المقالات

الحلقة المفقودة

بقلم.. أحمد طه

يبحث عنها الانسان منذ بداية وعيه بالحياة ولربما ينتظر الحصول عليها بعد الموت ، قال عنها البعض انها  السبب في الاستمرار في الحياة ، وذلك لان البحث عن المفقود  من اهم الدوافع للعيش وسط هذا الزخم من متطلبات النفس البشرية التي لا تنتهي .

ولعل هذا ما يجعل هذه الحلقة تتجدد بشكل مستمر حتى لو حصل عليها يواصل رحلة البحث عن غيرها بشكل جديد وبصفة مختلفة واساليب مغايرة لما سبق .

ربما تكون الحلقة المفقودة هي حجر الزاوية التي يكتمل بها البناء الداخلي لدى البعض ولكننا عندما ندقق النظر نجد ان اكتمال هذا الحجر من الممكن ان يعني موت صاحبه لانه فقد الدافع للحياة والبحث عن المفقود او الاماني ، وان لم يكن الموت سيكون التجرد من الانسانية ، او يكون في ابشع صوره البشرية ، وكأن نقصان هذا الحجر هو الجمال ذاته ، والنقص لا يشين في  كثير من الاحيان .

فمن الممكن ان يعتبر  ذلك الجمال في ارقى حلته ، ربما هو الكمال الذي يطمح الانسان الوصول اليه طيلة حياته .

مسكين هذا الانسان كثيرا ما يفقد سنوات عمره وهو يسعى وراء ما يشوه صورته او يقضي على حياته لو حققه اوحصل عليه ؟

وهو لا يدرك انه يفقد جمال  تلك اللذة الحسية التي يشعر بها اثناء محاولته ليطال هته الحلقة المفقودة ، في رحلة بحثه عنها …  فتأجيل الحصول عليها احيانا هو الخير ذاته .

وهذا ما جاء في توجيه المولى عز وجل ، في قوله تعالى : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ  يَعْلَمُوَأَنْتُمْ لَاتَعْلَمُونَ}

اذ جاءت الاية لتبين انه من الممكن ان يكون الخير شرا ، والشر خير ، وهو ما يؤكد حقيقة الحلقة المفقودة التي طالما سعى الانسان اليها .
كثيرا ما نسأل انفسنا عندما نقرا سورة الكهف ، مالحكمة من ذكر المولى عز وجل  لقاء الخضر  بموسى عليه السلام ، اهو كما جاء في الاحاديث  لإعلام موسى انه هناك من هو اعلم منه حتى وان كان نبيا او رسولا يوحى اليه ، ويكون ذلك عبرة لنا ان فوق كل ذي علم عليم ، وان كان ذلك هو السبب الظاهر فلا بد ان يكون هناك مغزى وعبر  تستشف من اللقاء ، وهي مجسدة في المواقف التي حدثث بين موسى والخضر .

فالسفينة التي خرقها الخضر امر يرفضه العقل و المنطق لأنه يؤدي الى غرق اهلها وهو يشكل ضررا لهم ، وهو الامر الذي احزن اصحاب السفينة حينما وقع ، كما ان قتل الغلام الذي كان وحيد ابويه كان ايضا امرا يرفضه العقل والمنطق ، فوالدا الغلام ماكانا ليقبلا بموت ابنهم ، كما ان  عمل الخير الذي قام به في قرية لا يستحق اهلها الخير امر يرفضه العقل ايضا ، وهو ما جعل موسى عليه السلام يفقد صبره ويصر على ان يعرف المغزى من وراء كل ما يحدث  .

على الرغم  من تحذير الخضر له بان لا يتسرع لمعرفة الحكمة مما يفعله حتى يخبره هو ويعرفه السبب لما قام به حتى يتعلم اكثر ويحصد الفائدة  جزاء صبره على كل  المواقف الصعبة التي راها بأم عينيه ، ولكن تسرع  موسى عليه السلام لمعرفة ما يجهل افقده الكثير من الحكمة التي كان من الممكن ان يتعلمها من – القدر –

” اقصد الخضر “.

فالمتأمل لشخصية الخضر يجد انه من الممكن اعتبارها شخصية رمزية على الرغم من كونها  حقيقية جاءت لتجسيد اشكال القدر وان الله عز وجل يتدخل بقدره ليكون ألطف وأحن  علينا من انفسنا ، فما فقدان حلقة او تأجيلها الا تدبير من خبير حكيم ، ولذا نجد قول بعض المفسرين أن موسى لو كان يعلم ما سيحدث للسفينة لبادر هو بخرقها قبل الخضر ، اي اننا لوعلمنا الحكمة من المصائب التي تصيبنا لما ضاقت انفسنا منها ، ولاعتبرناها طوق نجدة من قادم اسوء .

وما يؤكد ذلك اننا بعد فترة مما يلم بنا نعترف لأنفسنا ان ما حدث هو الخير بعينه ، فلولا الفقد ماكان العطاء ، ولولا الحرمان ماكانت السعادة .

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى