أخبار منوعة

عيد النسور .. د.غادة ناجي طنطاوي إهداء لجنودنا البواسل المرابطين في الحد الجنوبي

في مساء كل ليلة أشاهد الأخبار لعل قلبي يسمع خبراً سار، مذيع النشرة يسأل مراسل الأخبار.. كم مقرًا قُصِف، كم صقراً سقط!! يجيب المراسل بكل فخرٍ و اعتزاز.. يا صديقي لم يسقط أحد بل صعدوا شهداء حلقت أرواحهم كالنسور في السماء، بعد أن حرق العدو سنابل القمح و قَطَّعوا أغصان الزيتون و الرمان..

هل أصبحت أرواح الهياثم منسية مهدورة!! أم أنها غدت أرقاماً تعودنا سماعها مرت مرور الكرام!! و إن كان الأمر كذلك فكيف لنا أن نسمي ما يحدث أحزان.. أيُعْقَل أن تنهمر الدموع على الهياثم و قد مات داخلنا الإنسان.
في مكانٍ آخر.. مساء توقيته مختلف، تطل فيه السعادة منقبة، يعانق فيه هلال العيد السماء و تعتلي صباحه شمس أزاحت عن فرحة العيد النقاب.. و رقصت التهاني فيه مختالة تلبي للفرح صوت النداء. فاحت رائحة حلوى العيد و انتشر عبقها في الأرجاء.. و اجتمعت العوائل إحتفالاً عم نوره الكون ضياء.. أتى العيد بعدة أوجه.. تارةً بوجه أبٍ مستبشر فرح
بهدايا الباريء الصمد الجسام، و تارةً أخرى بحزن أمٍ ثكلى إستشهد صقرها على الحدود فأمسى عيدها حسيرًا كسيرًا دون بهجةٍ مسلوب الحسام.

رأيناه على وجوه أطفالٍ صغار و نساء، و شيخ طاعن في السن يحدث عن الشهادة بلا رياء.. عن رحى حرب ضروس تدور في بيداء، يسقط فيها شهيد، يسعفه جريح، يكفنه شهيد آخر يصلي عليه جمع من الشهداء.. يغفر الله لهم بإذنه مع أول نفرة دم و يريهم منازلهم تحت سدرة المنتهى في المقام الأمين في عليين.. نسور أشاوس تحلق في الجنوب، لا ترى سوى قبورًا في زواياها قناص غادر بِسُمٍّ قاتل في الحنايا يدور، جثث هامدة في الجوانب ملقاة و أخرى متهالكة منسية لهول ما يحدث يأكلها الدود في الجحور..

كيف أعتذر منك يا ثكلى و ليس لي سوى قلم، رجوت الله مراراً أن لا يكون ضعيف الأثر.. و إن كان كذلك فعار علي السمع و البصر.. يا صقور بلادي البواسل في وطني أنتم العز و الفخر، يا من تقلدتم الأوسمة و النياط شرفاً على أجنحتكم، لكم من العلا منازلاً علوتم بها على كل جنود الأمم، لله دركم فكلماتي وحدها لا توفيكم حقكم قدر..

سألتك يا إلهي.. يا واحد أحد، يا عالم بالأفراح و النَصَب، يا جبار متفرد بالحكم فوق مستوى البشر، يا عالٍ ترقاه دعواتنا بلا درج، يا من شققت البحر لموسى من ضيقه حتى خرج،
أن تغفر للأحياء منهم، ترحم الشهداء، تداوي جرحاهم و تعافي المصاب.. سألتك يا حنان يا منان يا صاحب الجنان، أن ترعاهم بعدلك الذي لا يضام و ملكك الذي لا يرام، و تديم عليهم نعمة الأمن و الأمان، و أن لا تحرم عينهم في ليلٍ موحش المنام، فلا يطل عليهم عيدٌ آخر و هم بعيدين عن أهلهم و الأحباب..

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى