الحدث الثقافي

صعيدي أتعب الموساد

صعيدي أتعب الموساد

التقوه مصادفة، وجدوا فيه كل مقومات الجاسوس القادر على جلب الأخبار – حتى لو كانت بسيطة- أدهشتهم عفويته وأعجبتهم لكنته الغريبة على المسامع والتي تثير الإعجاب والضحك أحيانا، وظفّوه ولم يكلّفوه بالمهام ولكنهم وضعوه تحت المراقبة لستة أشهر مع وعد أن يرسلوا له مندوبا في مكانه بالصعيد بعد انقضاء المدّة .

«دردس» بلهجة أهل الصعيد هو جرجس بلهجة بقيّة مناطق المحروسة ، حكايته تحمل من الطرافة الشىء الكثير بل نراها عنوانا جميلا للبساطة والعفويّة التي تحاكي السلاح -إن جاز الوصف- وربما تزيد عنه قوة .. كيف بدأت قصته وكيف انتهت ؟ ماذا فعل حتى أتعب الموساد وأعطب أحلامهم التي حسبوها رابحة . ماذا قدّم درس في صمت دون أن يتباهى ببطولة أو ينشد مكانا على محافل الاحتفاء.

في صعيد مصر الجميل بطباعه يوجد من «دردس» كثيرون ، أناس يعيشون الحياة بقانون جميل ، قلوبهم متصالحة مع الحياة كما أرزاقهم تركوها وديعة معلقة بيد الرحمن ، أحلامهم بسيطة وأمانيهم فقيرة ، يدخلون الدنيا من بوابتها النقيّة وربما يخرجون من ذات البوابة.

سافر دردس إلى القاهرة – المدينة المليئة بالصخب والضوضاء والزحام – وهناك كان اللقاء مع مندوب الموساد الذي أدهشه جلباب دردس المتسع وشاربه الكبير وعمّة رأسه وطريقة حديثه وجرأته ومنطقه الفريد في التعامل مع كل قضية يطرحها أمامه ، لحظتها قرر مندوب الموساد أن يكون « دردس» ضالته المنشودة ، لم يستخدم المندوب أسلوبا التفافيا مع «دردس» بل آثر أسلوب المكاشفة وأخبره باختياره – دون غيره – للعمل جاسوسا ضد مصر لقاء مبلغ كبير لا يتقاضاه خمسة وزراء بمصر مجتمعين،

ومع جرأة المندوب كان الغريب رد دردس بالموافقة السريعة دون توقف منه أمام المهمة والتفاصيل ،سارع المندوب بالحديث : لا شىء مطلوب فقط ، سنتفق فقط على كلمة سرّ لا يعرفها أحد إلا أنا وأنت ومن بعد اذهب كما شئت فسيأتي يوما لنلتقى ، يومها ستعرف التفاصيل ،

صعيدي أتعب الموساد

أخذ دردس « عربون الدفعة الأولى « وكانت كلمة السرّ المتفق عليها بينهما « إزي أمك « مع تأكيد مندوب الموساد على ميثاق العمل «السريّة السريّة السريّة» مُستطردا بالقول: لا تتكلم في أي شىء يادردس حتى مع أقرب الأقربين لك ..هذا هو الميثاق .

أبلغ مندوب الموساد قيادته بأنه وجد الرجل المناسب للمنصب المناسب ، رجل بسيط يتجاوز الخطوط الحمراء بعفويّة ، لايعرف الممنوع ، لايخاف ولايهاب ، سريع القرار ، شهم الطبع والخصال ، حفظ كلمة السرّ في رأسه ، وحفظ الميثاق أيضا وينتظر المهام سريعا .

سعدت الموساد ببشرى توظيف «دردس» فهم في حاجة – حقا – لرجل بهذه الخصال. وبدأ تجهيز المهام لدردس.

ذهب دردس للصعيد سعيدا بالدفعة الأولى وبدأ يخطط لشراء أرض وبناء عمارة ، حفظ كلمة «ازي أمك» كأسمه تماما وردد الميثاق في رأسه.

ستة أشهر مضت وحضر مندوب جديد للموساد إلى الصعيد بغية الالتقاء بـ «دردس» وترتيب مهام العمل ،

نزل المندوب القرية – حسب الخريطة التي مُنحت له – فأعجبته المزارع الخضراء وقطعان البقر والجاموس – ثروة قرى مصر وكنزها الغالي ،وأدهشته بساطة الطرق الترابية غير المُعبدة واعتلاء الرجال ظهر الحمير والمنازل الطينية التي تتساوى في طرازها مع قليل من العمائر الجديدة.

وعند مكان العمارة أوقف المندوب أحد العابرين ليسأله عن الأستاذ دردس فرد الآخر أىّ دردس تريد ؟ ففي العمارة تسعة دردس . هنا وقع مندوب الموساد في حيرة فما كان منه إلا اللجوء للصدفة بطرق باب أيّ شقة ربما يمنّ عليه الحظ بلقاء الهدف .

طرق المندوب الباب ففتح له صاحب المنزل فقال : «إزيك يادردس وإزي أمك» فأجابه الرجل ( آآآآه أنت عايز دردس الداسوس في الدور الخامس )

أبلغ دردس أهل القريّة بوظيفته جاسوسا بالموساد ولم يكتف بذلك بل أذاع كلمة السرّ وجعلها مشاعا للجميع ، لم يكترث بالسريّة وإنما رأى الوظيفة بعين البشريّات ولم تعنيه كلمة السر فليس بينه وبين أهل قريته أسرار .

دردس .. بطل لقصة تحكي البساطة وتردّنا إلى العفويّة التي تتحول عند الطيبين إلى درع و سلاح دون أن تتحصن بالدرع أو تُمسك السلاح

لا تتباهوا كثيرا بذكائكم فنقيضه قد يكون أقوى، ولا تتشدقوا بالشطارة والفهم، فـ» غلطة الشاطر بعشرة وللطيبين حصانة ربانية.. اسألوا « دردس «.

**

القصة ليست حقيقية وإنما هى نسيج درامي من الموروث الفكاهي المصري وظفته السينما كثيرا لتحكي به عبقريّة الطيبين.

لمعرفة المزيد عن صعيد مصر :

صعيد مصر ويسمى أيضا بالوجه القبلي (أي الوجه الجنوبي) أو مصر العليا (سميت بالعليا بسبب علو وارتفاع أراضيها عن مستوى سطح البحر مقارنة بمصر السفلى) ويطلق عليها أيضا اسم وادي النيل هي منطقة تمثل الجنوب من مصر أو الجزء العلوي من أراضي نهر النيل في مصر.[1] تمتد هذه المنطقة من مركز أطفيح في جنوب الجيزة شمالاً حتى أسوان جنوبًا وإلى الحدود مع السودانوشرقاً بمحاذاة البحر الأحمر، وتمثل الجزء الأسفل من خريطة مصر. وفِي اللغة العربية الصَّعِيدُ هو المرتفِعُ من الأرض، ومنه اشتق اسم صعيد مصر ، ويطلق على سكان تلك المنطقة لقب الصعايدة.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى