المقالاتشريط الاخبار

من يوميات مسلمة في بلاد الضباب 81 / مكة لا تغلق أبوابها…

بقلم/ سعاد الحدابي

أغلقت المطارات، توقفت وفود الحجيج القادم من كل فج عميق
تقطعت أواصر الدول، توقفت حركة البشرية برا وجوا وبحرا…
اشرأبت أعناق المسلمين، لهجت قلوبهم قبل ألسنتهم بالدعاء : ألا تحرم الكعبة من زوارها.ابتهلت الأمة وانتظرت بفارغ الصبر، و ظل الجميع مترقبا لموسم الحج، فيما العالم لايزال تحت خطر الوباء، والرحلات لم تستأنف إلى كثير من دول العالم فكيف بمكة التي ستستقبل آلاف الزوار في ظروف الحجر الصحي؟ وبدا أن الحج أشبه بمعجزة، فأي حاج مهما امتلك من الاستطاعة المالية والقدرة البدنية لا يمكنه الحجز إلا بعد التأكد من فتح المطارات وإعلان المملكة عن بدء الموسم، لقد حيل بين المسلمين وبين ما يشتهون فظلت قلوبهم معلقة وأسماعهم مرهفة لأي خبر قد تحمله الأقمار الصناعية عبر برامجها المتعددة، لقد اقتضت المصلحة العامة للأمة أن يحال بين انتشار الوباء وبين استقبال وفود الحجيج، وبعد انتظار وترقب تم الإعلان عن استقبال حجاج الداخل بشروط.
تنفست قلوب المسلمين الصعداء وهم يرون مكة تفتح أبوابها للحجاج ، لقد كان موسما استثائيا بامتياز تابعته جماهير الأمة من أقصى الأرض إلى أقصاها، لقد توحدت قلوب المسلمين فرحا بفتح الموسم، فالأمنيات التي رافقت شهر رمضان والذي لم يشهد وفود المعتمرين تحققت ،وهاهم حجاج الداخل الذين تحققت فيهم شروط الحج يحجون نيابة عن مليوني حاج من حجاج الخارج الذين اعتادت مكة على استقبالهم في كل موسم .
لقد حالف الحظ قلة من المسلمين الذين شهدوا حجا لا ازدحام فيه، وطوافا هادئا، تباعدت فيه خطوات الطائفين وأكتافهم واتحدت قلوبهم حبا وتعظيما للشعيرة التي جاءتهم كمنحة ربانية .
لقد طاف الحجاج ولبوا ووقفوا في عرفة ونحروا وتحللوا من إحرامهم في موسم حج لا شبيه له، وتزينت الكعبة بلباسها الجديد واستقبلت الحجاج الذين تحققت فيهم الشروط التي كانت أهم متغير في موسم حج العام 1441 الموافق 2020 ، هذه الشروط التي تتضمن سلامة المتقدم للحج من الإصابة بأمراض البرد، وأن يكون عمره بين 20-50، ولعلها السنة الأولى في موسم الحج التي لم نر فيها حجاجا من المسنين، وهو المتغير الثاني في موسم حج هذا العام، إذ إن كثيرا من المسلمين يؤجل هذه الفريضة حتى تكتمل له الاستطاعة المالية لاسيما الحجاج من آسيا والدول الفقيرة الذين لا يملكون القدرة المالية إلا بعد سنوات من تجميع المال اللازم للحج.
أيضا وجد متغير آخر يتمثل في أن تكون هذه الحجة هي الأولى للحاج كي يترك فرصة لغيره. وبدت الشروط معقولة؛ لاسيما إذا علمنا أن عدد الحجاج كان محددا بعشرة آلاف حاج من حجاج الداخل ، 30% من السعوديين و 70% من الجنسيات الأخرى، مما ساعد وزارة الصحة على متابعة حالات الحجاج الذين قد يبدو عليهم علامات الوباء، فقد خصصت مراكز عزل ومستشفيات ومراكز طبية لموسم الحج تحسبا لأي خطر قد يتعرض له الحجاج.
لقد ظل بيت الله معمورا، وظلت المملكة العربية السعودية فيما يشبه حالة الطواريء وقدمت كل ما من شأنه أن ييسر للحجاج حجهم.
لم يخل بيت الله من رواده، لم تتوقف حركة الطائفين ولم تخفت أصوات الملبين حول البيت العتيق، لقد ظللت دعوة إبراهيم عليه السلام أمته في أشد الأوقات حرجا وخوفا، ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا …) لقد اطمأن الحجيج وطافوا ولبوا وأتموا مناسكهم وعادوا إلى مدنهم التي وفدوا منها، لقد أسعدوا العالم الإسلامي بتلبيتهم نيابة عن الأمة في سنة أغلق العالم منافذه في وجه السياحة والزيارات الدينية وظلت الكعبة مقصدا للحجاج في عام الوباء الأكثر فتكا بالبشرية في ألفيتها الثالثة.

10/8/2020م

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى