المقالاتشريط الاخبار

النوستالجيا

النوستالجيا

بقلم

الكاتبة / دلال راضي

“النوستالجيا” مصطلح نفسي يعبر عن الحنين إلى الماضي بشخصياته وأحداثه، كون هذا الحنين ظاهرة تلازم الكثير من البشر، حتى أن بعض الدراسات المتعلقة بهذا الجانب ترى أن 80% من الناس يشعرون به مرة على الأقل في الأسبوع الواحد، خاصة مع تقدم السن والشعور بالوحدة وبأن الأمور تتغير للأسوء، أو الشعور بالفراغ وعدم الأهمية بعد عمر حافل بالعمل ومحفوف باهتمام الآخرين، ففي هذه الحالة يقوم العقل باستدعاء ذكريات الماضي الجميلة والدافئة لتعوض عما يشعر الإنسان بفقده ويحن إليه، وهذا ما عبر عنه الشاعر العربي قديماً بالبيت الذي أصبح يردد على لسان الكثيرين:
ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبرهُ بما فعل المشيبُ

إن الرجوع إلى الماضي واستنفار الذكريات المضيئة والمشرقة غالباً ما يثير الشجن ويدفعنا للكتابة سواء عن ذلك الماضي أو عن هذا الحاضر بايحاء من ذلك الماضي، فأغلب الناس وبدون مبررات واضحة يشعرون دائماً بالحنين إلى ماضيهم ويرونه أفضل من حاضرهم، ولو تأملنا في هذه الجزئية لرأينا أن ظروف الحاضر لهؤلاء أفضل بكثير من ظروف الماضي، فما الذي ولد الحنين فيهم إلى الماضي؟.. ولماذا يرونه أفضل من الحاضر؟.
السبب بكل بساطة أن ذلك الماضي رغم ارتباطه بصعوبة الظروف وشحة الامكانيات لدى الأغلب إلا أنه كان بسيطا وقريبا إلى النفس وخاليا من التعقيد والزحام والضوضاء التي نشهدها في وقتنا الحاضر، كما أنه يحمل في طياته كل الذكريات الحميمة، ويرتبط بفترتي الطفولة والشباب وأيام الدراسة والأصحاب والمغامرات والقرب من الأب والأم والإخوة والأخوات ولمة الأسرة، فهو زمن يرتبط بربيع العمر بكل تفاصيله وهذا ما يجعله مفضلاً على الحاضر وإن كان هذا الحاضر مفعماً بالرخاء المادي وحافلاً بالنجاحات والمكاسب المختلفة.

دائماً ما يطلق اسم الزمن الجميل على ماضي جيلنا نحن، وربما كل جيل له زمنه الجميل، وهو الفترة العمرية التي تجسد الرخاء الروحي والاستقرار النفسي وقلة الارتباطات والالتزامات والخلو من المسؤولية ووجود مساحة أكبر من الحرية الشخصية، وفرص الاستناد إلى الأهل في كثير من الأمور وتلقي الدعم المادي والمعنوي منهم، ووجود تقبل ما للدلال والمفاضلة بين خيارات متعددة في كثير من الأمور وهكذا، وكل هذه المميزات هي من تجعلنا نرى تلك الفترة من العمر زمناً جميلاً يعترينا الحنين إليه بين الحين والآخر.

قد يكون تذكر الماضي والحنين إلى تفاصيله ظاهرة سلبية وذلك حين يتم استدعاء الماضي للهروب من الحاضر، فالماضي لنتذكره لا لنعيش فيه، والواجب علينا أن نجعل تذكرنا للماضي إيجابياً ومفيداً بحيث نقدر ونثمن ذلك الماضي ونتذكر كيف كان نقطة انطلاق إلى المستقبل، وبالتالي ننقل هذه التجربة لأبنائنا وللجيل الذي يلينا وهكذا، فمن لا ماضي له لا مستقبل له.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى