الفقع.. وأهل القصيم
الفقع.. وأهل القصيم
استطاع أحبتنا القصمان زراعة الفقع، وهي التي امتنعت في كل القرون الماضية أنيزرعها أحد ..
اعلامي وكاتب صحافي : عبدالعزيز قاسم
* أكرمني بالأمس أحد الفضلاء الكرام من بريدة، بإهدائي كرتون من الكمأة (الفقع)، فقدألحّت عليّ زوجي بجلب بضع حباتٍ منها، بسبب إيمانها أن ماءه مفيدٌ للعين، وسبق ليقبل شهرين أن استغربت في سنآباتي عن غلائها، وهي ليست بتلك اللذة التي تجعلنانحرص عليها مقابل سعرها الباهظ، واستغربت الاقبال الشديد عليها.
* الحقيقة أنّ كثيرين ردّوا عليّ فيما استنكرته، ووعدتهم بالرد عليهم بعد القراءة المتعمقةعن (الفقع)، واستغربت أنه معروفٌ في أوروبا، بل قام أحد الأصدقاء في إيطاليا ببعثصورة له وأسعاره، حيث بلغ الكيلوغرام من بعض أصنافه 10 آلاف يورو، وأن غلاءهبسبب ندرته، والانسان مولعٌ بالنادر الغريب، وكذلك استشفاء الناس به من بعضالأمراض.
* الكمأ أو الفقع (في الجزيرة العربية) أو نبات الرعد أو بنت الرعد أو العبلاج (فيالسودان)، والترفاس (في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا)، فطرٌ بريٌ موسميٌيشبه البطاطا، وينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار بعمق من 5 إلى 15 سنتيمترتحت الأرض، ويستخدم كطعام. ويعتبر من ألذّ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية بماتقول الويكيبيديا.
* تراثنا يزخر بالكثير من المقولات عنه، وقد جاء في البخاري حديث رسولنا صلى اللهعليه وسلم: “الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين“، وقال ابن القيم: «ماء الكمأة أصلحالأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به، ويقوي أجفانها».
* وقال النووي: «الصواب أن ماءها شفاءٌ للعين مطلقًا، فيعصر ماؤها ويُجعل في العينمنه. وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عَمِيَ وذهب بصره حقيقة، فكحل عينه بماءالكمأة مجردًا؛ فشُفي وعاد إليه بصره“، ومن يبحث عن أقوال القدماء في الكمأة أو الفقع،سيلقى الكثير من المقولات حيال نفعه.
* العجيب أن الفقع نباتٌ لا يُزرع، بل ينمو بعد هطول الأمطار في الصحاري، على ثلاثيننوعًا منها، لذلك نُقل عن ابن حجر عن الخطابي قائلًا «إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلةلأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة، ويُستنبط منه أن استعمال الحلالالمحض يجلو البصر والعكس بالعكس».
* كنت أقول لصديق، إن البشرية استزرعت اللؤلؤ والسمك، ألا تستطيع استزراع الفقع؟. اكتشفت أن ثمة محاولات لاستزراعها جرت قديمًا، ولكنها باءت بالفشل. غير أن الصديقعبدالعزيز التويجري رجل الأعمال المعروف صحّح لي عندما التقيته في “كشتة خالدالسعود” مؤخرًا، وتطارحت معه الموضوع، فأخبرني بقصة أهل القصيم مع زراعة الفقع.
* قال لي التويجري: “استزراع الفقع كان شبه مستحيل إلى قبل 15 عامًا، حيث بدأ بعضالمهتمين بها بطرح أفكار خجولة حولها، ولكن المحاولات تزايدت بعدها بخمس سنواتفرأينا أفكارًا جادة حيال استزراعها، وتكلّلت محاولاتهم بالنجاح من خمس سنوات،واتخذت اليوم منحىً تجاريًا في بريدة وعموم القصيم“.
* يكمل التويجري: “دَرسَ هؤلاء المهتمون باستزراع الفقع كل ما يختص بنشأة وتكوّنهذه النبتة، وراقبوا سلوكها وأماكن نشأتها، وتبيّن لهم أنها غير مرتبطة بشجرة بما كانشائعًا، بل هي مرتبطٌة بانتشار فطرٍ في التربة، وهذا الفطر مرتبط بشجرة اسمهاالرقروق (الرقّه)، وهي نبتة تنثر البكتريا والفطر في التربة، حيث تبنت الكمأة أو الفقعمن خلالها“.
* رئيس شركة هضيم الصديق التويجري يختم لي كلامه: “الفقع يظهر بحسب التربةالتي يوجد فيها، ومنتظرٌ خلال خمس سنوات قادمة أن يكون هناك اكتفاءًا ذاتيًا نظرًالحجم المزارع الجديدة التي تستزرعها اليوم بشكل تجاري كبير في منطقة القصيم“. معنى كلام الصديق التويجري أن القصيم ستمد السعودية بكميات كبيرة من الفقع وربماسنصدرها للخارج أيضا.
القصمان –تتفق أو تختلف معهم– تجري في دمائهم التجارة، ولديهم روح المبادرةوالابتكار والابداع.
1
أكرمني أحد الفضلاء الكرام من بريدة، بإهدائي كرتون الكمأة (الفقع) هذا، فقد ألحت عليّ زوجي بجلب كمية منها، بسبب إيمانها أنه مفيد للعين، وسبق لي قبل شهرين أن استغربت في سنآباتي عن غلائها، وهي ليست بتلك اللذة التي تجعلنا نحرص عليها مقابل سعرها الباهظ، واستغربت الاقبال الشديد عليها. pic.twitter.com/cr58w6Ze5V— عبدالعزيز قاسم (@azizkasem) March 16, 2021