معرض “الهجرة على خطى الرسول ﷺ” يختتم محطته الثانية التي أقيمت بالمتحف الوطني السعودي
منصة الحدث ـ أحمد بن عبدالقادر
اختتم المتحف الوطني السعودي بالرياض يوم أمس معرض “الهجرة.. على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم” الذي يُعدُّ الأول من نوعه، وأحد أبرز المعارض الثقافية المتنقلة بالمملكة، الذي قدّمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” بالتعاون مع المتحف الوطني السعودي، وعددٍ من المؤسسات الثقافية المحلية والعالمية، وذلك وسط حضورٍ كثيف من المسؤولين والشخصيات الاجتماعية والثقافية والقيادية، إلى جانب مجموعةٍ من سفراء عددٍ من الدول الشقيقة والصديقة لدى المملكة، فضلاً عن عموم المجتمع.
وأُسدل الستار على هذا المعرض الذي يُسلط الضوء على حدثٍ هو الأهم نوعاً والأسمى غايةً بعد رحلةٍ امتدت لستةِ أشهر؛ حكى خلالَها قصةَ رحلةٍ تُلامس وجدان مئات الملايين، وتحمل روائع الإرث، ومحاسن المكارم والشيم، تلك الرحلة التي بدأت من غار ثور في مكة المكرمة إلى قباء في المدينة المنورة، قاطعةً قرابة الـ 400 كيلو متر في الصحراء خلال ثمانية أيام، وقد عرّف المعرضُ الزائرين على الظروف التي مرت بها الهجرة، مع معلوماتٍ مفصلة عن الاتجاهات التي سلكها المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، والجهة التي دخل منها إلى المدينة المنورة، والمكان الذي أقام فيه، وموقع مسجده الأول، والحُجُراتِ الشريفة، وسقيفة بني ساعدة.
ومن خلال 14 محطة بالتصوير التمثيلي، والأعمال الفنية المعاصرة التي صُممت بدقةٍ عالية عن طريق خبراء محليين وعالميين، تفرّد المعرض بأدواته، ومعروضاته، وحضورِ التقنية والعروضِ التفاعلية بين جنباته وأركانه، حيث عرَضَ منحوتاتٍ، ووثائقَ، ولوحاتٍ فنيةً مبهرة، وقطعاً أثرية، ومجسماتٍ معبّرة، وأفلاماً مؤثرة؛ وقدّم من خلال ذلك تجربةً ثقافية مُثرية تروي ميلادَ أمةٍ انبثق من الحدث الأبرز في التاريخ الإسلامي الذي ابتدأ من هجرة المصطفى -عليه أفضل الصلاة والسلام- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في عام 622م، وبات تاريخاً يُؤَرَّخ به إلى الوقت الحاضر لمجتمعٍ إسلامي يضم اليوم ما يصل إلى ملياري مسلم.
وتضمّن المعرض مجموعةً واسعة من الموضوعات المعروضة التي كشفت عن مختلف جوانب الهجرة، وقدّمتها بوصفها ظاهرةً اجتماعية وثقافية عالمية عن طريق سردٍ تاريخي للركب النبوي الشريف، وبيان التحديات التي صاحبتها، وإقامة فعالياتٍ مصاحبة لهذا المعرض النوعي والتفاعلي، التي من أبرزها الندوات الحوارية، واللقاءات المعرفية، والورش العملية التي نظمها المتحف، مستضيفاً خلالها نخبةً من الخبراء والمختصين، الذين أثْرَوها طرحاً في عددٍ من الموضوعات المرتبطة بالهجرة النبوية، وربطِها بمجالاتٍ عدة، وتأثيرِها في تاريخ البشرية، ومحوريّتها في تشكيل الإنسان المسلم بمبادئها، وقيمها، وإنسانيتها.
وتأتي استضافة المتحف الوطني السعودي لمعرض “الهجرة.. على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم” كونها محطةٍ ثانية بعد أن نظّم مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” المعرض في محطته الأولى بمركز “إثراء” في المنطقة الشرقية، ويُمثل المعرض مشروعاً ثقافياً متكاملاً يُعدُّ الأولَ من نوعه بأسلوبه السردي والتوثيقي للأحداث التاريخية التي رافقت الهجرة النبوية الشريفة، وبتقديمه لها بقالبٍ غير مسبوق، وبطريقةٍ معاصرة. ويعكس المعرض قيمة الشراكة الثقافية بين المتحف ومركز “إثراء” في تعزيز حضور المعارض الثقافية التفاعلية النوعية في المملكة.
ويُعدُّ مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) الذي افتُتح عام 2018، وجهةً ثقافيةً وإبداعيةً مُتعددة الأبعاد، ومساحة مُلهمة لاكتشاف الذات والتحفيز على الابتكار والإبداع، ويسعى إلى دعم اقتصاد المعرفة بالمملكة، والإسهام في التطوير الثقافي والمعرفي عبر الانفتاح على مختلف ثقافات العالم، وذلك عن طريق تنظيم ورش العمل التفاعلية، والعروض، والأنشطة المصمّمة خصيصاً لإثراء المجتمع بمختلف الفئات العمرية. حيث يُمثل منصّةً للإبداع، تجتمع فيها المواهب للتعلّم ومشاركة الأفكار، ويشتمل على مختبر الأفكار، والمكتبة، والمسرح، والمتحف، والسينما، والقاعة الكبرى، ومعرض الطاقة، ومتحف الطفل، وبرج إثراء.
ويُشكل المتحف الوطني السعودي جسراً ثقافياً يربط بين الماضي، والحاضر، والمستقبل، ومَعلَماً متخصصاً يُعد الأكبر في المملكة برحلاته الثقافية المتحفية الشيّقة التي تأخذ الزائر وتعبُر به حدود الزمان والمكان، وتقف على شواهد فنية، وتاريخية من حقبة ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث، وذلك عبر استعراض قطعٍ تراثية، ومخطوطاتٍ، ومنحوتاتٍ نادرة، إضافةً إلى مجموعة من الفعاليات الثقافية التي تُغذّي عقل الزائر، وتُعمّق معرفته، كما يعكس المتحف مكانة المملكة المتجذرة بعمق في تاريخ الجزيرة العربية، وآثارها الدالة على عراقة ماضيها، ويتخذ في عرضه قالباً إبداعياً حيث ينتهج التسلسلَ التاريخي بعرض الحقب الزمنية من الأقدم إلى الأحدث مروراً بالعصر السعودي؛ حاملاً في جملة عروضه هويّتَها الثقافية، وامتدادها الحضاري.