عندما دعيت لأكل اللحم النيئ
منصة الحدث ـ بقلم الأستاذ : عبدالعزيز قاسم ـ اعلامي وكاتب صحافي
•انتشر في مجموعات “الواتساب” مقطعٌ لأحد “السنابيين” السعوديين، يصوِّر أكل اللحم النيئ في إثيوبيا، وسبق لي أن مررت بتلك التجربة قبل خمسة عشر عامًا في الجنوب من تلك البلاد، وسطَّرت ما حصل لي في كتابي “الطريق إلى بلاد النجاشي أصحمة”، وكتبت:
•ولمست عادةً غريبةً في أهل (الحبشة) وسألت عنها أحد الباحثين وهو الأستاذ عبدالفتاح محمد، وتمثَّلت هذه العادة في أكل اللحم النيئ فأجابني والحبور يكسوه، وقد تحلّبت أشداقه بمجرد أن ذكرت له ذلك، بأنها من ألذِّ الوجبات والتي يحرص كثير من جهات (الحبشة) عليها .
•ومضى يسترسل -في انتشاءٍ لا حدود له- كيف هي طقوس هذه الوجبة التي يتجمّع لها مجموعة من الأهالي، حيث يقومون بذبح البقرة، وينهشون في لحمها، ويقطّعون اللحم إلى كرات صغيرة، ويلتهمونها نيئة ممزوجة بدمها وهم يتصايحون فرحًا، حتى يتركوا البقرة عظامًا فقط. وقد علّق كثيرٌ من الرحالة عن هذه العادة العجيبة لدى أهل (الحبشة)، وكيف أنها سببٌ لانتشار مرض (الدودة الشريطية) بينهم.
•هذه الأكلة تدعى عندهم: (القُرط)، حيث كان ملوك (إثيوبيا) وأباطرتها يتناولونها في كافة المناسبات، فهذه اللحوم النيئة يُضاف إليها أنواعٌ من البهارات والفلفل الأحمر والمخللات، وتقدّم في حفلات الزواج بالخصوص، حيث يقوم العروسان بتقطيع اللحم النيئ بدلًا من “التورتة” التي نعرفها، ويهجم بعدهما الضيوف لالتهام ذلك اللحم، وكنت أتخيل هذا –والرجل يحدثني- ولا أستطيع تصوّر هذا المنظر، ولكأنه فيلم رعبٍ متوحّشٍ من أفلام “هوليود” الخيالية .
•بيد أن هذا للأسف هو الواقع، حيث يُفاخر بها الأثيوبيون كإرثٍ وثقافةٍ ضاربتين في الجذور. (القُرط) له مكانة كثقافة أثيوبية لا يُمكن أن تخلو المائدة الأثيوبية منها، ويأكلها أتباع جميع الأديان، ولا تقتصر على فئة معينة، وتدعى عندهم وجبة الشجعان والفرسان، يتفاخرون بأكلها.
•حاججني محدِّثي عندما أبديت شيئًا من التقزّز، الذي خرج رغم إرادتي، وإلا فمن العيب إظهار ذلك احترامًا لثقافتهم؛ أن ثمة شعوبًا أوروبية تأكل (السمك) و(السلمون) نيئًا، وهو جزءٌ من تراثهم وثقافتهم؛ فألجمني وتفهّمت، وخفّ ما بي من تقزّز وعدم قبول.
•الرجل تشجّع عندما رأى تعابير وجهي المنبسطة وقبولي لكلامه، وبعدما أعطاني ذلك الباحث وصفًا تفصيليًا لهذه العادة في أكل اللحم النيئ بدعاية كبيرة؛ ألحّ عليّ في تجربتها، فامتقع لوني ثانية، واكتفيت ببلع ريقي، مزدردًا العافية، سائلًا الله السلامة، ومضيت عنه لا ألوي، مستحضرًا مقولة الروائي الروسي العالمي “أنطون تشيخوف”: “نحن لا نعيش لنأكل، بل لنعرف ما هو إحساس تناول الطعام”،
•ولعمرو الله مع كرات اللحم النيئة تلك، لا أدري أية أحاسيس سأشعر بها!!
ربما وأنا في المستشفى طبعًا.
تغريدات الاعلامي وكاتب صحافي : عبدالعزيز قاسم
https://twitter.com/azizkasem/status/1557681023307087873?t=SHiwgGT3hPFgwwZU6qtKrQ&s=19