر لم يخرج السويكت مسرعاً مطلقاً لسيارته المرسيدس الفارهة العنان لتتحدى الريح كما كان يفعل إبان رئاسته مع كل خسارة.. طبعاً لم ترصده الكاميرا ولم تلاحقه السنابات.. خرج بهدوء القادمين إلى بلاد غريبة.. كان هناك مشجع نصراوي متأزم من الهزيمة.. يتابع صفوان ويسأله.. سؤالاً قديماً لم تتمخطر إجابته حتى هذه اللحظة.. بربك هل استشعرت الغربة وأنت تسارع الخطى في دخولك نادي النصر لأول مرة..؟!

هل تعرف السبب وراء خسارة النصر الغريبة اليوم بثلاثية الاتحاد يا صفوان..؟

أيكما الأكثر غرابة عن الآخر أنت أم النصر..؟

عفواً.. أعيد السؤال بطريقة أكثر وضوحاً.. هل تعرف النصر يا صفوان.. هل كونك صرت في عداد رؤساء النصر أمراً طبيعياً وليس غريباً ويمكن أن يناله كل من يريد تغيير مهنته ووظيفته كما قلت للسنابي الشهير في الملتقى الاقتصادي؟..

ارتد للمشجع المغلوب على أمره بصره وبصيرته.. فصرخ داخل روحه.. هذا النصر أنا أعرفه وأخبره وأبخصه أكثر منك يا صفوان..

عاد المشجع ووجه سؤالاً شعبوياً.. هل جئت هذه المرة للنصر لوحدك دون مساعدة صديق أو ابن خالة؟..

هل استدلت سيارتك المرسيدس على ملعب مرسول بارك لوحدها..؟

سؤالي الأخير يا صفوان.. وبعد فوات الأوان.. يا صفوان.. أين عبد الرحمن؟!

رابط المصدر

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى