“اذكريني” ..بقلم الدكتور: سعود بن صالح المصيبيح.
شاهدت فـي أحد الأيام فـيلمًا جميلاً لم أشاهده منذ فترة طويلة، من بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين بعنوان “اذكريني” بثته إحدى المحطات الفضائية وبدأت أستعيد تفاصيله، حيث أتذكر أنني كنت معجباً بالفـيلم وقصته الجميلة،
بل إنني كنت أحفظ العبارات التي كانت ترد على بطلي الفـيلم من شدة إعجابي ومعايشتي للفـيلم.. فقد كان أداء بطلي الفـيلم مدهشاً ومتعايشاً مع أحداثه الدرامية المثيرة، ورغم المدة الزمنية الطويلة التي مرت منذ إنتاج الفـيلم إلى الآن، إلا أن “اذكريني” ظل بمستواه الراقي شاهداً على المستوى المنحدر الذي وصلت إليه السينما العربية فـي وقتنا الحالي، حيث الافتقاد إلى القصة الجميلة والإخراج الراقي والأداء الصادق للممثلين.
“اذكريني” يمثل الخيط الوجداني فـي حياتنا الذي بدأنا نفتقده فـي ظل اللهاث اليومي بحثاً لنكون الأفضل والأميز، ولنكسب لقمة العيش للأفواه المكلفـين برعايتها وإطعامها.
قلت لصديقي الذي تهاتفت معه بعد مشاهدتنا للفـيلم: هل تظن أن العلاقة الوجدانية التي حكتها قصة الفـيلم لا تزال باقية فـي عالمنا المعاصر المغلف بالنزاعات والمطامع المادية..؟
قال: إن علاقة الحب السامية والصادقة موجودة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، وهي علاقة بين رجل وامرأة يفترض أن تنتهي بالزواج الشرعي الذي أقره الله عز وجل، وفـي حالة وجود ظروف مجتمعية تمنع الزواج، فإن العقل يتدخل لتحكيم العاطفة، ولكن العاطفة تظل جياشة وكامنة تتحرك فـي فترات متباعدة على حسب خيوط الذكريات التي تحرك الأحداث رغماً عن الطرفـين.
قلت: وهل تعتقد أن الحب نعمة متاحة للجميع؟
قال: أبداً هناك صفوة يحظون بهذا الشرف، وهم الذين يدركون الحب وجماله وروعته وصدق شعوره، وبالتالي هناك الكثير من الذين تمر عليهم الحياة دون أن يعيشوا قصة حب حقيقية ويدركون سمو هذه العلاقة الروحانية الجميلة.
إن الأصل فـي أي علاقة سامية هي أن تنتهي بالزواج، وقد قال تعالى فـي سورة الروم: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فـي ذلك لآيات لقوم يتفكرون”.
قلت: وماذا عن الزواج؟
قال: الزواج هو العلاقة التي يجب أن تنتهي إليها أي علاقة بين رجل وامرأة، ورغم خطورتها إلا أن طريقة الاختيار لا تزال تتم بطريقة عجيبة وسريعة.. خوفاً من الأهل من عنوسة ابنتهم.. وخوف الشباب من عقليات الأسر وتشددها فـي قبول زوج لابنتهم تجعله يفرح عندما يقبل زوجاً دون التفكير العميق بمدى ملاءمة الطرف الآخر بشكل مطلوب،
ومن هنا تكثر حالات الطلاق.. أو يتحول الزواج إلى مصالح متبادلة يحققها كل طرف للآخر، فيُحول الزواج إلى عملية روتينية خالية من الصدق والعاطفة والوضوح، ويتجه نحو الاستمرار لأسباب، منها صعوبة إيجاد البديل ، وكلام الناس ونوعية البديل، وهل سيكون أفضل من الوضع الحالي أو لا..؟ وما مستقبل الأطفال ومستقبل الزوجة نفسها بعد الانفصال إلى غير ذلك.
سألته: وماذا عن العشرة الزوجية..؟ أين موقعها..؟
قال: العِشْرة ضرورية للتآلف وليتعود كل طرف على الآخر مع وجود الاشتياق والاهتمام لإشباع الحاجات الفـسيولوجية، ولكنها ليست -على كل حال- طريقاً للحب السامي بالمفهوم الذي عرف عنه والذي لا يزال كنهه وأسبابه محيرة للباحثين، وأولهم -بطبيعة الحال- علماء النفس ومجالاته اللصيقة بهذا الأمر..
قلت: ولكن ألا نستطيع أن نوجد أي تفسير لمثل هذه العلاقة السامية..؟
قال: قد يكون هناك مفهومان للعلاقة بين الرجل والمرأة.. مفهوم يقوم على التعلق الشديد بالأنثى والتزام الأمانة والوفاء فـي الحب، بينما يقوم المفهوم الثاني على الحسية المصقولة والبذخ الواضح المنطوي على سعي المرء وطلبه لتحقيق ذاته، وهذا أدى إلى ظهور اتجاهين متغايرين؛
أحدهما يقوم على الانطواء على الذات وأن يجود الحبيب بنفسه فـي سبيل الآخرين؛ والاتجاه الآخر الذي يقوم على الانبساط على الذات وتحقيقها أبداً دونما اكتراث بأحد، وهي حالة قيس بن الملوح أو جميل وبثينة أو غيرهما، بمعنى أن الاتجاه الأول يقوم على العفة والوفاء لطرف واحد فقط، وتزيد العفة الحب اشتعالاً، فـي حين يفسده الوصال، بينما الحب فـي الاتجاه الأخير يعني الإباحية والعبث والاتحاد الشهواني..
قلت لصاحبي: دعنا نعود إلى “اذكريني”.. هل ترى نهاية الفلم مقبولة..؟
قال: النهاية محتملة وحدوثها ممكن، حيث تزوج ابن الحبيبة بابنة الحبيب وحققا حلم والديهما، وجاءت الأحداث درامية فـي وفاة الحبيب وزوجته ثم قيام الحبيبة بتربية ابنة حبيبها بعد طلاقها من زوجها على أثر معرفته بذهابها إلى حبيبها فـي المستشفى والسهر على راحته ثم تحولها إلى ممرضة بناء على أفكار حبيبها وهو روائي وكاتب معروف حيث يقول: “الحياة ليس لها معنى إلا إذا وهب الإنسان نفسه لتخفـيف آلام الغير”.. وقد أفترض أن هناك مغالاة غير مقبولة فـي أحداث الفـيلم، إلا أن قصته لا تبتعد كثيراً عن الحقيقة.
قلت: واقع الحياة واقع منطقي وعقلاني، وظروف الحياة تطلب من العاقل أن يبحث عن سعادة الآخرين، وذلك بالابتعاد الكامل عن الذكريات التي ربما تكون نتاج تجارب عاطفـية غير عميقة، ومن هنا فالحكمة تتطلب احترام المنهاج الشرعي وبعيداً عن الخفاء الذي لا يجلب إلا المصائب والمشاكل..
قال: هذا صحيح وأعتقد أن من الحكمة أن يعيش الإنسان واقعه، وينسى الماضي..
قلت: ربما إعجابي الشديد بالفـيلم وأحداثه جعلني أتحدث عن القصة دون أي تبعات أخرى..
ومضة:
يقول المؤلف على لسان البطل فـي نهاية الفـيلم: “وأنت يا منية النفس الدائمة.. الخالدة يا توأم الروح فـي كل زمان ومكان.. مهما ذهبت..ومهما هجرت ..اذكريني “.