الرياضة

مع الهريفي.. فيلم واحد لا يكفي!

مع الهريفي.. فيلم واحد لا يكفي!

أنت وأنا وغيرنا.. جميعًا بلا تمييز أو استثناء.. كلنا من أولنا إلى آخرنا.. جميعنا عن بكرة أبينا نعرف أنفسنا.. نعرفها عز المعرفة.. وهذا الكلام الذي لا يستحق الذكر لكنه يقال من باب التذكير والذكرى تنفع المؤمنين.

بسهولة يمكننا الكلام عن أنفسنا لكن الصعوبة هل سيصدقنا الناس.. الأكثر صعوبة كيف يراك الناس لا كيف ترى نفسك؟!

بين حين وآخر أتناول هنا وعبر قصة صحفية متعمقة ما أرى بأنه أهم ما يدور حولنا.. وما أريكم إلا ما أرى..!!

منذ أسابيع وفهد الهريفي يتصدر واجهة الأحداث من خلال آرائه المتوترة والمتواترة عن النصر.. الكلام الذي يقوله فهد ليس هو الذي جعل الأضواء تحوم حوله.. لكن هذه الأضواء تدور وراء الهريفي نفسه لأنه وكما قلت لاعبًا استثنائيًا كبيرًا.. وإنسانًا تتفلت بجانبه أسئلة ليس لها إجابات محددة وواضحة وهنا بالتحديد تكمن الحكاية الناقصة التي يمكن ملامسة إجاباتها إذا كانت الحقيقة آخر شيء نسعى للوصول إليه.. في محاولتي الأولى ابتغيت الخوض في أحداث وحقائق شهدت عليها الأيام.. لهذا لن أبقى هذه المرة أسيرًا مكبلاً بأغلالها.

وعندما تكون الحقيقة في أسوأ حالاتها فليس أمام الهريفي وأمامنا سوى الاتجاه سريعًا إلى الخيال.. أحيانًا يكون هذا الخيال هو وحده القادر على نقلنا إلى واقع الأشياء.. الخيال والحقيقة لقاء أضداد لا ندري أين سيذهب بنا.. في أرشيف الأفلام قد نجد مبتغانا ونجاتنا.. نجد ما نسلي به أنفسنا ثم نقول بكل براءة.. هذه دروس الحياة.

اخترت ثلاثة أفلام في حقبة زمنية واحدة.. لعل هذه الأفلام وأصحابها يمدون لنا يد العون ويعينوننا على فهم أنفسنا ورؤية الصورة القاتمة بكل وضوح.. شاهد الناس هذه الأفلام فيما كان الهريفي يستعد للانطلاقة في عوالم اللعبة الشعبية الكبيرة وتسجيل اسمه موسيقارًا استثنائيًا يعزف الفن الكروي على أنغام تؤكد قدوم موهبة ثابتة لا تعرف تقاسيم النشاز.

احتجت هذه الأفلام بالذات لأن فيها ما يكفي لوضع النقاط التائهة على الحروف المرتبكة لعلها تكون خارطة طريق يهتدي بآثارها ولو بعد حين.. ثلاثة أفلام دفعة واحدة.. لأن فيلم واحد سيخفق ويفشل في لملمة ما يحتاجه الموسيقار حتى يعرف أن كل ذاك العزف المطرب ربما يتوارى ويختفي تمامًا عندما تختلط عليه الأوراق المتناثرة في الفضاءات المفتوحة على كل لسان وعلى كل حال.

فهد الهريفي لاعب كرة قدم سعودي شهير.. اعتزل قبل عقدين تقريبًا.. وأنا أمتهن الصحافة.. هي مهنتي وقدري ووظيفتي.. هناك كثر من الجهلة الذين لا يعون ولا يعرفون ولا يفهمون طبيعة هذه الصنعة وعلاقتها بالوجه الحقيقي مع الحياة دون دجل أو كذب أو تزييف.. إنها مهنة الحقيقة الصامدة التي صنعت حضارية الإنسان.. ولو أكرمني الزمن وجلست مع الهريفي لتكلمت معه عن نفسي.. وعن هواياتي وعن رغباتي.. ونزواتي.. وعلاقاتي حتى مع الشيطان الرجيم.. وسأعترف له بصدق ووضوح عن حبي الكبير للفيلم السينمائي الخالد.. “أنا لا أكذب ولكني أتجمل”.. حول قصة كتبها العملاق إحسان عبد القدوس وجسدها العبقري أحمد زكي وذلك عام 1981.

وإذا كان الهريفي لم يشاهد الفيلم فبالتأكيد سأنصحه نصيحة أخوية بالحرص على البحث عنه ومتابعته والتمعن بالفكرة وأخذ العبرة والعظة من ذلك العمل السينمائي الخلاب.. وإذا طال المقام مع الهريفي ووجدته لطيفًا سمحًا متقبلاً لنصائحي وتعليماتي وإرشاداتي فسأقدم له أفلامًا أخرى يستحق من مثله مشاهدتها لأنها قادرة على تغيير أفكاره إلى الأفضل بشرط أن يستوعبها ويدرك أهدافها ومقاصدها.. والله من وراء القصد.

وأول عمل سأنصح الهريفي به التسمر أمام الشاشة قرابة الساعتين للتعايش مع أحداثه الصاخبة فيلم “الشيطان يعظ” والذي استقبلته دور السينما في نفس عام “أنا لا أكذب لكنني أتجمل”.. وفي هذا الفيلم يتصارع الأشرار داخل حواري قديمة استعراضًا لقواهم ونفوذهم دون تحسب للعواقب والنتائج وخواتيم الأمور والفيلم مأخوذ عن رواية لكاتب نوبل نجيب محفوظ وتشارك فريد شوقي وعادل أدهم ونور الشريف في بطولته المثيرة. وسأحذر الهريفي بطريقة جادة وحازمة وصادقة بعدم الإفراط والانكباب على أفلام عادل أدهم بالذات لأنه شخصية نزقة ومتلاعبة تحاول دومًا شرعنة الأخطاء والتجاوزات انتصارًا لفرضية البقاء للأقوى دون أي اعتبار لهذه القوة أكانت باطلة أم حقًا أُريد به باطل.. وهناك فيلم آخر يستوجب على الهريفي ومن مثله مشاهدته أيضًا بعنوان “عصر القوة” ويحكي قصة صراع عائلي تتداخل وراء أحداثه مؤامرات القتل وتزوير الشهادات والانتقام الرخيص.. وهذا عمل اعتبره النقاد الفنيين أفضل وأهم ما قدمته نادية الجندي.. وبالتأكيد سأحذر الهريفي أيضًا من متابعة أي أفلام أخرى لهذه الممثلة التي تنتهج في غالبية أعمالها ذات الروح العدائية اللاهثة خلف حكايات الاقتصاص والمجازاة فنادية الجندي سيدة المدامع المخادعة وأسطورة الإيماءات الماكرة.. اعتادت أن تقطع أيمانًا مغلظة وتحلف بكل شيء على الشاشة لتبرئ نفسها.. ثم أخيرًا سأنصح الهريفي بمشاهدة فيلم “سلام يا صاحبي”.. وهذا أحد الأعمال الشهيرة التي جمعت الثنائي عادل إمام وسعيد صالح وترتكز فكرته وقصته على كيف ينتصر الرجل لصديقه وكيف يكون وفيًا معه وكيف يحافظ عليه في حياته ومماته.. فلا يخونه.. ولا يغدر به.. ولا يشك بسلوكياته وتصرفاته وأخلاقياته.. إنه فيلم يحمل رسالة المصداقية والصراحة والأمانة والإخلاص.

وعندما أنتهي من نصائح الأفلام واختياراتها.. سأبحث عن زاوية أتوكأ عليها وأكتب شيئًا من خواطر تجول في خيالي.. سأتكلم بفوقية ونبرة فلسفية.. سأقول للهريفي.. في رسالتي المشرعة على كل الاحتمالات المكتظة بتجارب أعمارنا القصيرة وأيامنا المتعجلة وأعوامنا التي تترادف على رحاها معارك الحب والكراهية.. الصدق والأكاذيب.. كل شيء ونقيضه.. سأقول: “الوقت يشبه الإنسان يا فهد.. يشبه ملامحنا ويشبه طبائعنا ويشبه تقاسيم وجوهنا المتعبة ويشبه حتى رغباتنا وأحلامنا وطموحاتنا التي لن تتحقق، هناك في قائمة معارفك وأصدقائك والناس الذين مروا على ذاكرتك.. من يشبه صباحات الأعياد.. وجوه مستبشرة وضحكات لا تنتهي وتفاؤل وإقبال على الحياة بكل تفاصيلها.. هناك من يشبه أول ليلة وراء قضبان السجون.. حزن مكتظ بالألم والوجع والتشاؤم.. مصاب بكراهية الدنيا ومعاداة العالم، والبغضاء متغلفة في شقائق روحه ومشاعره الحاقدة على كل ما يمشي فوق الأرض.. هناك من يشبه الساعات الأولى وسط حراج شعبي في حواري البؤس والعوز والفقر وشظف العيش والشقاء.. لا أمل ولا آمال وإنما هي صرخات مضطربة على بضاعة مزجاة لا تغني ولا تسمن من جوع.. هناك من يشبه لحظات الغروب فتتصبغ جوارحه بالفقد والغياب وآثار الرحيل العليل.. خسر حبيبًا أو صديقًا أو والدًا وعاش فقط مترقبًا غشاء الليل والنهار حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً ويلحق بالمرتحلين.. هناك من يشبه طلوع الشمس من مشرقها.. نشاط وثاب وحيوية ملتفة بالحماسة والصلابة وهمم تعتلي شعفات الجبال الشوامخ.

وهناك من يشبه انتصاف يوم دافئ وجلسة آسرة على ضفاف شاطئ هادئ لا يسمع إلا صوت الموج الهادر والحمائم والعصافير السابحة في الآفاق الرحبة وطيور بريئة تغلبها مشاعر الغربة.. تتخالج داخل قلبه ألوان صاخبة من رومانسية محببة لكل الأنفس العاشقة.

وبالطبع هناك من يشبه زحام الشوارع الضيقة بالسيارات المؤذية والسائقين الطائشين الذين يملكون رصيدًا حافلاً من الحوادث والتجاوزات والضحايا”.

ثم أنظر للهريفي بكل احترام وحب وتقدير وإجلال.. لن أنظر إليه شزرًا.. حاشا لله أن أكون من الجاهلين.. وأساله سؤال العابرين.. أي هذه الأوقات يشبهك يا فهد.. أم لك وقت لا أعرفه أنا ولا تعرفه أنت؟.

وإذا كانت إجابته صحيحة.. سأهمس في أذنه اليسرى قبل أن أودعه.. هل يعجبك عادل أدهم أكثر أم نادية الجندي.. وإذا كانت إجابته خاطئة.. سأقول له دون خجل.. كم مرة في حياتك يا فهد قلت: سلام يا صاحبي؟.

[ad_2]

رابط المصدر

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى