أعطني المُسكن يا خالد
منصة الحدث ـ بقلم الأستاذ ـ مشاري محمد بن دليلة ـ كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
في يوم من الأيام قمنا بزيارة لأحد المرضى الذي بترت قدماه بسبب مرض الغرغرينا الناتج عن مرض السكري – شفاه الله -، وكان الهدف من الزيارة الاطمئنان على حالته ومواساته، ولما أقبلنا على باب غرفته وجدناه يئن من الألم أنين المنهك قائلا لابنه: أحتاج إلى جرعة المسكن ياخالد أخبرهم بذلك ويلح عليه في الطلب ويترجاه رجاء المنكسر الضعيف الذي قلّت حيلته وضاقت عليه الأرض بما رحبت وأخذ منه الألم مأخذه ، فهالني هذ الموقف وحزنت لحاله عندما علمت أنه لا يهدأ إلا بعد أخذ المسكن، فدعوت له بالشفاء وذهب بي فكري وسال قلمي فتفكرت في قدر الله تعالى ورحمته ولطفه بعباده إذا نزل على العبد، فلا يضاهيه شيء من علاجات الدنيا إذ هو سبحانه من يسكن الأوجاع ويجعلك تنام نوماً هادئاً .
إن الله عز وجل لما خلق البشر خلقهم لغاية عظيمة وهي عبادته وجعل الدنيا دار ابتلاء وامتحان كلٌ بحسب ماقدر له لحكمة هو يعلمها فهو سبحانه مدبر الكون مطلع على الخفايا عالم بالرزايا ، ومن سنته الكونية أن قدر المرض للبشر، فهم يتفاوتون في ذلك فمنهم من يصاب بداء خفيف عارض يتم علاجه بدواء يسير -ولله الحمد – ومنهم من يكون مرضه دائماً ينهك جسده فتخور قواه وتظلم الدنيا في عينيه، وقد يصيبه الجزع والقنوط واليأس، وربما يتساءل لماذا أصبت بذلك المرض دون غيري؟!! فإن كان ضعيف الإيمان أتاه الشيطان ووسوس إليه وجعله يعارض القدر الرباني ويفقده الصبر، وإن كان إيمانه قوياً صبر وشكر فكان خيراً له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: خلق أحد الضدين ينافي خلق الضد الآخر، فإن خلق المرض الذي يحصل به ذل العبد لربه ودعاؤه لربه وتوبته من ذنوبه وتكفيره خطاياه ويرق به قلبه ويذهب عنه الكبرياء والعظمة والعدوان يضاد خلق الصحة التي لا يحصل معها هذه المصالح، وكذلك خلق ظلم الظالم الذي يحصل به للمظلوم من جنس ما يحصل بالمرض يضاد خلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح، وإن كانت مصلحته هو في أن يعدل، وتفصيل حكمة الله في خلقه وأمره يعجز عن معرفتها عقول البشر. اهـ ،فيجب أن نتامل هذا الكلام النفيس ونتذكر أن الذي ابتلاك بالمرض هو الذي يشفيك، فإحسان الظن بالله من أعلى مراتب الإيمان .
إن المرء قد يصبر على الظلم والفقر وغيرهما من متغيرات الحياة، ولكن إذا فقد الصحة فقد أغلى ما يملك، فلا ينفعه مالٌ ولاجاه ولا رفعة في قوم، فالصحة لا يعدلها شيء، يقولﷺ ( من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ) من ملك الصحة فقد ملك الدنيا، كم من إنسان سوي يعيش في هذه الحياة بين أهله وأحبابه كان قوياً عزيزاً مفعماً بالحياة فقدر له المرض وتغيرت حاله ، أيها القارئ اعلم علم اليقين أن الله عز وجل لما ينزل بك المرض هو القادر على أن يرفعه مهما فعلت من الأسباب الدنيوية، فهو القادر على رفعه كما أنزله، فهو سبحانه يبتلي عباده بالمرض ليرفع درجاتهم في جنات النعيم وليرى أثر دمعاتك ودعائك له وتعلم ضعفك مهما بلغت من قوة وبأس، فأنت محتاج إليه سبحانه في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) وهذا من رحمة الله بعباده أن جعل كل مايصيب الإنسان من ابتلاءات مكفرة لخطاياه ، وإذا نزل المرض على المسلم حري به أن يدعو الله ما استطاع ويبتهل إليه فهو من يكشف الضر ومن يجيب دعوة المضطر، لاتيأس ارفع يديك وناجه وتضرع إليه وانطرح بين يديه وادعه بأحب أسمائه وتحرّ مواطن إجابة الدعاء، وإياك واليأس
والفتور واستعجال الإجابة، فإن مع العسر يسراً، وهو سبحانه لا يرد دعاءك صفراً فهو رحيم بعباده، في حديث عمر بن الخطاب قال (قُدِم رسول الله ﷺ بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذْ وجدت صبيًّا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله ﷺ: أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟ ، قلنا: لا والله، فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها )متفق عليه ، وبعض الناس إذا نزل به المرض شعر بالموت وأنه سيفقد حياته وخاصة من كان مات بسبب نفس المرض، فأقول له هل أنت من يقدر الموت والحياة أم الله الواحد القهار يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهم يا محمد: ( هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) يقول قل لهم: ومن صفته جلّ ثناؤه أنه هو الذي يحيي من يشاء بعد مماته, ويميت من يشاء من الأحياء بعد حياته و ( إِذَا قَضَى أَمْرًا ) يقول: وإذا قضى كون أمر من الأمور التي يريد تكوينها( فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ ) ، فنحن نعيش في معية الله وتدبيره ولطفه فتفاءل واعلم أن الله سيفتح لك كل عسير وافعل الأسباب الجالبة للشفاء من صدقة ودعاء وأعمال صالحات، قال ابن القيم -رحمه الله- (فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو مِن ظالِم بل مِن كافر، فإن الله تعالى يَدْفع بها عنه أنواعًا مِن البلاء. وهذا أمْرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مُقِرُّون به لأنهم جَرَّبُوه)،نسأل الله أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين وأن يلهمهم الصبر والفأل وأن يجعل ما أصابهم كفارة ورفعة لدرجاتهم إنه بذلك قدير وبالإجابة جدير.