المقالاتشريط الاخبار

هل وصلنا للتناغم مع رؤية 2030

بقلم: بندر الغامدي

تهدف رؤية 2030 إلى خفض الانفاق الحكومي عبر اعتمادها على الخصخصة، كما تعوّل بشكل كبير على القطاع الخاص، وذلك عبر مساهمة هذا القطاع بنسبة تصل إلى 65% من الناتج المحلي الإجمالي، منها 60% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وهو توجه ممتاز يواكب اقتصاديات العالم، فالخصخصة من شأنها أن تخفض الإنفاق الحكومي بشكل كبير، كما أنها ترفع من كفاءة القطاع، والقطاع الخاص بجميع جوانبه خير من يستطيع زيادة الناتج المحلي للدولة. ولتحقيق هذه الغاية فلابد من خلق مناخ محفّز للاستثمار، ولخلق هذا المناخ فإننا نحتاج لعدة عوامل مهمة كالتخفيف من البيروقراطية، والقضاء على المركزية، وتناغم الوزارات، وتحرير السوق، وخلق حراك تجاري اقتصادي. إذا تحققت هذه العوامل فهذا كفيل بحد ذاته أن ينعش الاقتصاد، ويتزاحم المستثمرين فيه، وتتدفق رؤوس الاموال إليه، وبالتالي خفض نسب العطالة بشكل كبير. إلا أننا وللأسف الشديد نرى قرارات من بعض الوزارات تسير عكس خلق المناخ المناسب والمحفز للاستثمار. على سبيل المثال، أصدرت وزارة العمل سابقاً قراراها بسعودة قطاع الاتصالات، وصرح في حينها معالي الوزير بأن القرار سيخلق 20 ألف وظيفة، ويتميز القطاع بجاذبيته نظرا لبساطة المهارات اللازمة له. ومع كامل احترامي واجلالي لمعالي الوزير إلا أن الواقع الآن يوضح أن قرار الوزارة جانب الصواب. فقد ارتفعت نسبة عطالة السعوديين من 11.5% إلى 12.1% منذ بدء القرار وحتى نهاية الربع الثالث من 2016، وارتفع العدد من 680176 عاطل إلى 751811 عاطل في نفس الفترة، وأغلقت  العديد من المحلات أبوابها وأنهت أنشطتها مما تسبب في ركود ظهر في انخفاض واردات الجوالات بنسبة 30% بنهاية الربع الرابع من 2016.لا أحمل الوزارة وحدها هذه النسبة إلا أن الوزارة أهم لاعب في هذا الشأن، فالمنطق يقول أن الحراك التجاري والاقتصادي هو من يخلق الوظائف وليس العكس. كما أن نفس المنطق يقول أن أي قرار -وبصرف النظر عن كفاءة دراسته- يجب ان يسبقه تهيئة سليمة وفترة كافية لتطبيقه، لا أن يفرض القرار بغرض التجربة كما حدث من الوزارة، فقد أصدرت القرار ثم بدأت بالتهيئة وبعقد دورات صيانة للراغبين ، فعلى ما يبدو أن الوزارة استوعبت متأخراً بأن القطاع لا يتميز ببساطة المهارات اللازمة له. إن الوضع الاقتصادي حساس للغاية، ومن خسر أي مبلغ في هذا القطاع أو غيره سيعيد التفكير ألف مرة قبل ان يعاود الاستثمار فيه فكما يقال “رأس المال جبان”. ثم أن نفس الوزارة اصدرت مؤخراً قراراً يحظر على المنشآت الفصل الجماعي للموظفين السعوديين، بل ويعاقب المنشأة بإيقاف خدماتها. أليس من حق المنشأة أن تبحث عن ربحيتها وعن خفض تكاليفها، كما فعلت الرؤية نفسها بخفض الإنفاق والتكاليف! ينبغي لوزارة العمل أن تشجع المنشأة على التوظيف لا أن تعاقبها، فكأن الوزارة بذلك ترسل للمنشأة رسالة مفادها “فكر قبل أن توظف سعودي”. لست ضد توطين الوظائف اطلاقاً، فهذا البلد للمواطن الحق الاكبر في وظائفه، إلا أني أدعو لذلك من خلال الترغيب لا الترهيب. يجب أن تتنبه لكل هذا وزارة التعليم أيضاً، فهي بصدد تنفيذ قرارها القاضي بإغلاق المدارس الأهلية الغير نموذجية، ومن وجهة نظري فإن لهذا القرار تبعات سلبية كبيرة. فحسب آخر إحصائية “قديمة” فإن عدد المدارس الأهلية في المملكة هو 3583 مدرسة يشغل وظائفها 51515 معلماً ومعلمة، وحسب نفس الاحصائية فإن عدد الطلاب 576 ألف طالباً وطالبة، منها 73% مستأجرة غير نموذجية. ولا يصح دوماً المثل العامي “الحكي في الماضي نقصان عقل”، بل ما يصح فعلا هو “لا يرحم التاريخ من لا يستفيد منه”. فيجب على وزارة التعليم أن تتعظ وتعتبر بالسلبيات الناتجة من قرارات وزارة العمل، وتتعلم من أخطائها، فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ولا تكرر الخطأ نفسه وزارتين. فإن أغلقت هذه المدارس فإن مصير أكثر من خمسين ألف معلماً ومعلمة إلى المجهول، فلن تستوعبهم وظائف الوزارة، كما لن تستوعبهم المدارس النموذجية القلة، والتي هي نفسها لن تستوعب الخمسمائة ألف طالباً وطالبة. بل الأعجب من ذلك حقاً أن كثير من المدارس الحكومية مازالت مستأجرة، وأبنيتها غير نموذجية، فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه! اذا كان ولابد من تنفيذ القرار فلابد من التهيئة المناسبة بفترة كافية، ودراسة القرار من كافة جوانبه، وإن كنت أرى ان ترفع الوزارة مستوى اشتراطات الأمن والسلامة أجدر وأفضل. 

 

فإذا افترضنا بقاء الاشياء على حالها، فإن هذه القرارات و ما يماثلها ستزيد من نسب العطالة، واغلاق المنشآت، وبالتالي انخفاض اكبر في الناتج المحلي، و كل ذلك لا يؤدي إلى إنعاش الاقتصاد “إن عاش”، بل يؤدي إلى تنفير الاستثمار، وتهجير الاموال، وبالتالي انكماش الاقتصاد والدخول في مرحلة كساد لا سمح الله، وهذا ما أخشاه. باعتقادي قد حان الوقت للبدء الفعلي في التغيير الجذري على أصعدة عدة، ولكن أهمها وأكثرها تأثيراً هو وزارة التخطيط والاقتصاد. لابد أن يناط لوزارة التخطيط والاقتصاد دور فاعل وفعال، وذلك بالإيعاز لها بخلق خطة عامة للوزارات تتماشى مع رؤى وأهداف رؤية 2030، بحيث تتناغم الوزارات مع بعضها البعض، ويصبح كل وزير مكمل للوزير الذي قبله، فلا تستحدث أي وزارة أخرى أي قرار إلا من خلال وزارة التخطيط والاقتصاد، والتي بدورها تدرس تأثيرات القرار على كافة الوزارات، وعلى توجهات رؤية 2030، فإن غلبت إيجابياته وتماشت توجهاته مع الرؤية أقرته وتحملت تبعاته ، وإلا فإن لها مطلق الحرية في رفضه بالكلية أو التعديل عليه.

ومضة: قرأنا مؤخراً كيف قام فرع وزارة النقل والمواصلات بالطائف بمخاطبة المرور رسميا لمنع خدمة مشاركة الرحلات لأحد الشركات من ممارسة نشاطها في الطائف، رغم صدور ترخيص لها ولغيرها من الوزارة، في رأيي ما هذا الا نموذج حي على المركزية المفرطة التي تنفر المستثمر والتي تتعارض مع توجهات الرؤية. واخيراً، فكل ما استعرضناه من تسرع في القرارات، وبيروقراطية ومركزية في الادارات، وتقييد للأسواق ، كان كفيلا بعزوف طيران المها عن الاستثمار وخروجها من السوق ، ولمثل هذا فلنتنبه.

 

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى