شريط الاخبار

محاضرة بعنوان “لا يوجد أقوى من الشوق حين نعانده، ونصده؟” للدكتور عبد الله البيطان

الحدث / وسيلة الحلبي

بدأ الدكتور عبد الله البيطان محاضرته بقوله: كلما كنّا نَعْلَقُ في مشاعرنا مع من نحب، نجد لوعة الفراق أقوى بكثير منّا، وكلما وضعنا منضدة الحياة لنقفز على حواجز تلك اللحظات وجدنا ما هو أقوى. إرادتي أقودها لا تقودني، وحقيقتي بالتجارب تُكْتَشَفُ، رغم الوعكات التي نتنصل عنها بيد المرارة في (اللواعج) وعبر “أنياط القلب” تترجم الأوجاع حالتين إحداها أن أعي قدرتي على تجاوز ما لا يد لي عليه، والأخرى ترجمان الفكرة بإقناع نفسي أني عاجز.

أي عجز أتحدث عنه؟ إنه الشوق الذي يأسر إرادتنا فيمن نحب، وبالأخص من رحلوا عنا! الراحلون: هم الأقوى في شدنا إليهم كلما تفتقدنا كل الأشياء التي تجمعنا بهم حتى الأمكنة. فالناس أصناف الموقف عند هذا: منهم من (يهتم) ،فيعبر عما تترجمه أحاسيسه وفق إمكانياته وقدراته وصنف ٌ ( لا يهتم ) حتى بدت له العلاقات الإنسانية عوابر بلا قداسة لها  وصنف آخر ( لا يعلم )  من أي صنف ولا يظهر عليه سوى التيه. يقول الجاحظ في كتاب البخلاء في الجزء الأول صـ ٢٠ـــ. :( أوليس لو أظهر الجهل والغباوة، وانتحل الغفلة والحماقة، ثم احتج بتلك المعاني الشداد ،وبالألفاظ الحسان ،وجودة الاختصار ،وبتقريب المعنى ،وبسهولة المخرج ،وإصابة الموضع ،لكان ما ظهر من معانيه وبيانه ،مكذبا لما ظهر من جهله ونقصانه ؟ ولم جاز أن يبصر بعقله البعيد الغامض ،ويعيا عن القريب الجليل؟.).

قد توقفنا الحادثة في حالة الطوارئ الداخلية ( كما ترى الفكرة في منتهى القوة وقد تحدد مصير الإنسان في كافة أركان حياته ..) قوة التفكير د.إبراهيم الفقي صـ ٧٦ــفكل (المظاهر للقيود اللسانية)، أو في (الملامح) التي ترسم على أنماطنا إما القبول ،أو الرفض ،أم نكون في حالة التيه تضعنا في هالة من إقبال النفس أو إدبارها حتما. قال تعالى : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ] البقرة ١٥٦-١٥٤.

وأضاف: لنقف لحظة مع أسوة حسنة ،ونتساءل !ﻣﺎ ﻫﻮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ؟ﺃﻳﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ : ﺃﺗﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻨﻴﻦ ﻭ ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ ،ﻭ آﺗﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭ ﺍﻷﺻﺤﺎﺏ ،ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺒﺘﻠﻴﻪ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭﺍً ﻟﻪ ﻭ ﻗﺪﻭﺓﻟﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ! ،ﻓﺨﺴﺮ ﺗﺠﺎﺭﺗﻪ ﻭ ﻣﺎﺕ ﺃﻭﻻﺩﻩ ﻭ ﺍﺑﺘﻼﻩ ﺑﻤﺮﺽ ﺷﺪﻳﺪ ﺣﺘﻰ أُﻗﻌﺪ ﻭ ﻧﻔﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺭﻣﻮﻩ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﺪﻳﻨﺘﻬﻢ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦﻣﺮﺿﻪ ،ﻭﻟﻢ ﻳﺒق ﻣﻌﻪ ﺇﻻ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﺗﺨﺪﻣﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻞ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﺘﺠﺪ ﻣﺎﺗﺴﺪ ﺑﻪ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ﻭ ﺣﺎﺟﺔ ﺯﻭﺟﻬﺎ ! .ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ أﻳﻮﺏ ﻓﻲ ﺍلإبتلاء ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮ ﻋﺎﻡ ﻭ ﻫﻮ ﺻﺎﺑﺮ ،ﻭ ﻻ ﻳﺸﺘﻜﻲ ﻷﺣﺪ ﺣﺘﻰ ﺯﻭﺟﺘﻪ .. ﻭ ﻟﻤﺎ ﻭﺻﻞ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﺤﺎﻝ إﻟﻰ ﻣﺎﻭﺻﻞ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﺯﻭﺟﺘﻪ :ﻳﻮﻣﺎً ﻟﻮ ﺩﻋﻮﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻴﻔﺮﺝ ﻋﻨﻚ.

ﻓﻘﺎﻝ: ﻛﻢ ﻟﺒﺜﻨﺎ ﺑﺎﻟﺮﺧﺎﺀ ﻗﺎﻟﺖ80: ﺳﻨﺔ ﻗﺎﻝ : إﻧﻲ أﺳﺘﺤﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻷﻧﻲ ﻣﺎﻣﻜﺜﺖ ﻓﻲ ﺑﻼﺋﻲ ﺍﻟﻤﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﺒﺜﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺭﺧﺎﺋﻲ ،ﻭ ﺑﻌﺪ ﺃﻳﺎﻡ .. ﺧﺎﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﺗﻨﻘﻞ ﻟﻬﻢ ﻋﺪﻭﻯ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﺗﻌﻤﻞ ﻟﺪﻳﻪ. ﻗﺼﺖ ﺑﻌﺾ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻓﺒﺎﻋﺖ ﻇﻔﻴﺮﺗﻬﺎ ﻟﻜﻲ ﺗﺂﻛﻞ ﻫﻲ ﻭ ﺯﻭﺟﻬﺎ ،ﻭ ﺳﺄﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻟﻜﻲ ﻫﺬﺍ ﻭﻟﻢ ﺗﺠﺒﻪ ﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ ﺑﺎﻋﺖ ﻇﻔﻴﺮﺗﻬﺎ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻭ ﺗﻌﺠﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻭ ﺃﻟﺢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻜﺸﻔﺖ ﻋﻦ ﺭﺃﺳﻬﺎ ﻓﻨﺎﺩﻯ ﺭﺑﻪ ﻧﺪﺍﺀ ﺗﺄﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ..أﺳﺘحي ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﺒﻪ ﺍﻟﺸﻔﺎﺀ ﻭ ﺃﻥ ﻳﺮﻓﻊ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺒﻼﺀ ﻓﻘﺎﻝ ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ : ” ﺭﺑﻲ أﻧﻲ ﻣﺴﻨﻲ ﺍﻟﻀﺮ ﻭ أﻧﺖ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ ” .ﻓﺠﺎﺀ أمر ﻣﻦ ﺑﻴﺪﻩ ﺍﻷﻣﺮ : ” ﺃﺭﻛﺾ ﺑﺮﺟﻠﻚ ﻫﺬﺍ ﻣﻐﺘﺴﻞ ﺑﺎﺭﺩ ﻭ ﺷﺮﺍﺏ “.ﻓﻘﺎﻡ ﺻﺤﻴﺤﺎً ،ﻭ ﺭﺟﻌﺖ ﻟﻪ ﺻﺤﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺠﺎﺀﺕ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻫﻞ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎ ؟ ﻓﻮﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎﺭأﻳﺖ ﺭﺟﻼً ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻪ ﺇﻻ أﻧﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺻﺤﻴﺤﺎً؟ ﻓﻘﺎﻝ : ﺃﻣﺎ ﻋﺮﻓﺘﻨﻲ !

ﻓﻘﺎﻟﺖ:  ﻣﻦ ﺍﻧﺖ؟ ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ أﻳﻮﺏ. ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ : ﻟﻢ ﻳﻜﺮﻣﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﺃﻛﺮﻡ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﺘﻲ ﺻﺒﺮﺕ ﻣﻌﻪ أﺛﻨﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺑﺘﻼﺀ ! ،ﻓأعادها ﺍﻟﻠﻪ ﺷﺎﺑﺔ ،ﻭ ﻭﻟﺪﺕ لأﻳﻮﺏ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺳﺘﺔ ﻭ ﻋﺸﺮﻭﻥ ﻭﻟﺪ  ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻹﻧﺎﺙ ﻳﻘﻮﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ” ﻭآﺗﻴﻨﺎﻩ ﺃﻫﻠﻪ ﻭ ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻣﻌﻬﻢ” إذاً تَذَكّْر :  ﻛﻠﻤﺎ ﻓﺎﺽ ﺣﻤﻠﻚ ﺗﺬﻛﺮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ،ﻭ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺻﺒﺮﻙ ﻧﻘﻄﺔ

ﻣﻦ ﺑﺤﺮ ﺃﻳﻮﺏ .

ﻛُﻞِّ ﻳﻮﻡ ﺗﻘﻮﻝ الأﺭﺽ : ” ﺩﻋﻨﻲ ﻳا ﺭﺏ ﺃﺑﺘﻠﻊ ﺃﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺇﻧﻪ ﺃﻛﻞ ﻣﻦ ﺭﺯﻗﻚ ﯙﻟﻢ ﻳﺸﻜﺮﻙ “.وﺗﻘﻮﻝ اﻟﺒﺤاﺭ : ” ﻳاﺭﺏ ﺩﻋﻨﻲ ﺃﻏﺮﻕ ﺃﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺇﻧﻪ ﺃﻛﻞ ﻣﻦ ﺭﺯﻗﻚ ﯙﻟﻢ ﻳﺸﻜﺮﻙ”وﺗﻘﻮﻝ اﻟﺠﺒاﻝ: ” ﻳا ﺭﺏ ﺩﻋﻨﻲ ﺃﻃﺒﻖﻋﻠﻰ ﺃﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺇﻧﻪ ﺃﻛﻞ ﻣﻦ ﺭﺯﻗﻚ وﻟﻢ ﻳﺸﻜﺮﻙ “وﺗﻘﻮﻝ اﻟﺴﻤﺂﺀ: ” ﻳا ﺭﺏ ﺩﻋﻨﻲ ﺃﻧﺰﻝ ﻛﺴﻔﺂً ﻹﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺇﻧﻪ ﺃﻛﻞ ﻣﻦ ﺭﺯﻗﻚ وﻟﻢ ﻳﺸﻜﺮﻙ “

ﻓﻴﻘﻮﻝ اﻟﻠـّﻪ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻟﻬﻢَ : ” ﻳا ﻣﺨﻠﻮﻗاﺗﻲ ﺀﺃﻧﺘﻢ ﺧﻠﻘﺘﻤﻮﻫﻢ ..؟ “.ﻳﻘﻮﻟﻮا ” :لا يا ﺭﺑﻨا” ﻗاﻝ اﻟﻠـّﻪ جل جلاله:  “ﻟﯚﺧﻠﻘﺘﻤﻮﻫﻢ ﻟﺮﺣﻤﺘﻤﻮﻫﻢ “ﺩﻋﻮﻧﻲ ﻭﻋﺒﺎﺩﻱ ﻣﻦ ﺗاﺏ ﺇﻟﻲ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﺄﻧا ﺣﺒﻴﺒﻬﻢ ،ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﺐ ﻓﺄﻧا ﻃﺒﻴﺒﻬﻢ ،ﻭﺃﻧا ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﺭﺣﻢ ﻣﻦ اﻷﻡ ﺑﺄﻭاﺩﻫا.

إذن : هل هناك أقوى من الشوق حين نعانده،ونصده؟.قد يتخلى كل شيء عنك ،ويبقى الله معك ،فكن مع الله يبقى كل شيء معك!!.

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى