نبضة قلم

عندما نفقدهم..

 

بقلم / غادة ناجي طنطاوي

هناك أمورٌ صغيرةٌ قد لا تَستَرعي إنتباهنا، لا نشعر بأهميتها إلا عندما نفقدها، لأننا نعتبر وجودها حقاً من حقوقنا المكتسبة، فهي لدينا بتحصيل حاصل..

لكن الحقيقة بعيدة كل البعد عن ذلك .. فلن تدرك قيمة الساعة إلا لو كنت عاشقاً ينتظرُ لقاءَ من يحب، و لو كنت مسافراً فاته موعد الطائرة لأدركتَ قيمةَ الدقيقة، و لكي تدرك معنى اَلْأُخُوَة، إسأل شخصاً وُلِدَ وحيداً بلا إخوة، و لا يعرف قيمةَ الثانية إلا شخصٌ نجىَ من حادث.

كثيرٌ من الأمورِ التي تحيط بنا لا نعرف تماماً قَدْرَهَا، نستهتر بها احياناً، لأننا نعتقد بأنها ستبقى الى الأبد، و لن يزحزحها أحدٌ عنا، أو لن يسلبها إيانا أحد.

و ذلك يقودني لقضيةٍ طالما تعجبت منها..!!

نقابل شخصاً ما و نقع في الحب، فيصبح هو محور الحياة الرئيسي لدينا، ثم يتسلل الروتين، القاتل الصامت الحقيقي الذي لَفَظَتْ أغلب العلاقات آخر أنفاسها على يده، عندها تتفاقم المشكلة و تأتي النهاية فنفقد من أحببنا..

عندما تفقد من تحب فأنت تبدأ في بناء حياتك من جديد، أو بالأحرى تحاول إعادةَ هيكلتها لشغلِ حيزِ الفراغ الذي تركه، تُعَوِّد نفسك على سماع صوت الرياح وسط سكون الليل وتضطر آسفاً لاستقبال الوحدة كضيفٍ ثقيل يَحِّل عليك، و يحول ورود ربيعك إلى أوراقٍ صفراء ذابلة، كأوراق فصل خريفٍ حزين يخلفه شتاءٌ طويل.. ليس هذا فحسب..!!

عندما تفقد من تحب، فأنت تُعِيدُ الأمورَ إلى نصابها الطبيعي لترى كل شىءٍ مجرداً من دواعي الجمال الذي كانت تراه عيناك سابقاً، لأنك كنت ترى الحياة بعين من أحببت، و تقع أسيراً لحربٍ شعواء بين ساعة يدك و ساعة الحائط، فالوقت بطيء و ممل، يكاد يكون قد توقف عند آخر لقاء لكما سوياً.

ثم تأتي الكارثة الكبرى !! تنام كل ليلةٍ و جميع اللحظات الجميلة تتوالى روئ تحكي تفاصيل ما مر بكم سوياً، و نَصْلُ الذكريات مغمودٌ بخاصرتك يَقُضُ مضجعك، لتستوعب بأنك غدوت وحيداً، و أن عليك مجابهة ظروفَ الحياةِ القادمةِ بمفردك.

و يبقى السؤال المحوري : لماذا لا نشعر بقيمة من نحب إلا بعد أن نفقده ونبدأ بلوم النفس على أخطائها و محاسبتها على ماكان يجب علينا فعله و لم نفعله؟؟

لماذا لا يذبحنا غيابهم و لا يهزنا الشوق اليهم إلا بعد أن يبتعدوا؟؟

و لماذا لا نرى جميل ما صنعوا و ما قدموا الينا إلا بعد فوات الأوان؟؟

أتراها طبيعة النفس الإنسانية؟؟ أم أَنَّاَ نتعود على هذا الحب يكبر بداخلنا حتى يصبح وجوده في حياتنا ضرورةً يومية أو عادةً كقهوة الصباح..!!

حافظوا على من سكن قلوبكم، رأس المال الحقيقي في هذه الحياة، فأنتم لا تعلموا متى سيكون آخر لقاءٍ بينكم، هذه الدنيا فانية، و جميعنا راحلون..

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى