المقالات

انزواء شجرة

منصة الحدث ـ بقلم الكاتبة ـ سمية الغامدي

في قبرص، بعيدًا جِدًّا عن الشطآن، في أعماق قلب الغابة، عاشت عائلة من الغيلان داخل حلقة حماية من صنع اثنيّ عشر شيطانًا عيّنهم رب العائلة حاكم الشعب لحماية شعبه وأفراد العائلة الحاكمة، لحمايته من القناطير!
قبل زمنٍ بعيد، بعيدٍ جِدًّا، عندما كان الحاكم في سن شبابه- تعيش الغيلان مئات السنين- حين كان للغيلان كامل السلطة، القوة، العظمة، حين كان للغيلان مهابة بين الشعوب والقبائل الأخرى، حين كان ينحني الجميع للغيلان عندما تمر بقربهم، حين كانت لهم السيادة والكلمة الحق، حين كان الجميع تحت رحمة الغيلان. المجد للغيلان!
قبل زمنٍ بعيد، بعيدٍ جِدًّا، عندما كان الحاكم في سن شبابه، يخاف منه الجميع ولا يخاف هو أحد، يخضع له الجميع ولا يخضع هو لأحد، باستثناء.. القناطير.
ذكرى سوداء، هزيمة ساحقة، أنظار الناس، بقايا الكرامة، أنهم القناطير فلتلعنهم السماء!
فجرٌ لم تشرق فيه شمس قبرص، فجرٌ انتهت فيه المعركة، واستوجب على الغيلان المغادرة والاستسلام للأمر الواقع، لكم ندم الحاكم على ما فعله، لكم تحسر وانتحب، وغدا أشبه بغصنٍ رفيع، داخله خَاوِي خارجه شاحب مخيف، يلتهم عقله التفكير القاتل البطيء، انظر إلى ما آلت إليه هذه المعركة، ألم يفكر مع من كان يتحدث؟ أم نسي من هو فعلًا، ودخل الكِبر قلبه؟ ألم يكن واعيًا ماذا يقول؟ إنهم القناطير، القناطير!
لطالما اقشعر بدنه عند سماعه عن القناطير، فهو يعي جيدًا أنهم أقوى شعب على وجه الكوكب، نصفهم العلوي بشري والسفلي لحصان، مسالمون وهادئون تكاد تنكر حقيقة وجودهم، لكنهم موجودون بالفعل، ذكائهم فاق المعقول، فطنتهم تجاوزت الحدود، ولكن إذا أغضبتهم كأنك أغضبت السماء عليك، هجوم واحد وينتهي كل شي، لا مجال للمقاومة أو الدفاع، فأنت هالكٌ لا محال.

في أمسية جمعت حكام القبائل، بعد الكثير من الطعام والرقص والغناء والألعاب والشراب، بضع كلمات كونت بضع عبارات ساخرة أضحكت جميع من في القاعة على القناطير، ولكن نفس العبارات الساخرة.. أبكت جميع من كان في القاعة.

غضبت القناطير لما حدث وأرادت الانتقام، وتعليم القبائل والشعوب الأخرى من هم القناطير حَقًّا، فاندلعت الحرب، وظن الغول بأنه قادر على مواجهة القناطير وحده وجيشه، وحانت ساعة الصفر، وجاءت القناطير بالرماح والأسهم محلقةً في السماء وجاؤوا كذلك بالسيوف والسهام المشتعلة عدوًا على الأرض، وكان عددهم يفوق عدد جيش الغيلان بمراحل، وكانت النتيجة محسومة، واشتبك الجيشان في معركةٍ دامية، اشتدت عند منتصف الليل، وانتهت عند فجرٍ لم تشرق فيه شمس قبرص.

بعد قرون، عندما هدأت النفوس، واستقرت الشعوب، وأذعن الكبير قبل الصغير، بان القناطير هم أسياد الأرض والسماء، وانزوت الغيلان، بل ما تبقى منها، بوجوهٍ مُسودّةٍ من العار، بعد أن تخلو عن مملكتهم، وأرضهم، ونفوذهم، وسلطتهم، وعزتهم، إلى الغابة، ولكي يضمن الحاكم أنه وشعبه بمأمن ومعزل تام عن جميع المخلوقات، استعان باثنيّ عشر شيطانًا لحمايته وشعبه حتى من سكان السماء.

وبعد أن كانت لهم شجرة عائلة يمتد نسبها إلى أول غول سكن هذه البقعة من الأرض وكانت مدعاة للفخر والشرف والعزة أصبحت الآن عارًا على الغيلان وسببًا للخجل والانحناء، فانزوت العائلة بشجرتها إلى قلب الغابة محاطةً بحلقةٍ سحرية تحجبها عن أنظار من في الأرض ومن في السماء.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى