الاقتصاد

سياسات 2020 الاستثنائية لا تصلح.. متى تغير البنوك المركزية رأيها؟

سياسات 2020 الاستثنائية لا تصلح.. متى تغير البنوك المركزية رأيها؟

لماذا تجد البنوك المركزية صعوبة في القيام بعملها؟ هناك رأي شائع بأن السبب في ذلك يعود إلى كونها بلهاء. الأشخاص الذين يؤكدون ذلك يصرون على أن البنوك المركزية بحاجة إلى إبقاء أسعار الفائدة متوافقة مع معاييرها التاريخية. هذا خطأ، لأن المعايير التاريخية ليست ذات صلة. الأسئلة المطروحة، لماذا وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى اقتصاداتنا ؟
كتب عاطف ميان، ولودفيج ستراوب، وأمير صوفي ورقة في مؤتمر جاكسون هول حول السياسات النقدية في 27 آب (أغسطس) تبرز هذه القضية. توصلت إلى استنتاج، تم اقتراحه بالفعل في عملهم السابق، التفسير الرئيس لانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية كان ارتفاع عدم المساواة وتزايدها وليس العوامل الديموغرافية، مثل سلوك الادخار لجيل “طفرة المواليد” على مدى حياتهم، كما جادل البعض.
يبدأ التحليل بتقديرات “معدل الفائدة الطبيعي” الحقيقي، وهو مفهوم يعود إلى كنوت ويكسيل، خبير اقتصادي سويدي. أوضح أن معدل الفائدة الطبيعي يوازن بين الطلب والعرض في الاقتصاد، وهو ما يظهر نفسه في استقرار الأسعار. المذهب الحديث لاستهداف التضخم انحدر من هذه الفكرة. مع ذلك، فإن تقديرات هذا المعدل بالنسبة إلى الولايات المتحدة تظهر بشكل حاسم انخفاضا من نحو 4 في المائة قبل أربعة عقود إلى نحو الصفر الآن.
هذا الانخفاض يحدث في دول أخرى ذات دخل مرتفع، كما هو متوقع، في اقتصاد عالمي مفتوح، يجب أن تتقارب أسعار الفائدة الحقيقية المتوازنة. بحسب ما تشير ورقة البحث أيضا، فإن التراجع “يثير مخاوف تتعلق بالركود المزمن، ويشكل خطرا يهدد فقاعات أسعار الأصول، ويعقد السياسة النقدية”. في الواقع، يعد هذا جزءا كبيرا من السبب الذي دفع البنوك المركزية إلى القيام بعمليات شراء ضخمة للأصول في حالات الأزمات، كما الحال الآن.
تتمثل نقطتهم الرئيسة في أن معدلات الادخار تختلف كثيرا حسب الدخل ضمن الفئات العمرية أكثر من اختلافها عبر الفئات العمرية. الاختلافات كبيرة أيضا، في الولايات المتحدة، فإن معدل ادخار أعلى 10 في المائة من الأسر من حيث الدخل يراوح بين 10 و 20 نقطة مئوية أعلى من معدل ادخار أدنى 90 في المائة من الأسر من حيث الدخل. بالنظر إلى هذا الاختلاف، أدى التحول في توزيع الدخل نحو الأعلى حتما إلى زيادة الميل العام للادخار. تفسيرا لتزايد نزعات الادخار وانخفاض سعر الفائدة الحقيقي، فإن تحول جيل طفرة المواليد إلى جيل منتصف العمر لا ينجح، لأن زيادة المدخرات كانت مستمرة في حين أن تأثير التحول الديموغرافي على سلوك الادخار لم يكن كذلك.
على المستوى الإجمالي، يجب أن تتطابق المدخرات مع الاستثمار. إذن ماذا يحدث عندما يصبح الأغنياء أكثر ثراء ويحاولون ادخار مزيد من الأموال؟ يجب أن تنخفض أسعار الفائدة. اتضح أن تأثير هذا في الاستثمار التجاري ضعيف للغاية. في الواقع، كان الميل إلى الاستثمار ضعيفا بصورة مزمنة، ويعود ذلك جزئيا إلى أسباب ديموغرافية. لذلك كان لا بد أن تأتي التعويضات إما من العجز المالي المستمر وإما من زيادة إنفاق الأسر ذات الدخل المتدني التي تشكل 90 في المائة. كلاهما تغذيه الديون، في حين أن الأخيرة مدعومة أيضا بفقاعات أسعار الأصول، خاصة في أسعار المنازل. بينما تسعى البنوك المركزية إلى خفض المعدل الفائدة الطبيعي، فإنها تقود كلتا العمليتين. ولكن، مع ارتفاع نسب الديون، تستمر معدلات الفائدة الطبيعية في الانخفاض بشكل أكبر، حيث يصبح المثقلون بالديون أقل جدارة ائتمانية من أي وقت مضى.
الاعتراض على هذه الحجة هو أنها تتعلق بدولة واحدة فقط، مهما كانت أهميتها. لكن الاتجاه نحو مزيد من عدم المساواة في الدخل تشترك فيه جميع الاقتصادات الكبرى تقريبا، بما في ذلك الصين على وجه الخصوص. في الواقع، ظهر فائض المدخرات لبقية العالم أيضا في عجز مستمر في الحساب الجاري للولايات المتحدة. الحاجة لتعويض هذا الأخير جعلت مهمة الاحتياطي الفيدرالي أكثر صعوبة.
يجب أن ينظر إلى الأزمة المالية في الفترة بين 2007-2012 على أنها نتيجة لهذه العمليات، التي تم حلها في ذلك الوقت عن طريق إنقاذ النظام المالي، وتشديد اللوائح التنظيمية، ومضاعفة معدلات الفائدة المنخفضة عبر منحنى العائد. كانت أزمة كوفيد غير متوقعة كصاعقة من السماء، لكن الاستجابة كانت متشابهة، ولكن على نطاق أوسع. إضافة إلى ذلك، هذه المرة، أدت الزيادات الهائلة في احتياطيات البنك المركزي إلى زيادة المجاميع النقدية الأوسع نطاقا. بالتالي، ليس من المفاجئ أن يؤدي الجمع بين الاضطرابات في جانب العرض والطلب القوي اليوم إلى حدوث تضخم “مفاجئ”.
فكيف يمكن أن تتطور القصة؟ لا يوجد سبب قوي لتوقع انعكاس اتجاه عدم المساواة في الدخل، وهو المحرك الأساس لفائض المدخرات اليوم، على الرغم من أنه قد يستقر. هناك سبب ممتاز لحدوث ازدهار استثماري ضخم، لاسيما التحول المناخي. لكن هذا لن يحدث دون صنع سياسات بطريقة متسقة وحازمة وذكية وواعية على الصعيد العالمي، وهو أمر لا يمكننا توقعه، على الرغم من أننا قد نأمل. لذلك، على المدى المتوسط إلى الطويل، من المرجح أن يعود الركود المزمن، ما لم ينخفض التفاوت في الدخل.

سياسات 2020 الاستثنائية لا تصلح.. متى تغير البنوك المركزية رأيها؟

من الصعب قراءة المدى القصير، ولكن إذا سار بشكل خاطئ، سيكون هذا أمرا مزعجا، ربما حتى على المدى المتوسط. في خطابه في جاكسون هول، أكد جريمي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أن كل شيء تحت السيطرة. لكنه سيقول ذلك. في الواقع، فاجأ الارتفاع في معدل التضخم الجميع تقريبا. يجب أن يكون الأمر المثير للقلق أن صدمات ارتفاع الأسعار تستمر ثم تنغمس في التوقعات، التي لن ينعكس اتجاهها بعد ذلك إلا من خلال فترة ارتفاع معدلات الفائدة على المدى القصير بشكل ملحوظ. وهذا من شأنه أن يتسبب في حدوث ركود تضخمي، ما قد يوجد معضلات مؤلمة للبنوك المركزية وسيتسبب بالتأكيد في مشكلات مدمرة للمقترضين الأضعف، خاصة الاقتصادات الناشئة المثقلة بالديون على سبيل المثال لا الحصر.
لم يعد من الممكن تبرير السياسات الاستثنائية لعام 2020. بالنظر إلى أسعار الفائدة قصيرة الأجل شديدة الانخفاض اليوم والسياسات المالية الداعمة، من الصعب أن نرى سبب استمرار عمليات شراء الأصول الكبيرة أيضا. لدينا ما يكفي من المال اليوم ويجب أن ترتفع عائدات السندات قليلا. عندما تتغير الحقائق، يجب على البنوك المركزية أن تغير رأيها. لقد حان الوقت الآن.

 

المصدر:الاقتصادية

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى