من التاريخ الإسلامي
نغم محمد
الوليد بن المغيرة
هو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر المخزومي القرشي، أحد قادة قريش وسادتها في العصر الجاهلي ووالد الصحابيين خالد بن الوليد والوليد بن الوليد بن المغيرة.
من أغنى أغنياء قريش حيث ورد أنه بنى ركن من أركان الكعبة الأربعة عندما قامت قريش بترميمها واشتركت باقي القبائل في بقية الأركان، وورد كذلك أنه كان في موسم الحج وطول الأربعين ليلة يذبح للحجيج كل يوم عشرة من الإبل وقيل أن قافلة تجارته تقدر بمائة بعير حتى يقال إنها لا تدخل من باب واحد بل من جميع أبواب مكة حتى تصل الجمال في وقت واحد. كانت قريش تسميه الوحيد أو وحيد مكة لأن قبائل قريش تكسو الكعبة عام وهو وحده عام، ويقال أنه أول من حرم الخمر في الجاهلية.
أدرك الوليد بن المغيرة بعثة الرسول ولم يسلم، بل قال مستنكراً عدم نزول الدعوة عليه هو، وهو كبير قريش: “أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف، فنحن عظيما القريتين»، فأنزل الله فيه:  (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )  (الزخرف :31).
لما نشبت حرب بدر الكبرى جاء الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة إلى أبي جهل ابن هشام بن المغيرة ولما اختلى به سأله قائلاً “أترى محمداً يكذب؟” فقال أبو جهل: “ما كذب قط وكنا نسميه الأمين ولكن إذا كان في بني هاشم السقاية والرفادة والمشورة ثم تكون فيهم النبوة فأي شيء لبني مخزوم؟” فمن هذا يتبين أن بني مخزوم يرون أنفسهم في درجة بني هاشم وسبب امتناعه من الإسلام كما ذكره الإمام البغوي في تفسيره أن النبي في المسجد قرأ ( حم  تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ  غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)   (سورة غافر الآيات:1,2,3) وكان الوليد يسمع قرأته ففطن له (أي انتبه) رسول الله وأعاد الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه فقال : “والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يعلى عليه”. ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش صبأ والله الوليد، وهو ريحانة قريش والله لتصبأن قريش كلهم فقال أبو جهل :أنا أكفيكموه. فانطلق فقعد إلى جنب عمه الوليد حزيناً فقال له الوليد: “مالي أراك حزيناً يا ابن أخي؟” فقال: “وما يمنعني أن أحزن؟ وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد وإنك تدخل على ابن أبي كبشة وابن قحافة لتنال من فضل طعامهم” ، فغضب الوليد وقال: “ألم تعلم قريش أني من أكثرها مالاً وولداً؟ وهل شبع محمد وأصحابه ليكون لهم فضل؟” ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم: “تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يحنق قط؟” قالوا “اللهم لا”، قال: “تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهن قط؟” قالوا “اللهم لا” ، قال: “تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟” قالوا لا، فقالت قريش للوليد فما هو؟ فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس فقال: “ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر.” فنزل فيه قول القرآن في سورة المدثر ( إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ  فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ  ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ  ثُمَّ نَظَرَ  ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ  ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ  فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ  إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ  سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ) 
وفاته
توفي الوليد بن المغيرة ولم يسلم، وكان سبب وفاته أن جرحاً كان قد أصابه بأسفل كعب رجله قبل سنين انتقض عليه فقتله، وكان ذلك الجرح قد أصابه حين مرّ برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له، فتعلق سهم من نبله بإزاره، فخدش رجله ذلك الخدش الذي كان سبب موته. ويروى أنه حين حضرته الوفاة دعا بنيه وكانوا يومئذ ثلاثة: هشام بن الوليد، والوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد، فقال لهم: «أي بني، أوصيكم بثلاث فلا تضيّعوا فيهن، دمي في خزاعة فلا تطلنه، والله إني لأعلم أنهم منه براء، ولكني أخشى أن تسبوا به بعد اليوم، ورباي في ثقيف فلا تدعوه حتى تأخذوه، وعقري (صداق المرأة) عند أبي أزيهر الدوسي فلا يفوتنكم فيه». وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتاً ثم أمسكها عنه فلم يدخله عليها حتى مات. وقد مات الوليد بن المغيرة بعد الهجرة بثلاثة أشهر عن خمس وتسعين سنة ودفن في الحجون بمكة. (كذا في ابن الأثير والحلبية)