المقالات

الأسرة .. والحيرة في استثمار المدخرات

 

 

بقلم

الكاتب /أ. د. رشود بن محمد الخريف

يعيش الفرد، خاصة رب الأسرة من الطبقة المتوسطة في دوامة من الحيرة نتيجة الغموض حول الأوضاع السياسية والاقتصادية للمنطقة عموما، وينعكس ذلك على عدم معرفة المكان أو المجال الآمن لاستثمار مدخرات الأسرة وثرواتها التي أمضى سنوات حياته العملية في تجميعها، طمعا في توفير العيش الآمن له ولأسرته في المستقبل. في ضوء إغراءات الكسب وتنمية ثروة الأسرة، اتجه كثير من الناس الذين يتحملون المخاطرة أو قل المغامرة إلى سوق المال التي خذلتهم وأسهمت في تبخر أموالهم، سواء أولئك الذين استثمروا في الشركات المساهمة ذات العوائد أو الاكتتابات الجديدة، ناهيك عن المستثمر المتهور الذي تحمل مخاطرة الدخول في شركات المضاربة الخاسرة. المأساة أن جميع المستثمرين الثلاثة خسروا، وتبخرت ثلاثة أرباع ثرواتهم، نتيجة الأوضاع الاقتصادية، وضعف الرقابة على السوق، وكذلك التساهل في طرح شركات للاكتتاب العام رغم أنها لا تضيف للاقتصاد شيئا يذكر، بل تصب في جيوب المؤسسين الذين قاموا بتضخيم رأسمالها “وهميا”، ثم بيعها بأسعار عالية على المكتتبين مع ضمان بقاء أغلب الأسهم في أيديهم، وبذلك استوفوا قيمتها الأساسية كاملة وبقوا على رأس مجالس إداراتها. من جهة أخرى، هناك مستثمرون آخرون لا يرغبون في تحمل المخاطرة المرتفعة فضلوا سوق العقار “الآمنة نوعا ما”، كما يعتقدون، وهم يرددون المثل الشعبي الدارج لدى العقاريين: “الأرض تمرض ولا تموت”، بمعنى أن رأس المال شبه مضمون في سوق العقار بخلاف سوق المال، فاتجه كثير منهم إلى هذه السوق المتضخمة سعريا، ووضعوا مدخراتهم في قطع الأراضي التي تقع في متناول إمكاناتهم المادية على أطراف المدن، كون أسعارها تتناسب مع مستوى دخولهم ومدخراتهم. ولكنهم فوجئوا بتكبد خسارة كبيرة تصل إلى ثلث أو نصف ثرواتهم، وذلك لانخفاض أسعار العقار في تلك المناطق.

لا شك أن المواطنين يؤمنون بأن سلامة الوطن واستمرار الأمن والاستقرار يأتي فوق كل اعتبار، ولا أحد يشك في استعدادهم للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الوطن، أخذا بالمقولة “وطن لا تدافع عنه لا تستحق العيش فيه أو الانتماء له”. وفي ضوء أهداف “رؤية المملكة 2030” التي تنص على “رفع نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6 في المائة إلى 10 في المائة”، فإن هناك حاجة ماسة إلى إصلاح بعض الأمور خشية ارتفاع البطالة بين الشباب. ومن الإجراءات المهمة ما يلي: 

1) الشفافية والوضوح حول الوضع الاقتصادي للدولة، فالوضوح يجعل المواطن يشارك في تحمل الأعباء بقناعة، وهذا يتطلب دور كل من وزارة المالية ووزارة التخطيط والاقتصاد لعلاقة كل منهما برؤية المملكة وآليات التحول.

2) لا بد من إيجاد بدائل استثمارية لضمان عدم تآكل ثروات الأسر ومدخراتها، لحمايتها من تداعيات سلبية متعددة.

3) من المناسب مراعاة الالتزامات المالية للمواطن التي قد تؤثر فيه سلبا في ضوء القرارات الجديدة.

4) لا شك أن التحول من الاعتماد على النفط هدف ضروري جدا، ولكن التحول في أمور ترتبط بسلوكيات الإنسان يتطلب بعض الوقت، ويحتاج إلى تهيئة تدريجية، وإيجاد بدائل وظيفية واستثمارية، لكي يتحقق الهدف بنجاح دون خسائر للأسر خصوصا وللاقتصاد عموما.

5) تنمية الإنسان وبناء قدراته وتسليحه بالمهارات الضرورية، ليكون فاعلا في عملية التحول، وذلك من خلال تفعيل برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية وتكثيف الدورات وورش العمل الجادة التي تزود المواطن بمهارات تواكب متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية.

6) إيجاد آليات فاعلة لدعم مشاريع الشباب الصغيرة التي تسهم في التوظيف وتضيف للناتج الإجمالي المحلي.

ختاما، في ضوء الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة عموما، يجب على الجميع الوقوف صفا واحدا في سبيل الوطن، وكذلك نبذ الأسلوب الاستهلاكي وتقليص النفقات غير الضرورية، والاحتفاظ بالسيولة النقدية لحين توافر المجالات الاستثمارية المناسبة.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى