المقالات

عالمنا اليوم

 

 

 

 

 

 

عالمنا اليوم

بقلم د/ لولوه المطلق

نفتح اعيننا كل صباح ونستبشر خيراً ونعد العدة لنستقبل يوماً جديداً نحلم بأن يكون فيه تحقيق احلامنا وأمانينا بسلام وأمان. ونبدأ يومنا بالنظر الى من حولنا ونرى الجميع مشغولاً بأداة صغيرة استطاعت أن تسبي العقول واشغلت الحبيب عن حبيبه والام عن ولدها والزوج عن زوجته والأخ عن اخته والأب عن عائلته. الكل ينظر اليها بحب وشغف، يبتسم كأنها تنظر اليه ايضاً بحب وعطف وحنان وربما نجد انه يبدو عليه علامات الحزن والكآبة من جراء منظر ينظر اليه أو خبر يقرأه او كلمة لم تعجبه. نراه يقطب حاجبيه تارة ويحدق تارة وينظر بسرور تارة وبحزن وخيبة أمل تارة اخرى. الكثير والمزيج من المشاعر التى نراها ونستطيع تفسيرها لانها واضحة المعالم أمامنا. والشعور الذى يلفت النظر اكثر وأكثر هو قهقهة او ضحكة مرتفعة تدوى كأنه جالس في مسرح يتفرج على مسرحية كوميدية. يسرح الانسان كثيراً مع ما يقرأه ويسرح ويمرح وكأن من حوله من البشر لا وجود لهم. ولكن لماذا نتعجب منه وهو ليس بمختلف عن من حوله، الجميع لديهم نفس الحالة والتى احببت أن أطلق عليها الهروبتكنولوجية. نعم الهروب من الواقع الذى يعيشه الكثيرين ولو تَرَكُوا هذه الآلة الصغيرة سيجدون أنفسهم وحيدين، فلماذا لا يتواصلون معها بدلاً من النظر الى من حولهم والمشاعر تتنوع على وجوههم وأجسامهم. نعم لو راقبناهم سنرى العديد من حركات التواصل الشفوية والغير شفوية التى نعلمها في دورات التواصل الفعّال. اليوم لا يحتاج الشخص بيئة تواصلية مباشرة مع أشخاص أمامه بل يستطيع التواصل معهم بفعالية عن بعد. ولكن هل يرى الشخص الاخر مايبديه الشخص المستقبل بما يستلمه من هذه الاداة من مشاعر وحركات. للاسف لا. هل تعلمون كم من الجهد يبذله الناس لتفسير ما يوصلهم عبر الشبكات الاجتماعية وهم يشعرون بالاستمتاع بها. جهد كبير وضغوط عالية يبذلونها لتفسير مايرونه ويقرؤونه. الكل يشتكى من آلام المفاصل والظهر والرقبة وضعف النظر وغيرها من الآلام المصاحبة لكثرة الجلوس لاستخدام هذه الآلة الصغيرة وإطالة النظر فيها. سمعت زميل يسال متدربينه، ماهي المهنة التى ستزدهر في الأعوام القادمة ويكون ممتهنيها من الاثرياء. ذكرت العديد من المهن منها طب الأسنان وريادة الاعمال وغيرها ولكنه قال لا انها مهنة الجراح وأطباء العظام. نعم من منا لا يشتكى اليوم من الجلوس طويلاً بصحبة هذه الآلة الصغيرة ويفتقدها كما كان يفتقد أهله وذويه في السابق. أصبحت هذه الآلة اولوية في حياتنا ومؤثراً قوياً فيها. فهل ياترى نستطيع ادراك مايصيبنا من جراء تعلقنا بها. اليوم يجلس الزوج مع زوجته وهو يحدق في هذه الآلة ويمدح فيها ومميزاتها والزوجة لا حول ولا قوة لها تتحمل كل ما يقال لانها تريده بجانبها والعكس صحيح، والام ترى الأولاد مشغولين بآلاتهم وهي فرحة بالنظر اليهم فقد اصبح بقاؤهم امام ناظريها يجلب لها السعادة والطمأنينة لان العالم الخارجي لم يعد كما السابق، اولاد وبنات يلعبون ويمرحون بكل براءة وحب وأمن وأمان ويعودون للبيت يخلدون للنوم بعد عناء يوم طويل من اللعب وكل مايطلبونه هو سرد قصة بسيطة لهم لكي يناموا بذكرياتها. الآلة الصغيرة أشغلت ابنائنا عن اللعب فلم يعد الاطفال يحبون اللعب لوحدهم او مع بعض لان الجلوس في الجو البارد الهادىء اصبح اكثر أغراءً من الجو الخارجي الأكثر هدوءاً بعد ما كان صاخباً باصوات الاطفال والامهات تجرى ورائهم وتناديهم وترجو منهم الدخول الى البيوت بعد ان يحل الظلام. الآلة الصغيرة وما ادراك ماهذه الآلة، لقد استطاعت ان تغير حياتنا وتؤثر فينا ونتأثر بها ونؤثر فيها كذلك. اثرت فينا بتغير عاداتنا وتقاليدنا واساليب وطرق حياتنا وتأثرنا بها حيث اصبح لا غنى لنا عنها، كيف لا وقد أصبحت جزءاً مهماً في حياتنا نفتح اعيننا لنراها ونودعها قبل المنام. نوبّخ الصغار وننسى اننا مولعين به، نصدق ما يجلب إلينا من غير تفكير ولا نتوقف لنفكر الا قليلا. يأخذنا الحماس لننقل ما ياتينا من خلاله كآلات برمجت لنقل الأخبار والتعاطف معها من غير التدقيق في مصداقية محتواها. والآن أغمض عيني دقيقة لأسترجع ماكتبته مستخدمة هذه الآلة الصغيرة وابتسم .

 

 

 

 

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى