المقالات

خلط الأوراق وعواصف الشرق الأوسط

خلط الأوراق وعواصف الشرق الأوسط

بقلم 
الكاتب / عبداللطيف الضويحي

كلما لاح ضوء في آخر نفق الشرق الأوسط المظلم، تفجرت قضية جديدة تربك الحسابات وتخلط الأوراق وتعود بنا إلى نقطة الصفر، فلا نعرف َم ْن مع َم ْن، ولا َم ْن ضد َم ْن، ولا أحد يعرف كم ستصمد هذه الصداقات أو تلك العداوات. فتارة تكون الموجة دينية وتارة تكون مذهبية أو طائفية وأخرى قبائلية أو فكرية أو أيديولوجية وفي كل مرة ومع كل قضية جديدة، تتوالد مواقف جديدة وتتشكل محاور جديدة تقسم المقسم وتجزئ المجزأ وصولا لأهداف إقليمية ودولية تبدو مخيفة ومرعبة لحجم التعتيم على أهدافها والتي قد تصل إلى تقسيم الجغرافيا سياسيًا بما ينسجم مع أدوار جديدة وواقع جديد تفرزه يوميا الصراعات الميدانية في مناطق الصراع ضد الإرهاب. ليس دفاعا عن اتفاقية سايكس بيكو، والتي شارفت على نهايتها، فهي التي قسمت البلاد العربية جغرافيا وأعاقت وحدتها السياسية كسائر الأمم والحضارات والثقافات، فضلا عما تسببت به اتفاقية سايكس بيكو من ظلم لمن فوق الأرض وما تحت الأرض، لكن النسخة الجديدة من سايكس بيكو التي يتم تسريبها والتعبير عنها بانتظار الشرق الأوسط الجديد تعمل على تحريك السكان وتغيير الجغرافيا كي يفضي إلى تشكيل كيانات سياسية قزمية بمقاسات العولمة ومصالح قوى إقليمية ودولية. على ما يبدو ونظرا لحجم هذا الهدف الكبير والضخم والمتعدد المواقع والجوانب، يتم استخدام نظرية خلط الأوراق كثيرا فيما يدور في منطقتنا من أحداث ومواقف. وخلط الأوراق في علم السياسة نظرية تهدف لإرباك الرأي العام بحيث يحار هذا الرأي العام في فهم الأهداف التي يتم العمل عليها فتتداخل عليه النوايا والغايات والوسائل ويتداخل الأصدقاء والأعداء. ويلعب الإعلام دورا محوريا في تطبيق هذه النظرية وممارستها على أوسع نطاق، خاصة مع الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي والتي ينخرط بها شرائح وفئات شتى من المجتمعات على حساب الحقيقة غالبا وسط ضباب كثيف من التضليل وعدم الوضوح بالرؤية، ما يتسبب بتشظي المواقف إلى عشرات ومئات القناعات وتشرذم الرأي العام بدلا من تبلوره سواء على أساس سني شيعي، أو سني سني، أو على أساس أولويات التنمية أو الأمن وعلى أساسات كثيرة من الاهتمامات والمخاوف والتطلعات بين الشعوب والمجتمعات والتي لا تنتهي ولا تتبلور إلا بعد أن تزول العاصفة وبعد أن تضع الحرب أوزارها. كان آخر تلك العواصف، تلك العاصفة التي ضربت العلاقات الخليجية خلال الأيام القليلة الماضية بين المملكة والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، والتي أصبحت تهدد أهم تجمع عربي في تحقيق الأمن والتنمية، خلافا لكل التجمعات العربية التي قامت خلال الثلاثين سنة مع قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ومن دون شك كان هناك العديد من الأعاصير والعواصف التي ضربت العلاقات العربية العربية فيما مضى حول العديد من القضايا وبالتحديد منذ الاحتلال الأمريكي للعراق وحتى نشوب أحداث ما بات يعرف بالربيع العربي، بعضها أصبح يهدد وجود الدولة نفسها، خاصة مع توسع وتوالد المنظمات الإرهابية مدعوما بالفكر التكفيري المتطرف. ينظر العالم إلى منطقة الخليج العربي من منظور اقتصادي بحت دون أي اعتبار للبعد الحضاري والإنساني والقيمي، وذلك من منطلق أن المنطقة واحدة من أهم مصادر الطاقة في العالم بما تمتلكه من مخزون للبترول وهذا ليس عيبا، لكن الطبيعي والمنطقي هو أن منطقة الخليج لا تختلف عن الكثير من مناطق العالم حيث الحضارة والإنسان والتنمية. من هنا تأتي أهمية الحفاظ على ما حققته دول الخليج من إنجازات تنموية، ومن هنا تأتي الحاجة الماسة لبقاء واستمرار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهو الضمانة لحفظ التوازن بين دول المنطقة، وهو الأساس لحفظ الهوية العربية لدول مجلس التعاون الخليجية والمهددة بالكثير من المخاطر والتحديات. من هنا، نتوجه للإخوة في قطر بألا تكون بعض سياساتهم سببا في تمزق هذا الكيان العربي الذي حقق الكثير من الإنجازات ولا يزال أمامه الكثير من الفرص والتحديات، والكفيلة بأن تحقق المزيد من طموحات هذه الدول سياسيا واقتصاديا وثقافيا. ليس عيبا أن تقدم دولة تنازلا لصالح مجموعة من دول يضمها كيان سياسي واقتصادي وثقافي أكبر وأشمل، فكما هو معلوم هذا ليس زمن الدول إنه زمن التكتلات الاقتصادية والاتحادات السياسية بين الدول. إن ما يجمع شعوب دول الخليج العربية أكبر وأعمق مما يفرقها، وإن طموحات الشعوب أكبر مما تحقق بكثير، رغم أهمية الإنجازات التي تحققت، فيكفي الحروب التي تعاقبت على هذه المنطقة والتي أعاقت كثيرا من طموحات دول المجلس. نتمنى أن نستيقظ غدا أو بعد غد على خطوة من الأشقاء في قطر تعيد المياه لمجاريها بإيمان راسخ بأن مجلس التعاون ليس إطارا سياسيا فحسب، لكنه نموذج للنجاح في العمل المشترك اقتصاديا وثقافيا وسياسيا حاضرا ومستقبلا. كما أننا على ثقة بأن الجهود التي تقوم بها الكويت الشقيقة لن تذهب أدراج الرياح، لأن التحديات كبيرة، لكن فرص النجاح أكبر، شريطة توفر الإرادة و الإدارة.

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى