المقالات

لفتات لمن مرت به فاجعة:

خلال الستة أشهر الماضية كان والدي وأخي في المستشفى ومررت بفواجع يصعب على النفس البشرية حملها لولا تثبيت الله وتوفيقه، قد يتبادر للذهن أن الفواجع أمرها يسير ولكن من يمر بها ويعيش أحداثها يرى غير ذلك، فهي تحمل تأثيراً قد يمتد إلى الخصائص النفسية والسيكلوجية والحياة اليومية. توفي والدي وتقبّلنا الأمر بسهولة رغم ثقله على النفس، فهو أثقل من جبل أحد على الأرض، ثم تلا ذلك وفاة أخي بعد بضعة أيام، وهذه الفاجعة التي أقضت المضجع، لكنه قضاء الله وقدره لعباده فهو المحيي والمميت سبحانه.. وهنا لفتات أشير إليها بعد ما عشته وتعلمته من تلك الحوادث:
أولاً: إدارة الأزمات والصبر وطلب التثبيت من الله، قد يكون لديك مريض يحتاج إلى رعاية أو يكون طريح الفراش في المستشفى، كيف تقود ذلك الموقف وأنت تتعامل مع نفس بشرية ولها وقع ومحبة في القلب وتتعامل مع محبيه من أهله وغيرهم، هنا تحتاج إلى ترويض النفس وأخذها بزمام الصبر لإدارة تلك الأزمة، لا تدع الحزن يتسلل إلى نفسك ولا إلى أهله كن متفائلاً دائماً وموقناً بأنّ مع العسر يسرًا، لا تنكسر وسل الله العون.
ثانياً: المريض يحتاج إلى من يعتني به ويسليه ويعطيه الأمل، إياك ثم إياك أن تدخل الحزن في قلبه أو أن تسترسل في السؤال عن مرضه وأنه خطير، بل اجعل الابتسامة دائمًا تملأ محياه، وبشره بأن الشمس سوف تشرق لامحالة، وخذ بيده وتعاهده بالزيارة، لا تتركه للشيطان فيصيبه الإحباط واليأس.
ثالثاً: لا تفشِ أسرار المريض بين الناس بتفاصيلها فإنهم يحبون تناقل الأخبار حتى تنتشر انتشار النار في الهشيم، ولكن أعلمهم القدر المهم الذي يحفزهم على الدعاء له في كل وقت، لا تدع الناس تعرف التفاصيل فتخوض في القيل والقال حتى يصل إلى المريض ما يسوؤه ويدهور حالته، فحافظ على صحة مريضك.
رابعاً: عندما يصطفيك الله لخدمة مريض فاحمد الله، فأنت على خير إذ وفقك الله للوقوف بجانب ذلك العاجز، فالله لن ينسى معروفك تجاه مريضك، تجنب التأفف فقد تجد الحدة من المريض بسبب المرض والتعب فاصبر وما صبرك إلا بالله، وتلمس كل موقف فرح وإسعاد للمريض وأقدم غير مدبر بنفسك وأهلك ومالك.
خامساً: لا أنسى كل من وقف معنا في تلك المحنة بسؤال أو رأي أو خدمة، والأهم من ذلك من صلى على فقيدنا ودفنه وعزانا فيه، قد يتبادر للذهن أن الصلاة على الميت والتعزية تغني، ولكن ما رأيته أكبر من ذلك، فالذين حضروا المقبرة لهم أثر، فبعد مواراة الجثمان شعور الفقد يعظم ويخففه المشيعون، ولذلك أخذت عهداً على نفسي أن أشيع الجنائز إذا دعيت للصلاة على ميت من قريب أو صديق.
سادساً: الزيارة لأهل الميت في منزلهم يخفف الحزن، واذكر محاسن ميتهم، فقد أبي وأخي كان محزناً ولكن خففته تلك الزيارات، والثناء على الفقيد كان له أثر كبير، والتواصل مع أهل الميت، ولا تنس أن تثبتهم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وتجنب القيل والقال والضحك في العزاء، فلكل مقام مقال.
سابعاً: لا تدع اليأس والحزن يتسلل إلى قلبك أمام أهلك أثناء أيام العزاء، كن صابراً وثابتاً فالشيطان يحرص على إحزان المسلم، فكن قوياً بالله حتى يتقوى غيرك، فالله الذي أعطى وأخذ لحكمة هو يعلمها، فعلّق قلبك به سبحانه.
ثامناً: أنفذ وصية فقيدك واستغفر له وتعاهد أصحابه وأهله، وفكر كيف تثقل ميزانه بالعمل الصالح (عمرة، أوقاف عبر منصة إحسان وغيرها من أعمال الخير).
تاسعاً: تأكد بأن الحزن سيمتد لوقت طويل، فكن قائداً ومصبّراً، وأكثر من الدعاء واللجوء إلى الله أن ينزل عليك الصبر والسلوان وعلى أهل الفقيد.
عاشراً: هذه الحياة لن يبقى فيها أحد، وسوف يسبق بعضنا البعض فهي سنة كونية، سواء كان الفراق في حادث أو بموت طبيعي، فلن يخلد أحد في هذه الدنيا، فينبغي الإيمان بهذا، وأن نعمل ما يثقل موازيننا من الأعمال الصالحة، مع سؤال الله حسن الختام ، أخيراً لا تحزن على فقيد كانت خاتمته حسنة واقتدِ بما كان يصنع حتى وفق لذلك.

بقلم
مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية

مبادروة ملتزمون
زر الذهاب إلى الأعلى