المقالات

مجلس التعاون الخليجي .. الأمل العربي الأخير

مجلس التعاون الخليجي .. الأمل العربي الأخير

بقلم
الكاتب / أ.د رشود محمد الخريف

شهدت الدول العربية تقهقرا فيما يتعلق بنظام الدولة الحديثة، فبعد استقلال كثير من الاستعمار، ونشوء الدولة بحكوماتها الوطنية ومؤسساتها وجيشها، عادت إلى مربع الصفر، أي إلى وضع ما قبل نشأة الدولة، خاصة بالنسبة إلى ليبيا، وسورية، والعراق، والصومال، واليمن، فأصبحت خارج نسق تصنيف الدول المعروف، الذي يصنف الدول إلى ناشئة، وشابة، وناضجة، وهرمة! نعم.. عادت إلى مرحلة ما قبل تكوين الدولة، أي مرحلة الفوضى والتناحر والنزاعات على السيطرة والنفوذ بين المجموعات والطوائف، للاستئثار بالسلطة واحتلال أكبر مساحة ممكنة، مع “تهميش” كامل للمكونات أو المجموعات السكانية الأخرى، ولم تتوانَ المجموعات المتناحرة عن تدمير البنية التحتية التي استغرق بناؤها عقودا وكلف ملايين الدولارات! وفي ظل هذا الوضع “المتردي” الذي تمر به بعض الدول العربية، يبقى مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأمل الأخير والنموذج الصامد في وجه عوادي الدهر، فقد أثبت وجوده منذ إنشائه في عام 1981م، أي لأكثر من ثلاثة عقود، وحقق إنجازات لم تتمكن جامعة الدول العربية من تحقيقها، رغم أنها تبقى دون طموحات مواطني دول المجلس، ومنها: إقامة منطقة تجارة حرة بدون رسوم جمركية، وإنشاء عدد من المؤسسات المشتركة مثل مؤسسة الخليج للاستثمار، وهيئة التقييس، وهيئة الربط الكهربائي، والمركز الإحصائي الخليجي، إلى جانب تسهيل السفر بين دول المجلس بالبطاقة الوطنية، وتسهيل الاستثمار وامتلاك العقار في دول المجلس، إضافة إلى مشاريع كثيرة قائمة، مثل توحيد التعريفة الجمركية، وكذلك العملة المشتركة، وغيرها. كما هو معروف، فقد أنشئ المجلس للأهداف التالية: تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، ووضع أنظمة متماثلة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والإعلامية والتشريعية، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين شعوبها. وتستند صياغة هذه الأهداف إلى رصيد طبيعي وبشري واقتصادي، فدول المجلس تتمتع بتجانس وتشابه لا يتوافر في أي وحدة دولية على وجه الأرض، فالجغرافيا الطبيعية والمظاهر البيئية متشابهة، والمناخ لا يختلف كثيرا من دولة إلى أخرى، ويشترك سكان الدول في اللغة والدين والعادات والتقاليد، وتحكمهم أنظمة متماثلة، كما تتمتع دول المجلس بموارد اقتصادية متماثلة تتركز في النفط والغاز، وتعاني دول المجلس مشكلات متشابهة، مثل الفقر المائي ونقص القوى العاملة الوطنية. وهذه العوامل المشتركة تدل على أن المتطلبات التنموية والاقتصادية متشابهة، والاحتياجات المستقبلية تكاد تكون متماثلة، ما يعزز موقفها التفاوضي في المجالات الاقتصادية والسياسية، لتحقيق مكاسب في العلاقات السياسية والاقتصادية. وإلى جانب هذه العوامل المشتركة والصلات القوية بين سكانها، فإن دول مجلس التعاون في حاجة إلى الترابط والتنسيق أكثر من غيرها، لعدد من الأمور، منها: أن معظمها دول قزمية من حيث مساحاتها ورصيدها السكاني، وأنها توجد في منطقة توتر مستمر، وتجاور دولتين لهما سياسات عدائية وأطماع توسعية “إسرائيل وإيران”. من هذا المنطلق، ولكي تعيش هذه الدول في سلام واستقرار، وتحمي نفسها من الضغوط والابتزاز من قبل بعض الدول الأخرى، فإنها لا تمتلك خيارا غير تعزيز ترابطها وتوحيد مواقفها السياسية والاقتصادية، والعمل على تعميق الروابط بين شعوبها، والمحافظة على مكتسباتها والإنجازات التي حققها المجلس خلال العقود الماضية. ولمواجهة الزوابع ويحتمل الأعاصير العاتية التي تعصف بدول المجلس بين حين وآخر، خاصة في الوقت الحاضر، فإن الوضع لا يحتمل مزيدا من التوتر والتصعيد، ما يتطلب إعادة ترتيب البيت الخليجي من خلال: 1) تعزيز أسلوب الحوار الأخوي لحلحلة القضايا العالقة قبل تفاقمها، والعمل بجدية لتقريب وجهات النظر، والتخلص من العوائق والمؤثرات التي تزيد الفرقة والاختلاف في المواقف السياسية والاقتصادية.
2) مراجعة نظام المجلس الذي يتسم بالعمومية، ليكون أكثر دقة في تحديد السياسات المشتركة في مجالات الاقتصاد والسياسة الخارجية، وذلك لتأكيد الالتزام من قبل دول المجلس، لتقوية الموقف التفاوضي لدول المجلس سواء في مجال الاقتصاد أو السياسة.
3) تعيين ممثل للسياسة الخارجية وآخر للشؤون الاقتصادية من بين وزراء الخارجية والمالية السابقين، وذلك لتنسيق المواقف والخروج بمواقف وسياسات موحدة.
4) إشراك مواطني دول المجلس في صنع قرارات المجلس، لكيلا يبقى المجلس مقتصرا على الحكومات فقط.
5) إنشاء مركز دراسات Think Tank مشترك يتكون من مواطني دول المجلس، وذلك لدعم صنع القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتشريعية.

 

مبادروة ملتزمون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى